جلست قبالته بهدوء على مقعد موشى بنسيج من الحرير الأخضر، فبانت بأثوابها البيضاء كوردة آس لوت نسيمات الفجر قامتها على سجادة من الأعشاب النضرة، و مرت دقائق و كلاهما صامت يترقب الآخر ليبدأ بالكلام، فنظرت إليه، و قد باحت مآقيها بسرائر قلبها، ثم قالت بصوت يساوره الحذر و القلق: "احبك"، لفظت هاته الكلمات بلهجة غريبة، ثم حولت ناظريها إلى السماء، لأنها كانت على يقين من أنه يحب غيرها، فبقي هو صامتا مفكرا بكلامها، مبتدعا لكل مقطع صورا، لكل كلمة معنى، ثم عادت و حدقت إليه و كأنها تريد أن تستنطق عينيه الباردتين عن خزائن قلبه و أخذت بيدها المرتعشة يده و قالت:"أنظر إلي يا صديقي أنظر إلى وجهي جيدا، و تأمل هذه التجاعيد البريئة، و اقرأ من بين سطورها كل ما تريد ان تفهمه من روحي بالكلام، فقد جف حبري، و تبعثرت أوراقي... انظر إلى وجهي يا حبيبي ... انظر جيدا"، فنظر إلى وجهها، نظر طويلا، ثم قال مبتسما:"أعرف أنك تحبينني و لكن حبنا كان مجرد وجبة حساء باردة، كبرودة أيامنا، و قد كان مالحا، كدموع قلبينا، كان مجرد حلم، و ما الحلم إلا ظل في هذا الزمان، انتهى الأمس، و نحن أبناء اليوم ...قد نساك قلبي... و اتخذ غيرك خليلا" لفظ هذه الكلمات و شفعها بقوله:"هي... هي وحدها من أسمعني من قصيدة الحب أجمل بيت، بينما سمعت منك قافية لبيت بدون بحر، هي من سقاني من كوثر العشق بين يدها الحانيتين، بينما ذقت علقم الجحيم من كأسك الصدئة، هي ضرامي الوحيد، و هكذا شاءت الآلهة، فليس المرء من يخط قدره يا صديقتي، بل تخطه له أيد السماء" و لكنها لم تبال بحديثه هذا فحبه قد أسكر قلبها دهرا فأعماه عن نور الطريق، و لطالما طلب منها أن تتوقف عن ملاحقته لأنه مغرم بفتاة أخرى و لكن كلامه كان بالنسبة إليها مجرد همسات تفنى في بعيد...
التعليقات (0)