د.ازهار رحيم ـــــــــــــــــــــــ
أكثر من اي وقت مضى، اشعر بأني بحاجة للتطهر من اوجاعي عبر طريق الكتابة، ليس بسبب ما ارتكبته من ذنوب تكاد ان تكون ذرة في بحر رمال عند الذين يفطرون كذبا ويتقيئون نبالة آثامهم حلفا بأكبر الإيمان طول نهاراتهم.. بل لأنني اشعر باني أمارس فعل الخديعة اذا هربت من مواجهة نفسي واقتناص الخطأ والصواب فيها، والعمل على جلدها بدون رحمة بسياط النقد، الذي بدأت أتقن لعبته بعد ان تعلمتها حقا من الآخرين، فأصبحت أمارسها سرا مع نفسي، فلا ارتوي من هذا الشقاء، ثم يأتي البعض ليكملوا دورهم في جلدي بالسنة من نار، او بكلمات مجاملة، باطنها جمر ملتهب، ووجهها بلاغة مهذبة..
لا اكتب موضعا الا وأفاجأ بالكثير من النقد يصلني عن طريق الرسائل او عن طريق الهاتف او المماحكة اليومية لرجال، حتى يكاد البعض يحاسبني على كلمات هربت من لا وعي الى الورق، ويبدأ بتحليلها متباهيا بقدراته في التحليل النفسي,, احدهم يتهمني بانضوائي تحت راية الرافضين لكل شي وان كان صوابا، المهم ان اتخذ مسارا يخالف القواعد كما يعتقد، اخر يدعوني بالسيد اعتراض لاني امارس دور المستبد في نقد ما يحدق في كل مكان ادعى اليه.. اخر يجد لذة في تحليل كلماتي وما تعبر عنه من جوع وحرمان عاطفي في داخلي، واخر ينصحني بعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي توضع كقواعد في العمل، واخر بالابتعاد عن الجرأة في وصف معاناة الروح والجس في طلب الحب وتوسله..
لربما في رحلة بحثنا عن الكمال نكون اكثر الناس وقوعا في الأخطاء، لكن الاهم، ان لا نهرب من مواجهة الإخفاقات ونسعى للتصالح مع أنفسها قبل التصالح مع الآخرين.. بعض الأحيان تصبح الكتابة عبئا نسعى للتخلص من ثقله خاصة عندما يطلب منك احدهم الكتابة في موضوع ما ليحولك الى (عرض حلجي) فلا تملك سوى التملص، وتخبره ان الكتابة نزيف سري لأتعرف متى يسفح على الورق، فيصدع رأسك بمحاضرة عن الاحتراف,, أخبرتني قارئة، بأن كوني امرأة أتعرض للمحاسبة والنقد ككل النساء عندما يلجن عالم كان حكرا على الرجال لعقود طويلة، ولأننا نتفنن في التعبير عما في دواخلنا بالثرثرة كما يتهمنا البعض، والرجال هم اقدر المخلوقات على تحمل الألم وكبت الحزن داخل جدران الجسد، لذا هم اقدر المخلوقات على تحمل الألم وكبت الحزن داخل جدران الجسد لذا هم الأثرى والأنضج في مجال الكتابة لكن أرى العكس فنحن اللواتي نتخذ من الخوف سجنا لرغباتنا لتتحول الى إحباط ويأس يأكل ويشرب معنا اقدر على امتصاص معاناة الآخرين، ومدها بعفوية وعذوبة على بساط الورق.. اخبرتني صديقة بضرورة وضع صورتي الشخصية مع المقال لتخفف من وقع بعض الكلمات التي لا تعجب البعض ولضمان مصداقية أكثر وطريقة أسرع للوصول الى عقول وقلوب الآخرين.. اخرى حاولت التخفيف عني بقولها ان الشجرة المثمرة هي التي ترمى بالحجر للوصول لثمرها..
كنت اعتقد ان الشعراء هم اقدر الناس على فهم مشاعر المرأة في مجتمعنا لان مجسات الإحساس لديهم من الرقة حتى تغزو أعمق زوايا الروح لتلد مخيلتهم صور حقيقة لأعمق المشاعر التي تتقن النساء كتمانها خوفا من مجتمع الذكورة وعقلية المارد الشرقي الذي يسكن الرجال مهما حاول اعتاهم قوة إخفائها تحت شعارات التحضر والثقافة والإيمان بحرية المرأة، لكنهم في الحقيقة يفكرون براس من يرتدي العمامة والجبة ويعيش في عصر الجواري والحريم، فكيف بالشاعر الذي تقطر كلمات وجدا وغزلا ينصحني بالابتعاد عن اشعال الحرائق في صدور الآخرين وإيقاد النار في جذوات المشاعر وتمزيق الحجب التي يجب ان اختبى وراءها عندا اكتب عن الحب لكوني متزوجة، وان سفح مشاعر الحب على الورق لايكون الا للزوج، مخافة ان يعتبره البعض اثما على الكاتبات تحمل وزره، وربما تعاقب احدانا عليه بوضع اسمها هدفا في قوائم الخطف والقتل انسياقا وراء فتوى لاحدهم، بان اقلام النساء تقطر كفرا وفسقا فتكون سببا وجيها لقطع رؤوسهم الجميلة..
فمن يسعى لتأكيد تفوق الذكورة في عالم يحكمه منطق القوي حتى وان كان على الورق..
التعليقات (0)