هنري كيسنجر في مذكراته : الراقصة نجوى فؤاد أجمل شيء في العالم العربي
سعاد سليمان : في الجزء الثاني من مذكرات هنري كيسنجر نتابع سرده إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط أثناء فترة توليه شئون الخارجية الأمريكية ، ونتعرف على دوره فيما وقع من أحداث ، فيقول كيسنجر في بداية عام 1970أخذت آلهة الحرب
باستعراض ترساناتها ، لأنه كان يبدو جلياً ، حاجتها إليها قريباً ، وكانت تقع اشتباكات كل يوم على طول قناة السويس ، وقامت إسرائيل بغارات جوية داخل مصر مع هجوم بالقنابل حول القاهرة ، وفي دلتا نهر النيل ، خصصت هذه الغارات لإظهار عدم قدرة جمال عبد الناصر ، ولوضع حد بالقوة لحرب سميت بحرب الاستنزاف ، وكان يرد ذكر اسم جولدا مائير بصفة رئيسة وزراء إسرائيل ، وتؤكد لزائريها ، أنه طالما ناصر يرأس مصر ، فلا تقدر هي على تحديد إمكانية إحلال السلام . ويستطرد كيسنجر في وصف الأحداث قائلاً : وهناك على الجبهة الأردنية ، كانت خلقة عنيفة من غارات الفدائيين على إسرائيل ، والانتقادات الإسرائيلية تتصاعد ، وتجابهت إسرائيل وسورية في مرتفعات الجولان ، وأخيراً قام ناصر وبصورة فجائية بزيارة سرية إلى موسكو ، وعلى أثر ذلك تركزت جميع قضايا الشرق الوسط أكثر فأكثر في علاقات القوتين العظميين . وكانت أمريكا مثقلة باختلافات داخل الحكومة حول طبيعة هذه المشكلة ، وقد بينت وزارة الشئون الخارجية أن سبب متاعبنا النزاع الدائر بين إسرائيل والعرب على أرض ، وإذا حلت هذه المشكلة يضعف نفوذ العرب المشددين ويضعف دور الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط ، ووجهت هذه الفكرة عملنا الدبلوماسي طوال عام 1969 ، وحملتنا على تقديم اقتراحات لتسوية إجمالية أكثر تحديداً . ويتشكك كيسنجر إزاء هذه الفرضيات فيقول : كنت أقدر الوضع كالتالي ؛ أن للراديكالية العربية خمسة أسباب رئيسية : اختلال إسرائيل لأراضيها ، الوجود الإسرائيلي ذاته ، الاستياء العام من الوضع الاجتماعي والاقتصادي ، معارضة المصالح الغربية ، ومعارضة المعتدلين من العرب . ويمكن تسوية أول هذه الأسباب فقط ، وستبقى بقية الأسباب دون تغيير . ويواصل كيسنجر : ولم يراود تفكيري أبداً أن تسوية النزاع الإسرائيلي العربي ستؤدي وبصورة أكيدة إلى تقليص النفوذ السوفيتي . وكان مستحيلاً على التدخل في سياسة الشرق الأوسط حتى نهاية عام 1971 لأن وزارة الشئون الخارجية كانت تؤول إلى روجرز . أما موقف نيكسون فيقول كيسنجر : كان الرئيس على اقتناع أن معظم رؤساء المجتمع اليهودي كانوا ضده على مدى حياته السياسية ، وكان يردد مازحاً : إن القلة من اليهود الذين صوتوا إلى جانبه يجب أن يكونوا على جانب من الجنون إذا ثبتوا على ولائهم له ، حتى في حال مهاجمته إسرائيل ، وكانت رغبته ملحة أن يبرهن لحاشيته ووزرائه أن المجلس اليهودي ليس له عليه أي مأخذ . ولسوء الحظ لم تتح الفرص لنيكسون الظهور بمظهره الحقيقي ، والذي يثبت حقيقة نظريته ، لأن التحليل الجغرافي السياسي الذي قام به في جميع المشاكل الواقعية ، أدى على اتخاذ مواقف متشابهة والتي يتخذها هؤلاء الواقعون تحت تأثيرات عنصرية ، والذين يخالفونه فيما يرمي إليه ، وكان دائماً يحاول أن يبرهن على أنه غير خاضع للمؤثرات التقليدية ، التي عانى منها غيره من الرؤساء ، ولكنه في نهاية المطاف ، بعد أن يصطدم بواقع النفوذ في الشرق الأوسط ، كأن ينتهي ، بعد ارتباك شديد وتفكير قلق إلى تطبيق السياسة ذاتها ، متخذا ذريعة مصلحة الأمة ، تقليص النفوذ السوفيتي وإضعاف موقف المتشددين العرب ، وتشجيع العرب المعتدلين ، وتأمين سلامة إسرائيل . ويؤكد كيسنجر ذلك بقوله : نيكسون وأنا كنا نقطع الطريق منفصلين ، ولكن عندما يحين وقت اتخاذ قرارات خاصة بالشرق الأوسط ، كنا نلتقي بالرأي ، ونساند بعضنا في جميع تصرفاتنا . كان كل على طريقته يقدر أن الوصول إلى حلول لقضايا المنطقة يتوقف على سياسة أمريكية قوية ، فدوام بقاء إسرائيل متوقف على مساندة الولايات المتحدة ، أما العرب المعتدلون فكانوا يؤملون أن تستخدم أمريكا نفوذها على إسرائيل في سبيل الوصول على صلح مشرف ، كما أن العرب المتشددين يتذرعون بحاجتهم إلينا ، ويستغرقون كيف أننا على الرغم من كل اقتدارنا ، لم نستطع وضع حد لفضيحة واترجيت . ويستمر كيسنجر في سرد مذكراته قائلاً : أبدى نيكسون عزماً أكيداً على تدشين ولايته الثانية بالإعلان عن مبادرة دبلوماسية ، في سبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط ، مفضلاً ذلك على إعداد خطط حكمه .. وفي عام 1973 أشار كل من الصحفيين ، رولاند إيفان وروبيرت نوفاك ، إلى الضغوط المتزايدة ، من قبل البلدان العربية صديقة الولايات المتحدة ، لإقرار دبلوماسية خاصة تجاه الشرق الأوسط . لم تكن الاتصالات والمباحثات التي أجريتها مع مستشار أنور السادات لشئون الأمن القومي إلى نتائج إيجابية ، بسبب اختلاط جميع المبادئ التي تقوم عليها أزمة الشرق الأوسط " نزاع إسرائيلي ـ عربي ، صراع إيديولوجي بين عرب متشددين ومعتدلين ، نفوذ ومنافسة القوى العظمى " وبالتالي لا يمكن التوصل لحل جزء دون التعرض لغيره . إن خلق دولة إسرائيل بمساندة الولايات المتحدة ألهب الشهور العربي ، ودعا على إعلان الحرب ، إن إسرائيل أوجدت شعبها بقوة السلاح ، وبقيت منذ ذلك الوقت غير معترف بها ، ومنبوذة ، تثير غيظ جيرانها ، واجتازت إسرائيل في عام 1967 خطوط الهدنة ، بعد أن كانت مصر جمال عبد الناصر ، قد أعلنت عن محاصرة الميناء الإسرائيلي إيلات ، وتقدمت بجيشها نحو إسرائيل في المنطقة المجردة من السلاح ـ صحراء سيناء ـ وبعد ستة أيام انتهت الحرب ، كانت إسرائيل خلالها قد وضعت يدها على مناطق واسعة في مصر وسورية ، وكذلك في المنطقة العربية لنهر الأردن فزاد هذا في كراهية العرب لها . ويتحدث كيسنجر عن دور مصر والأردن قائلاً : كانتا تحاولان إجراء مفاوضات في بداية ولاية نيكسون الأولى ، ومن بين كل الزعماء العرب ، كان الملك حسين يبدي استعداداً لاعتبار إسرائيل أمراً واقعاً ، وللتفاوض معها ، وكان يعتقد على وجه العموم أنه سيتبعه في ذلك بعض الدول العربية ، وما من أحد استطاع تكذيب هذا الرأي ، وقد أصبح هدفاً لعداء العرب المتشددين ، لأنه رفض قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة عام 1967 ، ومن ثم لأنه أبعد منظمة التحرير الفلسطينية عام 1970 ، وحكم بالضعف على هذا العاهل المعتدل الموالي للغرب ، لعدم قدرته على إيقاف مد التشدد الفعلي والحقيقي ضد مشروع السلام ، وكانت شائعات الرأي العام ، تؤكد أن الأردن سيكون البلد العربي الثاني في عقد وثيقة الصلح مع إسرائيل . وعن دور مصر يقول : أصبح في يد مصر مفتاح دبلوماسية الشرق الأوسط ، وكانت الضرورات الأساسية ، تعزز من موقفها ، لأنها تغلبت بهيبتها ، وتقاليدها ، ونفوذها الأدبي وتضحياتها العديدة ، في سلسلة من الحروب الإسرائيلية العربية ، وهي أكثر عدد سكان بين البلدان العربية ، ونقطة الانطلاق الفكري في المنطقة ، ويشكل مدرسوها العمود الفقري للتنظيم الثقافي في العالم العربي ، وتستقطب جامعاتها طلاباً من المنطقة بكاملها ، وليس هناك أي بلد ، باستثناء الصين ، تملك تنظيماً سياسياً ، مثل ما تملك مصر . توفي جمال عبد الناصر وخلفه أنور السادات غير المعروف سياسياً ، ولا يتمتع بالتقدير المطلوب وكان خبراؤنا ، على وجه العموم ، يذهبون إلى أن وجود السادات سيكون مؤقتاً وانتقالياً ، وسينهار أثر استبداله بأقرب وقت بعلي صبري ؛ الأمين العام للاتحاد الاشتراكي العربي ، وهو معروف أكثر منه ، ويعرف أيضاً بتقربه لموسكو ، ولم يقلد السادات منذ البداية توجهات عبد الناصر، فبدأ بمناورة معقدة ، كان يهدف من خلالها تعزيز وضعه في العالم العربي أولاً ، في حين أنه كان يتجه بمصر نحو نظرية قومية قابلة التحقيق ، وفي حال اضطراره لإجراء تسوية بخطى سريعة وواقعية ، فلا بد له من العودة إلى اتباع طريقة سلفه عبد الناصر ، من حيث معاداة الغرب ، لكنه أبعد علي صبري ومن يلوذ به في عام 1971 ، ووقع في الشهر ذاته معاهدة صداقة لمدة عشرين عاماً مع الاتحاد السوفيتي . وكان نيكسون يريد في الواقع فرض تسوية عامة خلال رئاسته ، وهناك العديد من بياناته ؛ المكتوبة والشفهية ، تثبت موقفه المبدئي ، وكان يعتقد أنه غير مدين بشيء للناخبين اليهود ولن يستفيد شيئاً من تصويت اليهود . وقد ساهمت ثلاثة أحداث في إيجاد حلول لقضايا الشرق الأوسط ، أولها أن نيكسون كان يتحاشى تفجر الوضع في سنة انتخابه ، وثانيها قمة موسكو التي كانت تميل إلى تهدئة الأمور ، وقلصت تصدير الأسلحة إلى مصر ، فتذمر السادات لفقرة وردت في بيان قمة موسكو تشير بكل وضوح إلى تجميد قضية الشرق الأوسط . ويستطرد كيسنجر قائلاً : على كل حال فهم أنور السادات واقع ما جرى ، وهذا ما أدى للانتقال للحدث الثالث والحاسم في تلك الفترة ، وهو انسحاب الجنود السوفيت إبان قمة موسكو ، كان بالنسبة للسادات تلك النقطة التي جعلت الكيل يطفح ، وهذا التواطؤ الظاهري ، بين السوفيت والأمريكان شكل صدمة عنيفة لمصر ، كما ورد ذلك في مذكراته " أي السادات " ، ثم صرح في أحد خطاباته أنه لن يقبل أبداً أن يصبح الشرق الأوسط في المرتبة الرابعة أو الخامسة من أولويات السوفيت ، وهكذا أقدم السادات على مناورة جريئة ، اختص بها نفسه فطالب بإبعاد جميع العسكريين السوفيت من مصر ، خلال ثمانية أيام ، وكان يقصد إلى هدفين : الأول إزاحة عائق يحول دون الهجوم على إسرائيل ، وهم السوفيت لأنه كان يعلم أنهم لن يحركوا ساكناً في العمليات العسكرية ، وثانياً يفاجئ العالم بانفتاح دبلوماسي على الولايات المتحدة . ويوضح كيسنجر رأيه في المصريين بقوله : ملاحظة المصريين ، دون شك ، العديد من الاختصاصات الثقافية ، لدى الجانب ، الذين التقوا بهم ، طوال آلاف السنين من تاريخهم ، ويصعب على هذا خلب لبهم ، وفي الواقع ، إذا صدف وتكشف أمر عن بعض التعقيد والإشكال فإن المصريين أهل أن يوجدوا له الحل السريع ، فأخذ إسماعيل القضية على محمل الجد وبعد تبادل آراء ، اتفق رأينا أخيراً على إجراء يقبله العالم قاطبة ، ويسمح بصورة عجيبة أن تشترك فيه جميع الأطراف الإدارية ذات العلاقة . عندما وصل حافظ إسماعيل إلى واشنطن عام 1973 ، كنا على معرفة ضئيلة بتصورات مصر الحقيقية ، وكنا نقدر أن هذه الاتصالات هي بمثابة مؤشر مشجع ، ويجدر بنا موازنتها ، مع ما كان يجري من مباحثات بين مصر وموسكو ، واستمرار الدعاية الحربية المصرية ، كان إبعاد القوات السوفيتية من مصر ، حدثاً هاماً ، لكننا نستطيع أن نستنتج أن إقدام السادات على ذلك كان ليفسح المجال لنفسه ، بطرح مبادرات عسكرية ، وكما يبدو لنا ، أن السادات ، كان يتبع دوراً ملطفاً مأخوذاً من الاستراتيجية الناصرية ، فهو يقدم لنا مثلاً برنامجاً عربياً متكاملاً متضمناً تنازلات ، ويعرف أن الفلسطينيين سيعارضونه مسبقاً ، لأن السوفيت هم الذين يساندونهم ، ومن العسير علينا أن ندرك بالضبط مطالب السادات ، وربما هو نفسه لم يقدر بعد ما يريد . كان السادات كغيره من فرقاء النزاع ، أمام طريق مسدود ، وحيث إنه كان كثير التصور ، فلربما أن هذا سبب له بعض الحرمان فهو يعلم أن البرنامج النهائي للانضمامية العربية ، لن ينفذ ، لكن التخلي عنه يعرضه للعزلة في العالم العربي ، دون أن يضمن له بالمقابل ، موافقة إسرائيل ، وبالفعل إذا حكمنا على ما تطلقه إسرائيل من تصريحات علنية فإن التسوية تدعو إلى التخلي عن أراض مصرية ، الأمر الذي لن يقبل به السادات أبداً . ويؤكد كيسنجر أن الصلح يستوجب تنازلات من قبل العرب ، وهذا أمر عسير القبول به ، ضمن إطار ما أوجدته خسارة حرب 1967 من حرمان وخيبة أمل ، وهذا ما كان يدعو السادات إلى الوقوف بصلابة أمام مشروع تسوية مؤقتة ، وهو يخشى أن يتهم بالضعف ، لا بعدم القدرة على مسك زمام السلطة وفن تدبيرها ، ولهذه الأسباب مجتمعة ، وفي سبيل إيجاد مخرج لهذه المشاكل ، جاء إسماعيل إلى واشنطن . ومن الذكريات التي يعتز بها كيسنجر عن مصر وسحرها وجمالها ، ومن أجمل الذكريات التي يصفها بأنها : مازالت منطبعة في مخيلتي ولا تفارقني أثناء زياراتي المتكررة للقاهرة ، وبعد يوم طويل من المفاوضات والجدل بين دهاليز السياسة ، أخيراً أستريح في سهرة أحرص فيها دائماً على وجود الراقصة المصرية التي فُتنت بها وهي الفنانة نجوى فؤاد ، وكنت أحرص قبل وصولي إلى القاهرة على التأكد من وجود الراقصة الجميلة في مصر ، وأسأل عن أماكن تواجدها حتى أراها ، وكانت تبهرني ، بل أعتبرها من أهم الأشياء الجميلة التي رأيتها في الوطن العربي إن لم تكن الشيء الوحيد . ويعود كسينجر للحديث السياسي مرة أخرى فيقول : كان السادات طوال هذا الوقت يؤجج نار الموقف من خلال النتائج لأن ما من أحد كان يأخذ تهديداته مأخذ الجد ، وقد صرح قائلاً " إن الموقف قد حان لتوجيه ضربة ، والعودة على القتال ، أصبحت منذ الآن وصاعداً ، لا يمكن اجتنابها " وما من أحد أيضاً يعتقد أنه يملك الوسائل ليضع تهديده موضع التنفيذ ، واعتقد أن كل ما في الأمر تلميح إلى القيام بغارات جوية ، وإطلاق نيران المدفعية . ولما كان حافظ إسماعيل مطلعاً على نية السادات في خوض غمار حرب ، فإن الضمان الوحيد الذي تستطيعه الولايات المتحدة هو الإبقاء على البرنامج العربي كاملاً غير منقوص ، ولن يثني عزمها عنه شيء ، ولو كان هذا مستحيلاً فعلاً ، وعلى الرغم من أن إسماعيل كان عسكرياً فإنه يحمل في نفسه إنسانية فائقة يتصف بها المصريون ، ولا يريبه شيء متوقع الحدوث ولا يمكن اجتنابه ، واتجه الشرق الأوسط نحو الحرب ، وكنا نحن نجهل ذلك ، لكن إسماعيل كان مطلعاً عليه . ويستمر كيسنجر في وصف أحداث حرب 1973 ، فيقول " خلال هذه الأوقات كنت أفكر إذا ما كنا في بداية حرب في الشرق الأوسط ( وهذا مازلنا نشكك فيه ) فإن أمامنا أمرين يجدر بنا تدبرهما : ماذا علينا أن نعمل ؟ وماذا يجب أن نقول ؟ وككل الناس ، كنت أنتظر نصراً إسرائيلياً سريعاً ، لكن التاريخ قد علمنا أن كل حرب في الشرق الأوسط تعود فتصبح أزمة عالمية بين وقت وآخر ، هذا وأن حرمان العرب من حقوقهم ، سيحمل السوفيت على الوقوف موقف التهديد ، ولا شك أيضاً أن أوروبا ستبتعد عما ندبره في هذا الوقت بالذات إذ إنها لم توافقنا قط على مساعدتنا إسرائيل " . ويرى كيسنجر أن لا بد من وجود سلام يشمل المنطقة ويوضح ذلك بقوله: إن مذكرة بريجنيف تحترس من إبداء أية إشارة لاتخاذ رأي موحد لدى مجلس الأمن ، ولا تأتي على ذكر طريقة ما لوضع حد للحرب ، لكنها تبحث في ما يراه بريجنيف موافقاً بالنسبة للشرق الأوسط ، ومن مبادرات دبلوماسية سوفيتية وأمريكية موحدة ، للتمكن من فرض سلام في الشرق الأوسط ، ضمن الشروط التي يحددها العرب ، وعلى أساس انسحاب إسرائيلي شامل ، وهذه صيغة أصبحت مألوفة ، وهذا كله يتم لقاء ضمانات أمن غير محدد نوعها ، ومن المهم جداً أن تعلن إسرائيل خلال ذلك عن رغبتها في الانسحاب من جميع الأراضي العربية . ويواصل كسينجر: كان السادات يدعونا للإسهام في مشروع السلام ، إن لم نقل أنه يكلفنا بذلك ، في حين كنا نطالب الأمم المتحدة أن يتخلى عن تلك الراضي التي يدعي ملكيتها ، والتي احتلتها جيوشه ، ولا يفوتني أن أذكر أن المذكرة ( مذكرة حافظ إسماعيل ) تتضمن مؤشراً يوضح أن السادات متفهم جداً لتلك الحدود التي يتمكن من الوصول إليها " ليست نيتنا التعمق في أراضي الغير ، أو توسيع جبهة القتال " ، إن هذه الجملة الواردة في المذكرة ، لا تخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل ، بعد الأراضي التي كسبتها ، أو تحميل أمريكا كامل مسئولية ما حدث كما فعل عبد الناصر عام 1967 ، وإذا تعمقنا جيداً في ما يهدف إليه السادات من خوضه هذه الحرب ، يتبين لنا فارق كبير جداً بين الإجراءات العسكرية التي اتخذها المصريون وأهدافهم السياسية ، ويؤدي آجلاً أم عاجلاً إلى مفاوضات سياسية . أما جولدا مائير فإنها تمانع أي إجراء يهدف إلى وقف إطلاق النار ، بعد أن كانت تطالب به قبل أسبوع ، وهي ترفض كل ما له علاقة بقرار مجلس الأمن الدولي الذي كان يعتبر كلاما مقدساً بالنسبة لإسرائيل طوال ست سنوات من المفاوضات ، وطالما صرحت جولدا مائير أن القرار كان مخرجاً لحرب عام 1967 ، أما الآن فليس له أية علاقة مع الحرب الحاضرة ، إن هذا القرار ليس بالترياق ، ولا ثمة حاجة تدعو إلى الإسراع في أي إجراء ما . ثم يقرر كيسنجر أن مذكرة إسماعيل أعطت الدليل على إمكانية إجراء محادثات مع بلاد هاجمت حليفنا وربما لن يكتب لها النصر بسبب الأسلحة الأمريكية ، ولم يمض يوم طوال مدة الحرب ، لم نتلق فيه مذكرة من القاهرة ، أو دون إرسال مذكرة إليها وعلى الرغم من إقامتنا جسراً جويا لإيصال السلاح المطلوب لإسرائيل ، وميلان الحرب لغير صالح مصر ، لم نشعر بوجود حفيظة أو ضغينة في مصر ضد أمريكا ، وكان هذا حسن تصرف من قبلها حتى لا تستميلنا إلى جانب إسرائيل ، في الأدوار الدبلوماسية المقبلة . كان مشروع السادات أن يقيم معنا علاقات ، تجعلنا نقوم بدور الوسيط ، ليس فقط على أرض الوقائع ، بل في معاملته على قدم المساواة ، في مطالبه أسوة بإسرائيل ، ويمكن اعتبار هذا تفهماً رائعاً للأمور من وريث عبد الناصر ، بعد مرور عشرين عاماً من العداوة . ويقول كسينجر أرسلت مذكرة مشجعة إلى السادات عن طريق إسماعيل ، وكنت أعيد فيها على أسماعه ، ما عرضناه عليه قبل يومين أي وقف إطلاق نار يرافقه تأكيد للقرار (242) الذي اتخذه مجلس المن ، ولندلل بوضوح على ما نكنه من احترام لكرامة مصر ، أضفيت أهمية خاصة مبيناً أن مصر وحلفاءنا العرب ، أدخلوا تحسينات هامة على الوضع ، نتيجة ما أظهروا من قدرة وكفاءة في ميادين القتال ، وعلينا الآن عدم التخلي عن هذه المكاسب بإطالتنا أمد الحرب ، وأنهيت المذكرة بمناشدته بالقبول بوقف إطلاق النار ، منذ أن يسمح الوضع العسكري بذلك
التعليقات (0)