نلحظ بين فينة وأخرى أنَّ المحيط الذي نعيش ونتكيف فيه بحاجة إلى غربلة، وغربلة متجذّرة، لأنها لازالت مجبولة بالأفكار والهواجس، والتراث الغني الذي يولّد فيه الكثير من القناعات المزيّفة، الراسخة، التي تكرّس، وللأسف، الجهل الأحمق!
الجهل، الذي كنا نُمني النفس أن يكون اندثر مع مرور الزمن.
ولايمكن، وبهذه القناعة، أن نكون متطلّعين إلى عالم أعم وأشمل وأكثر انفتاحاً، إذا لم يكن لذلك الأفق الذي نبحث عنه، ونجري للحاق بركبه، أية قيمة أو فائدة ترتجى، مادام أنّ هذه الهواجس، تركت في نفوس الكثير من الشباب نقاط تلاقي مخيفة، وخطوط إمداد مؤلمة، وقد تكون ميؤوس في الوصول إليها، وخلو ذلك من أي هواجس تلهب الواقع وتتماشى معه.
وقد يتساءل البعض: ماذا تعني هذه الهواجس، وما هو هذا الوجود الذي يضطرنا إلى الامتثال لها، أضف إلى أنّ هناك الكثير من التحدّيات التي فرضها علينا الزمن الذي أدمى القلوب، وقلّب المواجع، وأصابها في الصميم؟!.
ومن غير اللائق أن يكون للكثير من مفرّدات الحياة التي نعيش، بعض التحدّيات، لأنها تعكس مرآتها الحقيقية، وهي من صلب جذورها. ومن بين هذه المفرّدات، لازال هناك علامات بارزة تؤيد هذا الاتجاه، وذاك الطموح، بما يلبّي رغبات الكثير من الشباب الطموح، والمراحل العمرية التي تليه، والذي تدرّج إلى واقع لازال يحثُّ الانخراط والاهتمام به.
دعونا ندخل في مفهوم هذه العلاقة، ومن أوّلها، بين الشاب والفتاة، ومن مفرّداتها، الحب، ومن ثم لابد، في نهاية الرحلة من نهاية حتمية تجمع فيما بينهما، مادام أنّ البحث عن الهدف هو من صلب قوام هذه العلاقة التي أريد لها أن تؤسّس لعلاقة وجدانية.
علاقة يتزعمها رابط الحب، وقدسيته، وفي النهاية فانَّ اللقاء يتوّج بالزواج، وهذا هو المفهوم العام لأي علاقة صادقة، ويراد منها أن تكون مبنية على ثوابت صلبة، وإلاّ فإنّها تواجه تحدّيات خطيرة، أو أن يكون هناك مد وجزر لهذه الرابطة مبدأه الفشل الذريع لأنه قائم على تحقيق مأرب ما.
وهناك مفهوم آخر عن صدق العلاقة التي تربط بين صديقين تعلقا مع بعضهما البعض بعيداً عن أي مسارات وأهداف أخرى.
الواقع يشير إلى أن هذه العلاقة تكرّس ود حقيقي، واحترام متبادل مادامت أنها مبنية على أسس صحيحة، قوامها الواقع، وليس لمجرد موقف بسيط، وغير مسؤول، تُهْدَم وتلغى، وكأنها لم تكن.. ومثال ذلك كثير، وهذا ما أساء للصداقة وأفرغها من مضمونها، وللأسف!
فكثير من العلاقات التي كانت مبنية على المحبّة والتفاهم والقناعة الكاملة، إلاّ أنها كانت ترمي، في الواقع، لتحقيق غرض ما، وبمجرد انتفاء هذه الحاجة، ترهّلت، وتأجّجت نارها بين الطرفين، وأصابها فتور وإحباط، وآخر الدواء، كما يقال، الكي، بالانقطاع والابتعاد والتراخي والظنون، والاعتقادات الخاطئة، وبروز كل ما يثير لهذه العلاقة ويسيء إليها، على السطح، بسبب الحكايات التي صارت تروى وتترصدها، بعد أن كان يغلّفها الحب، ومثالها الاحترام والود، وما يعوّل عليها من رابط أخوي، وأهمه الصدق.
أنموذجان من الحياة حاولنا قدر الإمكان إلقاء الضوء عليهما، والوقوف على مدى العلاقة، والرابط الذي يمكن من أن يؤسس لـ علاقة الحب والتآلف والتآخي والصدق بين الحبيب وحبيبته، والصديق وصديقه.
فالحالة الأولى، الخيانة، وعدم الجدية في اكتمال الصورة التي كانت رسمتها تلك الشابة، زوجة المستقبل، بعد أن تعلّقت بذلك الشاب، الذي أذكى في بداية المشوار الأحلام، ورسم لها طريقاً مفروشاً بالورود والرياحين، فيه الكثير من الاحترام والشوق، إلاّ أنه فشل في ذلك، لأنه لم يكن مقنعاً في خطواته، وفي رغبته، وفي تعامله معها، وإنما أراد أن يقضي رغبته، والإفادة من تلك الإنسانة ـ الحبيبة التي سبق وأن تعلّقت به، ورسمت طريقاً، لم تصحُ منه إلا فيما بعد، أن وقعت أخيراً في الاختيار الخطأ! في الفخ الذي هيئ له كل الطرق للإيقاع بها!
أما الحالة الثانية، الصداقة، وما اعتراها من صور جميلة، وعلاقة حميمية، في بدايتها، جمعت بين صديقين يحترمان بعضهما البعض، ولمجرد موقف بسيط، انهار كل شيء، فجأةً، وكأن العلاقة بينهما لم تكن بالأصل مبنية على أسس صحيحة، والسبب، بالتأكيد، وجيه ومقنع، وهو انحدار تعامل أحد الطرفين على الوتر الآخر، وكانت الغاية، ليس الوصول بالعلاقة إلى برّ الأمان، لكن كان الهدف منها تحقيق مأرب مادي ما، أو الوصول إلى غرض آخر، كشف مع مرور الوقت ما أدى إلى انقطاعها!.
فالحياة، لاتتوقف عند موقف ما، فهي مستمرة، وفيها الحلو والمر.. وقد يجمع بينهما يوماً بئر المودة، لأنه الغالب على طبعها، وهو ما يجعلنا نتفاءل بها على الرغم من قسّوتها.. وتظل التحديّات التي تواجه الشباب، اليوم، فيها الكثير من الخطورة، والفشل الذريع هو عنوانها الأبرز.
التعليقات (0)