هههههههههههه .. كخخخخخخ .. !!
بقلم : عمر غوراني
قرأت لأحد المدونين منذ أيّام غير بعيدة ما معناه : " لا يغيظني كالذين يضحكون على المدونات بـ هههههه ! والأدهى وأمرّ ، الذين يضحكون بـ كخخخخ ! " ..
والرجل – دام مهابه ودام عزّه وجنابه – بدا لي أنّه ممن يحتاطون لوقارهم ، ويحفلون بمهابتهم ، ولربما يبالغون في ذلك قليلاً أو كثيراً ..
والحقّ أنّ ثمّة ثالثة ، بدا لي أنّ الأستاذ لم يطّلع عليها ، فتلك هي : ( كعكعكعكع ...) قد رأيتها في بعض مواقع التواصل ، وإن كانت أقلّ شيوعاً ، تكتبها لي ابنة أخ مطبوعة على المرح ، في تواصلنا بالمحادثة على الـ (فيس) وهي أمّ ذات بنين وبنات .
أمّا الترتيب من حيث قوة الضحكة ، بحسب فهمي لمقاصد كاتبيها ، أو ضاحكيها إلكترونيّاً .. فالهأهأة ؛ أي : ( هههههه) أقلّها شدّة ، وهي مذهبي في الضحك المكتوب . وأمّا الكخكخة ؛ أي : (كخخخخ) فهي الأشدّ منهما والأعنف ، وإن بدا أنّ صاحبها يمارس قمعاً على نفسه بتشغيل الفرامل لكبح جماح ضحكته .. وأمّا الثالثة : الكعكعة : (كعكعكعكع ) فلا أدري إن كانت في منزلة بين المنزلتين ، أم أعلى من الكخكخة ، وإن كنت لا أحسبها دون الهأهأة ..
والضحك ، لا سيما في شكله الصوتي المعتاد ( ههههه) هو صوت هوائي زفيري رئوي ، مشترك مع التنهّد في المخرج الصوتي وإن كان التنهّد هائيّاً محضاً ، والضحك هائيّ مهموز .. وكلاهما : الهمزة والهاء – على الترتيب – أعمق الحروف العربيّة مخرجاً في الجهاز الصوتي ، خلافاً لعبقريّ اللغة الخليل بن أحمد ، الذي ظنّ العين أعمقها فوضع معجمه (العين) مرتّباً بحسب الأعمق مخرجاً .. وكلاهما : (التنهّد والضحك) مشترك – لا إراديّاً غالباً – في تفريغ شحنات داخليّة من همّ أو حزن أو كرب ، ولا أقول : فرح أو سرور .. فإنّ الضحك – فيما أرى – تفريغ لشحنات كرب لا فرح ، وذلك هو السرّ في الارتياح أثناء الضحك وبعده ..
والاثنان : الضحك والتنهّد ، مشتركان مع ثالث هو البكاء ! وأعني البكاء الصائت (العويل) لا الصامت (الدامع) يشتركان معه في المخرج الصوتيّ والغاية .. ! فالضحك والبكاء والتنهّد كلها مشتركة في المخارج الصوتيّة ، وفي الغاية ، التي يُتوصّل إليها لا إراديّاً ..
والناس مع الضحك صنوف ؛ منهم من لا تراه يضحك البتّة ، ولا ربما حتى يبتسم ، لغاية – ربما – في مهابة مطبوعة أو مصنوعة . ومنهم من لا يضحك ولا يبتسم ، لأنه لا يجد أصلاً ما يبعث على الابتسام . وقد كان العبد الفقير كاتب هذه السطور واحداً من هذا الصنف الأخير .. وكنت أشعر أنّ قلع أضراسي واحداً إثر الآخر أهون عليّ من الابتسام لأمر ، الناس من حولي يضحكون له حتى انفجار الخاصرة .. ! فلما فطنت إلى الحديث الشريف : ( وتبسّمك في وجه خيك صدقة ) وكان يتناهى إلى سمعي- بسبب من حالي مع الضحك والابتسام- انتقاد بشبهة الكـِبر ، وإلى شعوري نفور أحسّه من بعض الأصحاب من تصحّر ملامحي من الابتسام ، تكلّفت الابتسام بداية ، ثم ما لبث أن صار عادة كلّما لقيت أصحابي ..ثم لمّا عظم الكرب وكبرت المسؤوليات ورأينا المضحكات المبكيات على الصُّعُد السياسيّة والمجتمعيّة ، صار الضحك – بل والقهقهة أحياناً - مفروضاً عليّ بعصا الواقع الأليم .. !
ومن الناس من يضحك ويبتسم باعتدال ، ومنهم من يفرط في الضحك حتى يفقد السيطرة لا على ضحكه وحسب ، بل على توازنه الجسدي فيقع على الأرض ، أو على قفاه – بتعبير بعضهم – ومنهم من رأيناه يتمرغ في الأرض كالذبيح من شدة الضحك .. ومنهم من رأيناه وسمعناه ، وقد انقلب ضحكه بكاءً وعويلاً حقيقيّاً من آلام في عضلات بطنه بعد فقدانه السيطرة على نفسه .. وما هي إلاّ لحظات يستعيد فيها توازنه بعد نوبة من الضحك الهستيري ، لربما تذكّر – حتى نجح في الفرملة – كلّ أحبابه الموتى وكلّ المآسي والفواجع الوطنيّة والإنسانيّة .. حتى يدخل في نوبة أشدّ من ذلك الضحك ! ومنهم من رأينا بل وسمعنا – وما شهدنا إلاّ بما علمنا – من يفقد السيطرة بضحكه على مخارج الصوت لديه كلّها !!
أمّا الضحك المكتوب أو الإلكترونيّ – إذا صحّ التعبير – فقد لقي استحساناً وهوى في استخدامه ، لدى فئة طبعت حياتهم الشخصيّة على حبّ البساطة والبعد عن التعقيد والكلفة ، واستخدمه آخرون على استحياء ، يزيلون به حواجز المسافات بينهم وبين المتلقّي ، لا سيما في غياب الصوت والصورة معاً .. وأفرط في الهأهأة قوم طبعوا على المرح وحبّه حتى جعلوها هعهعة أو كخكخة . وظلّ قوم على حالهم من رفضها جميعاً ، لمهابة – اللهمّ زدهم – مطبوعة ، كما قلت ، أو مصنوعة ، بل وانتقادهم – موبّخين – من يستخدمها ..
اللهمّ ارحم المهأهئين ، واغفر للمهعهعين والمكخكخين ، وتقبّل المهيبين الوقورين الممسكين . واحشرنا جميعاً مع مع الصالحين والمتّقين ، يا ربّ العالمين ..
التعليقات (0)