اللعبة السياسية المصرية تشبه لعبة الثلاث ورقات ، تغييرات وزارية وتغييرات محافظين وبوابين المؤسسات الحكومية ، تغيير وتبديل مواقع وآمال الكثيرين فى إصلاحات عريضة تتبدد بين الحين والآخر ، لأن المشكلة الرئيسية لمصر لم يمسسها أحد بالتغيير أو التبديل أو الإصلاح ، المشكلة هى فصل الدين عن الدولة المصرية التى يرفض ولاة الأمر والنهى ومراكز القوى والنفوذ الأصولية فى مصر المساس بها ، ونتيجة طبيعية لهذا الحمل الغير طبيعى يعيش الفساد ويتأصل العداء الطائفى ويعيش المواطن البسيط فوق سطح صفيح ساخن !
إذا لا منطق ولا معنى أن تقول أن الدستور يضمن الحرية الدينية لجميع طوائف الشعب المصرى فى الوقت الذى يقول الدستور ذاته بعبارة تلخص الحالة الواقعية للمجتمع أن الإسلام هو دين الدولة ومصدر التشريع ، وبهذا يعطى باليد اليمنى ليأخذ باليد اليسرى ، ومما لا شك فيه أن الدين أفيون المصريين مما يجعلهم يتعاملون وفقاً لهذه الأيديولوجية العنصرية وأنعكاساتها الواقعية على السلوكيات اليومية لمحبى الأفيون الدينى الذين يفضلون مصطلحات الأغلبية والأقلية .
لو سألت أحداً عن رأيه الشخصى فيما يحدث فى مصر ومشاكل المواطن اليومى ، يجيبك بقوله : لا أعرف ماذا يحدث ، هناك أشياء كثيرة تحدث ولا يوجد لها تعليلات مقبولة ، هذه شركة أعلنت إفلاسها وأخرى أغلقت أبوابها وثالثة سرق صاحبها أموال المودعين وهرب إلى بلاد الله الواسعة ، موظفين لا يوجد لديهم أنتماء حقيقى للوطن ، فالمواطنين عاشوا وتعايشوا مع أفيون الدين الذى تعاظم دوره بفضل الفلسفة الرئاسية التى تبيعه وتروجه بين شعبها لخدمة مصالحها .
ما أسهل التصريحات الإعلامية لحكومات مصر المتعاقبة التى تعلن الوعود بالإصلاح والقضاء على جذور الفساد ، ما أسهل البيانات الهلامية عن الإصلاح الداخلى والإصلاح الخارجى ، إصلاح سياسى وإجتماعى ودينى والأصلاح بالتدريج أو بالتقسيط المريح .
حكومات مصر تعرف جميع مشاكل المصريين ، لكن الغالبية منها لا تتجرأ على فتح الملفات المصيرية التى بمعالجتها تنتهى أسباب الكثير من المشاكل المصرية وعلى فترات مرحلية ، بأستخدم الحلول العصرية القادرة على التواصل الإنسانى بين الإنسان ومجتمعه وذلك عندما يشعر بأنه مواطن مصرى بدون نياشين أو درجات أو أمتيازات دستورية أو شفوية ، وتحترم الدولة حريته وحقوقه ليشعر بالمسئولية الحقيقية الملقاة على عاتقه مما يجعله يحترم تلك الحقوق وتلك الحرية وفقاً للأحترام المتبادل بين مواطنى مصر .
هل حكومة الدكتور نظيف الجديدة حكومة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟ لا أعتقد ذلك ، لنقولها بصراحة ما هو التشكيل الوزارى الجديد الذى جاء به رئيس الوزراء الجديد ؟ الجديد أنه أبقى على غالبية الحرس القديم طبعاً بأوامر أو بموافقة السلطة الرئاسية ، مما يعنى هذا أن المساحة المتاحة لرئيس الوزراء الجديد للتحرك والعمل فيها مساحة محدودة بحدود وكفاءة الوزراء القدامى التى أظهروها فى وزارة عاطف صدقى السابقة ، وهذا يعنى أن رئيس الوزراء الجديد قد يكون " وهذا أحتمال وارد " مجرد صورة علمية تكنولوجية تحقق أهداف ومصالح الحزب الوطنى الحاكم فى وضع صور جديدة لإيهام المواطن بأن المشكلة تكمن فى شخص رئيس الوزراء .
من الأمور الأكثر غرابة فى التشكيل الوزارى ، عجز وفشل الدكتور نظيف كما تقول الصحافة المصرية فى العثور على وزراء جدد لوزارته لذلك جاءت الوزارة بشكلها القديم الجديد الذى يجعلنا نسأل أنفسنا : هل خربت مصر حتى يعجز الدكتور أحمد نظيف فى العثور على وزراء من بين ملايين المصريين ؟ هل معنى ذلك أن شعب مصر تربى على الفرعنة وأصبح مثل تنابلة السلطان ولا يجيد الأشتغال بعمل الوزير ؟ هل سيستدعى ذلك أن يستورد رئيس الجمهورية وزراء من الخارج عند تشكيل الحكومات القادمة ؟ أو الرجوع إلى التراث بأستدعاء بعض وزراء الملك خوفو حتى تسود بركاتهم علينا ويبنوا للشعب المصرى هرم رابع ؟
الجميع على يقين من قدرات الدكتور أحمد نظيف العلمية ، لكن النظام المصرى بأجهزته التنفيذية والتشريعية والقضائية والشوارعية قادر على ترويض أفضل الكفاءات المصرية وترويض بيل جيتس نفسه صاحب مايكروسوفت لتجعله " يمشى على العجين وما يلخبطوش " أو أن " يرقص على واحدة ونص " لو أقتضت اللعبة السياسية ذلك ، وهذا ليس عيباً فى شخصية الدكتور نظيف بل هو عيب النظام المصرى القادر على الهيمنة وإحتواء كل قيادى ووضعه فى جيبه الصغير بفهلوة مصرية لها العجب وهى الباعث الرئيسى لفوضى المعايير التى تمتد جذورها لسنوات طويلة ، وبالرغم من كل هذا فإن الجميع فى أنتظار الرد الفعلى لحكومة تحارب الفساد وتضع فكر مصرى جديد هدفه الوحيد الإنسان المصرى .
نتمنى أن يكون أول درس فى سنة أولى وزارة تلقيه على وزرائك يا دكتور نظيف هو " ... أفصلوا الدين عن الدولة فى عقولكم أولاً قبل أن تبدأوا بوضع خططكم الثلاثية والرباعية والخمسية ، ولا تنسوا الحكمة المباركة " لا فضل لمصرى على مصرى إلا بالعمل الصالح النظيف بعيداً عن فريق أخونا صفوت الشريف " .
2004 / 7 / 21
التعليقات (0)