تعود القصة الى بداية عام 2011 يوم نفذ الحزب الارهابي انقلابه على اتفاق الدوحة -غير المأسوف على انهياره- فأسقط حكومة الرئيس "سعد الحريري" وأتى برجله وبصديق "آل الأسد" "نجيب ميقاتي" رئيسًا لحكومة سوريا وإيران في لبنان، متحديًا الطائفة السنية في عقر منصبها الدستوري بفرضه عليها من لا يمثل خياراتها السياسية ولا الوطنية...
في تلك الأيام السوداء المستمرة الى يومنا هذا لكن تحت ستار وشعار "حكومة ربط النزاع" التضليلي، انحاز المفتي "محمد رشيد قباني" الى الحزب الإرهابي تصفيةً لحسابات سياسية وبدوافع كيدية تسيء الى مقامه وطائفته ولا تمت بصلة الى ما يزعمه من مواجهة التعديلات التي يريد "تيار المستقبل" ادخالها على القانون 18 المتعلق بتنظيم شؤون دار الفتوى، فانقلب على "الحريري" وعلى طائفته وخبّأ الميقاتي تحت عبائته بعدما أدى الأخير ما يتوجب عليه من مستلزمات الاستمالة...
منذ ذلك التاريخ تحوّل القباني من مفت الى "مفتن" فاستغل الحصانة التي اكتسبها من السلطة المغتصبة في تدمير ما بقي سليمًا من مؤسسات طائفته فعزل مفتين معروفين بانتمائهم الوطني وعيّن آخرين موالين له وأقال مشايخ يعارضون سياسته، وتدرّج في الافساد الممنهج حتى بات لصيدا مفتيان وللطائفة السنية في لبنان مجلسان "شرعيان"... أما على الصعيد السياسي فما من شخصية مستفزة لمشاعر الشارع السني نظرًا لدورها القذر أثناء عهد الاحتلال السوري أو لقربها من الحزب الارهابي إلا ودنّس صالون دارالفتوى ومنزل الافتاء بدعوتها واستقبالها أو بتكريمها مانحًا إياها "ميدالية دارالفتوى" أعلى وسام يمكن لمفتي الجمهورية منحه، حتى وصل به الامر الى حد استقبال سفير الاجرام الأسدي "علي علي" ثلاث مرات في عز مجازر النظام الدموي، ووفد من "حزب الارهاب المنظم" يوم صدور القرار الاتهامي بتورطه في جريمة العصر!! وقد بلغ الاضطهاد الطائفي الذي يمارسه الحزب الايراني على الطائفة السنية أوجه عندما منح الحزب الحصانة السياسية والعسكرية للقباني قُبيل عيد الفطر من عام 2013 والتي أتت كرد فعل ميليشيوي عطّل مفاعيل عريضة العزل القانونية الشهيرة التي أمّن التواقيع اللازمة عليها الرئيس "السنيورة" وكان على وشك تقديمها بعد العيد، ليصبح بذلك أعلى ممثلَين للطائفة السنية مفروضَين عليها كرهًا من قبل الحزب الارهابي، رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية.
في عز معركته الكيدية الفتنوية، وقبل نحو شهر من الموعد الذي ضربه لإشعال الفتنة الكبرى بانتخاب مفتيَين للسنّة في لبنان، إذ بحزب الارهاب يتخلى عن القباني ويأمر ملحقاته وأزلامه المحسوبين على السنّة بالتحرّك منفذين أوامر رفع الغطاء، فأبلغوا القرار رسميًا للقباني معلنيين تأييدهم انتخاب مرشح "تيار المستقبل" رئيس المحاكم الشرعية الشيخ "عبد اللطيف دريان" مفتيا للجمهورية متحدثين عن تسوية اقليمية وعن مخرج مشرّف وكريم للقباني -غامزين من جهة ملفه ونجله المالي ذائع الصيت- ليفتحوا الباب بذلك على سَيل من الأسئلة:
كيف ستتعامل الأوساط السنيّة مع ترشيح "دريان" الذي اصبح انتخابه في حكم المؤكد مفتيا للجمهورية، خصوصًا أن وفدًا من "هيئة العلماء المسلمين" سبق له أن أبلغ "السنيورة" في شهر حزيران رفضه وصول "دريان" الى هذا المنصب لاعتبارات عديدة ليس الآن موضع تفصيلها؟ وما هي تفاصيل التسوية المشار إليها والتي جعلت "حزب الارهاب" يؤيد مرشح "تيار المستقبل" لسدة الافتاء بعدما كان ماضيًا في تفتيت الطائفة بانتخاب مفتيَين لها، لاسيما مع ما تتم إشاعته بين خاصة مشايخ دار الفتوى عن زيارة "دريان" دمشق سرًا واجتماعه بمفتي نظام الاجرام الاسدي؟ والى متى سيبقى منصب الافتاء وشخص المفتي -ذو البُعد السياسي الوطني قبل الديني- مكرّسًا لسياسة "الحريري" السعودية يستدير مع استدارتها ويتقلّب وفقًا لتقلّباتها ويصيغ مواقفه مستعينًا ببيان كتلتها النيابية فيما آخر همّه شؤون طائفته و"لبنان أولاً"؟ وهل من المقبول في حق الطائفة السنية ايجاد مخرج "مشرّف" للقباني أم يجب أن يحاسَب على ملفاته حتى ولو اقتضى الامر زجّه في السجن ليكون عبرة لمن سيخلفه -بل ولغيره من رؤساء الطوائف- تطبيقًا للقانون بل وانسجامًا مع تعاليم الإسلام حيث لا حسب ولا نسب ولا منصب يحول دون محاسبة المرتكب؟
أسئلة عديدة أجوبتها رهينة الأيام الآتية، وتبقى العبرة للحزب الارهابي بأن مصيره عندما سينتهي دوره سيكون مشابهًا للطريقة نفسها التي أنهى بها رَجله القباني، وستكون نهايته حتمًا على يد من ارتضى أن يكون عميلاً وأداة لهم سواء منهم الأقربون أم الأبعدون من أصحاب المشروع الفتنوي التكفيري العنصري الفارسي المنسجم تماما مع السياسة الصهيو-أميركية في المنطقة.
التعليقات (0)