(الحلقة الأولى)
عبد الهادي فنجان الساعدي
في الطريق الى التاجي كنت اشاهد باستمرار ما كتبناه في الستينيات (اوقفوا القتال في كوردستان) على جدران معمل الغزل والنسيج في الكاظمية ، وكانت الكتابة ما تزال الى سنة 2003 بعد السقوط .
لقد قررنا الكتابة عن المستقبل ولكننا بكل تاكيد لن نتخلى عن حقنا فيما كتبناه وتحملنا مخاطره ومسؤولياته في الماضي . صحيح ان سنة التطور تشمل حتى الاحجار ولكننا بالرغم من كل ذلك لن نتخلى عن حقنا فيما كتبناه ، وما ناضلنا من اجله ، انه الانسان الكوردي الذي يشبه الى حد بعيد الانسان العربي في كل مآسيه والكوارث التي مرت وتمر بالاثنين . اننا من اجل أن نكتب عن المستقبل لابد من الاستناد الى الماضي القريب على اقل الفروض حيث كوردستان كانت القضية المركزية لمعظم الاحزاب اليسارية العراقية والانسان الكوردي هو الوجه الثاني للانسان العربي في العراق ، وعندما تصبح كركوك محل نزاع بين عربيتها وكورديتها دون الرجوع الى عراقيتها فبالامكان حل النزاع بالطرق الحضارية واحلال الفكر والحلول الثقافية المتقدمة على الحلول الشوفينية الرديئة.
من ضمن فقرات المادة (140) هو تعويض المواطن العربي الذي يرغب في الرحيل عن كركوك بمبلغ عشرين مليون دينار عراقي وهذا ما تم الاتفاق عليه بين الاطراف ، وبغض النظر عن اسعار السكن في بغداد العاصمة وبقية المحافظات وكم هي عالية فان المبلغ توافقي ولا يستحق الجدال حوله ولكن المشكلة فيمن لا يرغب في الرحيل بعد ان اصبح لديه اطفال ولدوا وتربوا في كركوك وتكونت لديه شبكة من العلاقات والمصالح وامتدت جذوره عميقا في هذه البلدة .. هل هناك فقرة ترغمه على الرحيل ؟!! أن لم تكن هناك فقرة .. واذا كان هناك محافظ ومدير شرطة يتصفان بالانسانية وروح المسؤولية العالية.. فهناك من لا زال يحمل جرثومة الشوفينية التي يوظفها لابتكار طريقة معينة لترحيل هذا العربي (اللعين) الذي يصر على البقاء في (كوردستان/كركوك) والذي يحمل رائحة البعث وقرارات الصدامية المقيتة من وجهة نظر الكثير من هؤلاء الاكراد الذين يريدون ان يعيدوا التاريخ البعثي الصدامي بكل طرقه المبتكرة .. فاللعبة الان اصبحت معكوسة وعليه فتبادل الادوار لابد أن يتم بتقنية عالية .
يقول صديقي محمد سليم سواري ان العرب العراقيين هم اكثر شعوب المنطقة عطفا وتحسسا وانسانية في التعامل مع الانسان الكوردي والقضية الكوردية إذ لا تجد هذا التعامل الانساني الحقيقي في معظم دول الجوار الصديقة اللدودة بالرغم من اختلاف لغاتها ولهجاتها ومع ذلك نجد ان اصحاب القرار الكورد ينظرون الى الانسان العربي العراقي نظرة دونيه باعتبار أن الدور اصبح عليه بعد أن امطر عليهم انواع الموت من الارض والسماء حتى اختتمها بالخردل الاصفر والتفاح الكيمياوي. وكاننا سناخذ كل العرب العراقيين بجريرة علي الكيمياوي ، علما ان خارطة علي الكيمياوي شملت العراق من الجنوب الى الشمال ولن ينسى الكويتيون اصحاب الديون القذرة والديون البرلمانية المستعصية مواقف علي الكيمياوي وكذلك مواقف الجيش العراقي حراس البوابة الشرقية الذين انتهكوا كل البوابات العربية والاسلامية لغرض التمرين على غزو اسرائيل اخيرا وازالتها من الوجود بعد ان تعطينا احدى دول المواجهة لاسرائيل بعض الاشبار من ارضها !!!
بغض النظر عن موقف الدول الدائنة للعراق التي تنتمي الى نادي باريس وبعض اشتراطاتها لاطفاء ديون العراق ، يبقى موقف اليابان متفردا إذ انها اطفات ديونها على العراق من دون شروط مسبقة ومنحته مليار دولار لاعادة اعماره.
هذه المواقف الانسانية تذكرني دائما باصرار مجلس النواب الكويتي الشقيق المصمم على استيفاء الديون الكويتية وعدم التنازل عنها وكانها لم تكن ديون بغيضة وكان الكويت لم تسحب سابقا وما تزال من حقل الرميلة الجنوبي ما يعادل كل ما اخذته زمرة صدام من اسلاب حرب واموال احتلال .
نعود الى داخل البيت العراقي لنرى مصداقية الاخوة التي تربط قابيل بهابيل وما السبب في قتل احدهما للاخر !!! الم يكن هناك متسع من الارض ليعيش فيه الاثنان ؟!! هل كانت هناك حقول نفط ليتنازع عليها الاثنان قابيل وهابيل .. ام ان ما استجد اصبح اكبر مما كان ؟!!
يقول الخبير النفطي الاستاذ فؤاد قاسم الامير صاحب كتاب (ثلاثية النفط العراقي) الذي استطاع أن يعطي كل واحد من خبراء النفط الذين كتبوا قانون النفط والغاز استحقاقه من الطين ليضعه على خده(1) وليثبت لرعاة البقر بان العراق هو الذي كان يؤسس للعالم قوانينه قبل أن يولد اصحاب الرقاب الحمر (RedNecks) ويهاجروا الى امريكا لاستعمارها : يقول : دع الاكراد يستثمرون نفطهم الذي يساوي (5%) فبعد سنوات قليلة سينفد هذا النفط ولن يبقى لهم من شيء يستندون اليه في طلب الاستقلال عن العراق وهناك سيعودون للمركز حتما.
لقد تم الكشف عن عمليات استثمار كوردية في المناطق (المتنازع عليها) وهذه مسالة جديدة ففي نفس الوطن هناك (مناطق متنازع عليها) .. وكما يقول احد اصحاب القرار الكورد عن اتفاقيات النفط : أننا سنستمر في الاستثمار الى حين حل النزاع حول هذه المناطق حتى لو كانت عربية بعد عشرات السنين وفي ذلك الوقت سيكون النفط قد نضب في هذه الحقول !!! كيف تكون الكوميديا السوداء والضحك الذي يشبه البكاء ؟!!!
أننا لسنا ضد الانسان الكوردي ولكننا ضد كل من يحاول ان يدمر هذا الانسان ويستغل وجوده لمصالح شخصية وعشائرية رخيصة . لقد سمعنا الكثير عن استغلال النفوذ حينما كنا في كوردستان ولكننا لم نحاول أن نطرح تلكم الفضائح النتنة دون وجود مستندات ووثائق رسمية ، وسنبقى نواصل طروحاتنا من دون اتهامات ولكن بموجب الوقوف الى جانب الانسان مهما كان هذا الانسان عربيا أم كورديا أم تركمانيا (فانا في صف الجوع الكافر)(2).
وعند العودة للكتابة عن المادة (140) من الدستور نقول بان اعمال العصابات والتهجير القسري والترهيب واستغلال السلطة والنفوذ والتفجيرات .. هذه الاعمال المتبادلة بين كل الاطراف لن توصل كركوك وقضيتها الى جرف الحل العادل ففي الوقت الذي تعتبر كركوك جوهرة كوردستان يعتبرها البعض الاخر معقلا من معاقل الانكشارية التي تركها جحا بعدما استعمر هذه البلاد لثلاثة قرون كالقطران وهرب لئلا يذبحه (العربان) قبل القوات الانكليزية المحتلة الجديدة(3). أما القسم الثالث فيعتبرها البركان الذي يوشك أن ينفجر في اية لحظة .. اما نحن فنقول مسكين هذا الانسان الكركوكي فهو يعيش على خط الفقر المترب في اغنى بقعة في العالم .
الحواشي:
(1) مثل عراقي (يعطي كلمن طينته بخده) أي يعطي كل انسان استحقاقه من الرد المفحم الذي يستحقه .
(2) جزء من قصيدة للشاعر العراقي الكبير مظفر النواب .
(3) عندما كانت القوات التركية تنسحب امام القوات الانكليزية في الحرب العالمية الأولى كانت (العربان) تتبع القوات التركية لسلبها ما تمتلكه وعندما يسال هؤلاء الجندي التركي الذي يقبضون عليه : اين الليرات الذهبية يؤشر على بطنه ، أي انه ياكل بها الطعام الذي يشترية فكان (العربان) يبقرون بطنه ظنا منهم انه يخفي الليرات الذهبية في معدته !!!
التعليقات (0)