(الحلقة الثالثة)
عبد الهادي فنجان الساعدي
كان لدينا مشروع ثقافي هو اصدار ملف القصة الكوردية وبالفعل فقد صدر الملف في جريدة الاهالي من خلال كادرها الثقافي وعن السؤال عن السبب في تسمية الملف بهذا الحيز الضيق وهو القصة الكوردية . وليس القصة العراقية قلنا بان المثقف العراقي يعرف عن القصة الروسية والقصة الامريكية وكذلك الاوربية واللاتينية التي تبعد بلدانها عن العراق الاف الاميال اكثر مما يعرف عن القصة الكوردية التي تقع في نفس المساحة الكونية للعراق وفي نفس الهم المشترك فالمعاناة واحدة الا ان اللغة تختلف وقد نظرنا اليها بنظرة وطنية بحته وكان الهدف هو تسليط الضوء على كل الاماكن المظلمة في ساحة الثقافة العراقية ومن هذا الباب حاولنا ان نصدر ملفا اخر عن القصة التركمانية كهم عراقي وكمنطقة معتمة اخرى ليس في انتاجها ولكن في عدم تسليط الضوء عليها بسبب قرون التخلف الحضاري ولهذا السبب ذهبنا في زيارة الى نادي الاخاء التركماني العراقي في بغداد (قارد اشلق) واتصلنا بالمسؤولين وكان على راسهم مسؤول النادي وهو دكتور حيث طرحنا المشروع عليه وعلى القائمين على النادي وعلى مسؤولي المكتبة الا ان القضية تحولت الى عتاب سياسي عن حقوق تركمانية مهضومة في كركوك . وتعود مظلومية هذه الشريحة الكبيرة من العراقيين التركمان بحسب كلام الدكتور الى تاريخ العراق القريب ومنذ تشكيل حكومة العراق في سنة 1921 . وهكذا ضاع ملف صحيفة الاهالي عن القصة التركمانية وفشل مشروع ثقافي اخر في زحمة التراكم السياسي للمظلوميات التي بدأت تتضاعف في متوالية عددية مؤلمة .
هذا الموقف دفعني للتفكير باحداث كركوك الرهيبة في اواخر الخمسينيات والمواقف التركمانية الوطنية والقومية والتي حيرتني في توجهها حيث نعرف ان الاقليات تتوجه نحو الافكار اليسارية والمتطرفة وذلك لايجاد مخرج لازماتها المستديمة والاضطهاد اليومي المستمر ولكن ما الذي يربط التركمان بالقومية العربية والتوجه العروبي في بداية نشاة ذلك التوجه عند بعض العرب القوميين .. اسئلة عديدة اجاب عن نتائجها الكاتب التركماني عزيز قادر الصمانجي ولم يجب عن اسبابها بشكل يعكس صورة المؤرخ الناقد انما بصورة المؤرخ الذي نقل الحدث كما تنقل الكاميرا تلكم الصور المؤلمة مع تعليقات تكاد تكون عاطفية اكثر منها نقدية. اعترف بان الصمانجي والهرمزي قد اضافا لي الكثير من المعلومات ولكن اين هي النظرة التحليلية او النقدية لديهما ؟!! اننا بانتظار الكثير من الاجوبة عن اسئلة تزداد مع انتقال العالم الى القرن الجديد بعد ان ودعنا القرن الماضي بماسي كانت صغيرة بالنسبة لماسي التركمان العراقيين في القرن الجديد .. ولكن خيبتي كانت تزداد كلما امعنت في التفكير بمواقف القيادات التركمانية .. لقد قاد التركمان العراق في سنوات عديدة وكانت لهم اثار على مجمل الحركة السياسية والاجتماعية والدينية في العراق ولكن ذلك لا يعكس ابدا صورة التركمان في العراق الان وهم يقفون بانتظار بطل يحارب الان ايضا في جبهة اخرى حربا خاسرة بكل المقاييس من اجل الدخول في الاتحاد الاوربي بعد ان ترك القارة التي يقع ثلاثة ارباع بلده فيها ليلتحق بالربع الاوربي ، اما الحلم الذي يراوده عندما ينظر الى الخلف فلا يعدو ان يكون حلما تغلفه النظرة الانكشارية في التعامل مع قارة اسيا باكملها ومع العراق بشكل متدني سياسيا ولا يعكس اية نظرة حضارية حيث لم يتمكن من نسيان هزائمه في العراق وانسحابه البائس من بغداد والمدن العربية امام قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وكانها معركة خسرها وليست حربا مصيرية تقرر بموجبها تغيير وجه التاريخ واختزال الامبراطورية العثمانية بكلمتين (الجمهورية التركية) حيث علقت البدلات الامبراطورية والنياشين السلطانية في متحف (توب كابي سراي) الرائع الذي يحمل عبق الماضي وذكريات اكثر من ثلاثة قرون من الاحتلال الرديء بكل مقاييس العصر.
اننا نعرف ان اربيل كانت تركمانية وليست كركوك فقط بمعنى الثقل السكاني والكثافة السكانية (كان التركمان يحتلون المرتبة الأولى سكانيا في اربيل الا انهم اخذوا يشكلون الثقل السكاني الثاني فيما بعد تزايد هجرة سكان القرى الكوردية المحيطة بها نتيجة حملات الانظمة العراقية على تلك القرى خلال حركة ملا مصطفى البارزاني)(1). ولكن ما فائدة ذلك واليوم وبموجب الاحصائيات المعتمدة يشكل الاكراد 90% من سكان اربيل وهي عاصمة كوردستان الجميلة .
ان الحلم الانكشاري التركي يلتقي مع احلام بعض التركمان العراقيين الذين يقفون بانتظار البطل كما يقف الكثير من العرب والمسلمين في قوسي الاطلسي وحدود الصين الغربية .
(أن التركمان ظلوا لفترة طويلة يعلقون الامل على (تركيا الفتاة) على انها ستكون قادرة على حمايتهم وصيانة حقوقهم لدى الحكومة العراقية ان لم تطالب باستعادة ولاية الموصل التي كانت موضع الخلاف بين الدولتين للفترة السابقة وهكذا ظل التركمان في سبات عميق لفترة طويلة تحت تخدير ذلك الامل الاقرب الى الوهم منه الى الخيال .. فلم يتحقق وكان من الطبيعي ان لا يتحقق لانه كان مبنيا على مقاييس خاطئة بعيدة عن الواقعية لذا لم يرَ التركمان بموجبه الا ذاتهم دون اعارة أي اهتمام للحقائق الكبرى)(2).
أن حال العرب كان كذلك وتعلقهم بالامال الكاذبة التي صورتها حركة (تركيا الفتاة) لكل الشعوب التي تقع في محيط الامبراطورية العثمانية .
لقد كان تحليل الاستاذ الصمانجي هذا صائبا ولكنه لم يستعمل نفس هذا الاسلوب الراقي النقدي في التحليل في كل استنتاجاته السابقة واللاحقة .
وعند العودة الى المادة (140) من الدستور العراقي تركمانيا نجد ان التركمان ما زالوا يمثلون (وديعة) عند الجمهورية التركية وكانهم لم يكونوا قد شاركوا في صنع مصير الدولة العراقية وشاركوا في الكثير من اجهزة ومؤسسات الدولة العراقية على مدى تاريخه المليء بالدم والبارود وبناء العسكرتاريا التي كانت تزداد مع تزايد مساهمات العسكر في الحركات الانقلابية البائسة. اننا نقف مذهولين امام المواقف والاجراءات لشريحة التركمان الواسعة والمؤثرة في مناحي الحياة العراقية وكان انتظار حركة (تركيا الفتاة) ما زال الحلم الذي يراود هذه الشريحة العراقية التي تمتد مع امتداد شرايين الماء والنفط العراقي ومع نخيله الى الجنوب بموجب معطيات الحياة الجديدة ولا دور لهم في قانون الفعل ورد الفعل او في جملة الفعل التي تتالف من الفعل والفاعل والمفعول به في زمن تشكل معطيات العولمة ادوات مهمة بايدي اردا انواع البشر من القتلة ، ولكن التركمان للاسف لا يعرفون كيف يوظفون القانون الفيزياوي الثالث إذ ان لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه فكريا وعلى مستوى منظمات المجتمع المدني وكشريحة تمثل جزءا هاما من النسيج العراقي الذي يبدأ بالتفكك بمجرد اخراج هذا الجزء المهم من هذا النسيج .
انها ليست دعوة للثورة ولكنها سؤال بصيغة التعجب : هل فعلا ما زال التركمان بانتظار (تركيا الفتاة) في الحين الذي ما تزال تركيا تنظر الى العراق ولاية عثمانية بحاجة الى فرقة من الانكشارية الحالمين لكي تعيده الى الحضيرة؟!!
ان المادة 140 من الدستور العراقي تحتاج بشكل اكيد الى الضلع الثالث في مثلث الحل العراقي البسيط دون الدخول في لعبة التحالفات الدولية البائسة والمركبة .
حاشيتان:
(1) التاريخ السياسي لتركمان العراق / عزيز قادر الصمانجي / دار الساقي / ص105 .
(2) المصدر نفسه ص127 .
التعليقات (0)