مواضيع اليوم

هنا قضى الماجد دقائقه الأخيرة قبل أن يقتله .. الرصيف!"

سلطان القحطاني

2009-06-29 16:16:11

0

 

 


الريح في هيستنغز، جنوب بريطانيا، جافة عنيفة لا يمكن أن تحصي سرعتها إلا بمقدار ما تهز من معطفك وخصلات شعرك إن كانت أطول وأبعد مسافة عن الجمجمة، بينما خلفك الرصيف وأمامك البحر وفي المنتصف على امتداد ناظريك شارع متوسط الحجم وأحواض زهور حجرية.

ما سبق ليس منشوراً سياحياً بقدر ما هو سرد لأجزاء من مشهد أيقظ بريطانيا كلها من البحر إلى البحر بعد أن شهدت هذه المدينة التاريخية حادثة مقتل الطالب القطري محمد الماجد الذي لم يكمل عامه السادس عشر بعد أن وجد نفسه في المكان الخطأ والزمان الخطأ بين متعاركين ثملين.

كانت الساعة العشرة وخمس وأربعون دقيقة في الطريق إلى الهزيع الأخير من الليل. محمد الماجد الطالب القطري ذو الستة عشر عاماً يذهب لمحل يزوره أغلب الطلبة الشبان كونه يعتبر نادياً اجتماعياً يقدم أطباق لذيذة من الكباب والمشويات الأخرى المذبوحة على الطريقة الإسلامية، إضافة إلى المشروبات الروحية بالطبع.

وتمضي الدقائق بسرعة حتى يكتشف نفسه في المنتصف بين متعاركين مخمورين ليقرر الهرب. وظناً منهم أنه تابع لجماعة أخرى يقرر ثلاثة من الشبان اللحاق به وضربه ومن ثم يسقط. ويتطور العراك ليصاب معه ثلاثة من أصدقاءه حاولوا مساعدته، وذلك في ظل مرأى عدد من أقاربه صغار السن.

ونتيجة لسلسة أخطاء متراكمة بين الشرطة المحلية ومستشفى البلدة والأكاديمية الطبية الملكية في لندن فقد توفي الشاب الصغير بعد أن شهدت حالته تحسناً طفيفاً. الشرطة قالت في تقريرها إن الماجد توفى بعد ارتطام رأسه على حافة الرصيف حين حاول الهرب.

وسجلت الشرطة أكثر من 98 حالة اعتداء على الأجانب خلال الأِشهر الثلاثة الماضية قبل أن يشعل مقتل الماجد الغضب في صفوف الجالية الإسلامية في البلدة بسبب ما اعتبروه تقاعساً من قبل أفراد الشرطة الذين تلقوا تحذيراً من صاحب المطعم قبيل نشوب المشاجرة لكنهم لم يهتموا به.

وهذا المطعم مقسم إلى قسمين: الأول مخصص للمأكولات التي يأتي على رأسها الكباب المشوي الذي يلاقى إقبالا غير منقطع النظير، والقسم الثاني عبارة عن حانة ونادي ليلي مزود بطاولتي بلياردو وبيانو عتيق الطراز يعود صنعه إلى القرن التاسع عشر.

إلا أنه يعمل رغم بحة صغيرة حفرتها السنون.
صاحب المحل، رمزي ترانفريدي (43 عاماً) الذي تعرض للهجوم أكثر من 25 مرة لا يزال يراقب عمله باهتمام ويشرف على احتفال صغير سوف يقام في محله مساء عبر مساعدة الموظفات الصغيرات في نفخ البوالين الملونة.

ولا يزال هذا الدكتور ذو الأصول الإيرانية يفتخر بلقبه بين الطلبة العرب الذين ينادونه:" العم رمزي".

وكانت المدينة قد خصصت دقيقتين للصمت حداداً على رحيل الماجد عقب رسائل احتجاج من سكان يخشون خسارة البلدة ملايين الدولارات لو قرر الطلبة الأجانب الهجرة من هنا، بينما تناثرت الزهور التي وضعها أصدقاء "قتيل هيستنغز" على غير مبعدة من المكان الذي سقط فيه سقطته الأخيرة.

ويقول محسن المكرمي (24 عاماً) وهو يتناول طبقاً من الكباب مع البطاطس المقلية خلال حديث مع "إيلاف" :" إنني أشعر بالحزن كثيراً .. أشعر بغصة كلما أتذكر أن هذا المكان الذي أجلس فيه الآن قد شهد هذه الحادثة .. إنني أشمّه .. قد كان هنا .. يلعب ويتحرك .. أشعر بالأسى فعلاً".

وبعثت الشرطة المحلية مندوباً لتهدئة الجالية الإسلامية الذين دعا إمام مسجدهم الوحيد إلى عدم التظاهر أو القيام بأعمال عنف مضادة. قال إمام المسجد بصوت مرتعش :" لن نقول سوى إنا لله وإنا إليه راجعون .. حسبنا الله ونعم الوكيل".

صحيفة "اوبزرفر هيستنغز" خصصت 5 صفحات لتغطية الحادثة. على صفحتها الأولى كانت صورة الماجد بارزة إلى اليسار وعنوان عريض على خلفية سوداء : " البلدة تشعر بالصدمة".

في إحدى الصفحات الداخلية كتب الدكتور كريستوفر ريسي رسالة إلى المحرر قائلاً :" الأجانب سوف يرحلون بعد هذه الحادثة إن لم يتحرز أفراد الشرطة أكثر.. هذا سيء جداً لأعمالنا وللناس المقيمين هنا .. لا أعرف الى متى ستظل هذه السمعة لصيقة بالبلدة، ربما لخمس سنوات مقبلة".

بيد أن الشرطة في بيان أصدرته قالت إن هذا العام سجل 30 حادثة قتل في رقم هو الأقل من نوعه قياساً بالسنوات الثلاث الفائتة.

لكنهم لا يزالون في دائرة الإتهام كونهم تقاعسوا ولم يلقوا بالاً لتحذيرات صاحب المحل.

ويقول محمد شكشك الليبي وهو يسجل كلمته في كتاب التعازي الموضوع خارج المطعم :" لقد اكتشفت الآن أن بريطانيا كذبة كبيرة". ويضيف وهو يتحدث مع "إيلاف": " لقد تغيرت الصورة كثيراً .. لا أظن أنني سأعود هنا يوماً ما. شعب مادي جداً".

جوار مطعم "يو.اس.اي فرايد تشيكن"، الذي شهد بوادر الحادثة، يجلس عجوز بريطاني وهو يحتسي الجعة فيما الريح تداع خصلات شعره البيضاء القليلة. يراقب الطلبة العرب باهتمام وهم يسجلون تعازيهم ليقرر بعدها الانضمام إليهم. يخبرهم كم هو حزين، كم هو مصدوم. ويفتح لهم إحدى صفحات الكتاب ليريهم ما كتبه في عزاء صديقهم.

جميعهم قرؤوا ما كتبه العجوز بخط مرتعش ذا لون أزرق:" محمد .. سنظل نتذكرك .. يوماً بعد آخر .. سنظل نتذكر".

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !