عبد المنعم الاعسم كيف حدث هذا؟ أعني ما يحدث في بعض كواليس السياسة: خصوم الامس صاروا سمناً على عسل، وحلفاء البارحة طلّقوا بعضهم بالثلاث، وكثير من الماء جرى على هامش السباق الى المجهول، أما الشعارات والبرامج والمواقف القديمة فقد تخلى عنها هؤلاء وصاروا أخف من الريشة، ومن زاوية يبدو ان المطلوب هو تصفيات الحساب: تلوي يدي هنا، الوي يدك هناك. حتى الآن، تجري فصول اللعبة في الكواليس، وكأنها تجري بين اشباح (أين كتاب اللامعقول؟) ولا ينبغي الاطمئنان كفاية الى القول الشائع ان النية تتجه الى تصفية القلوب والعودة الى حكمة التوافق والتكافل والتضامن والأخوة والشراكة، فان شيئا قليلا من هذا يحدث في الواقع حتى الآن، وان من يقترب من دائرة تلك الكواليس، ومن يمعن النظر في تسريباتها، سيعرف كيف يلوي البعض ذراع البعض الآخر من المواضع الحساسة، والهدف إجبار الآخر على التنازل عتبة عن قاسم المشهد ومقسوم الامتيازات، وطبعا سيكون المراقب في حاجة الى تفكيك بعض الالغاز والرطانات عما يقال حيال العملية السياسية والمصالحة الوطنية، والتضحية في سبيل الشعب، ومكافحة الفساد، واعادة الاعمار، الذي يجري باختصار، محاولات حميمية لإعادة هيكلية المصالح الفئوية، وترتيب مصالح هذا الجار أو ذاك، وبهدف توظيف نتائج هذه المعركة، في حساب جديد للحجوم والمقامات، وثمة في السياق الكثير من الابتزاز والضغط والتلويح بإجراءات وتعديلات وتحالفات جديدة، وثمة بالمقابل ايماءات عن تحريك ومراجعة قواعد وثوابت وتعهدات واستحقاقات سابقة، المتقدمون يتصرفون كأصحاب حق اضافي، والمتأخرون غير مستعدين للتنازل عن مساحاتهم، فيما يبحث الآخرون عن معابر قصيرة وآمنة للامساك بالحصان الجامح، وبكلمة موجزة، فان المراقب الموضوعي لهذا الصراع يلاحظ ان ثمة اندفاعاً متعجلاً لفرض معادلات جديدة يتساقط عنها منافسون أو طامحون أو خاسرون، وان هناك ليّ اذرع، وأصواتاً توجع واستغاثة، لكن ثمة فرصاً محدودة للكسبٍ على السطح من دون ثمن . المزاحمة، سياسة آنية، إملائية، يستخدمها المتصارعون و وكلاؤهم من موقع قوة، أو من زاوية ظرفٍ مواتٍ، حرجٍ، لمعاقبة الآخر أو اقصائه أو حمله على الاذعان لموقف ما، ويساعد الاشتقاق اللغوي والدلالي للمزاحمة والتزاحم والازدحام على الاستطراد في كشف قدرة هذا الفعل في ان يلهم علوم السياسة استخراج معاني غاية في الاهمية مثل مزحوم وبمعنى اضطرته المنفعة، أو متذرع، أو ذرائعي، والذرائعية (مذهب النفعية) التي جاء بها وليم جيمس وتشارلس ساندر بيرس وتوسع فيها جون ديوي، وتعني ان قيمة كل شيء تتمثل في منفعته وهدفه، وهذا ما اعنيه بالهواء الفاسد.
التعليقات (0)