واخيرا فاز اوباما في ولاية ثانية في الولايات المتحدة , وها هو يعود الى البيت الابيض والبلاد تشهد اكبر ازمات اقتصادية منذ اكثر من نصف قر ن . يعود الى البيت الابيض والديون وصلت قرابة 16 ترلليون دولار , وهناك قرابة 46 مليون امريكي تحت خط الفقر , ويواجه مشكلات ووعود قطعها على نفسه اثناء حملته الانتخابية , اذ تعهد بمواصلة البقاء على التأمين الصحي , والعمل على تقليص حجم المديونية , وتقليص عدد العاطلين عن العمل .
وعلى الصعيد الخارجي لم يكن مثل منافسه المرشح الجمهوري ميت رومني الذي تعهد بفتح جبهة مع روسيا التي اعتبرها من معسكر الاعداء , كما تعهد بالحرب مع الكيان الصهيوني ضد المنشأت النووية الايرانية . بل بالعكس فقد سعى اوباما الى اقامة علاقات متكافئة مع كل من روسيا والصين . كما انه سحب قواته من العراق بعد تلك الخسائر الكبيرة في الارواح والمعدات التي تكبدتها بفعل المقاومة العراقية خلال سنوات ما بعد الاحتلال 2003 . كما انه ينوي الخروج من افغانستان للتخلص من ما تواجهه قواته وقوات الاطلسي في هذا البلد المعقد .
اما بشأن الملف النووي الايراني فان اوباما لم يكن في عجلة من امره , كما هو حال زعماء الكيان الصهيوني , الذين يمنون النفس في الاسراع في تدمير المنشأت النووية الايرانية . وقد تازمت العلاقات بين اوباما ونتنياهو خلال الاشهر الماضية , ووصلت تبادل الاتهامات , وبالذات اتهام اوباما بالتقاعس في امر الملف النووي الايراني . في حين يرى اوباما ان العقوبات الاقتصادية سوف تفعل فعلها في بنية نظام الملالي في ايران ويعجل في انهياره .
ويبدو ان اوباما يرى الامور بمنظار الرؤية التاريخية لما حصل للقوات الامريكية في كل من العراق وافغانستان , ولا يريد ان يكرر المأساة ثانية . ولذلك فهو في غير عجلة من امره , ويريد ان تنضج الامور لصالحه بدون حرب , وهو الموقف الامريكي في المسألة السورية , فالادارة الامريكية تتذرع بعدم تسليح المعارضة لامرين هما :
الاول : الخوف من تسرب الاسلحة الى عناصر القاعدة , ومن ثم تعود بالخطر على القوات الامريكية في كل مكان . وخاصة في البلدان العربية المجاورة . وهو خوف غير مبرر , اذ اني اعتقد ان الادارة الامريكية تستخدم القاعدة فزاعة لكي تبقي الحرب على الارهاب , وتتدخل من خلال طائراتها بدون طيار , او من خلال العمل الاستخباري , الذي يتيح لعناصر السي اي ايه التغلغل في البلدان العربية والاسلامية على حد سواء .
والثاني : وهو ما حذرت منه وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون قبل ايام من الانتخابات الامريكية ونقدها المجلس الوطني السوري , كونه لا يمثل المعارضة السورية في الداخل , وعليه فقد سارعت قطر الى استضافة المجلس الوطني السوري , الذي ناقش نظامة الداخلي واجرى تعديلات عليه , وابرزها انتخاب القيادة بدلا من التراضي او التوافق . وكذلك اضافة قيادات من الداخل اي من الفصائل الثورية المقاتلة .
لقد شهدت السنوات الماضية صراعا سياسيا واعلاميا ومناورات عسكرية تدخل في نطاق الردع العسكري بين الولايات المتحدة والنظام الايراني . لقد اجرت القوات الامريكية ومعها قوات من عشرين دولة مناورات في مياه الخليج العربي , تحت شعار التدريب على ازالة الالغام من مياه الخليج , وارسال رسالة الى النظام الايراني بعواقب وخيمة اذا ما اقدمت على اغلاق مضيق هرمز , كما ارضت الكيان الصهيوني بالموافقة على الاشتراك في مناورات عسكرية لاختبار منظومة الدفاع الصاروخي والقبة الحديدية التي بنيت تحت اشراف القوات الامريكية لمواجهة الصواريخ المعادية , وحماية السكان من خطر الصواريخ , وتحاشي ما سبق ان حصل عندما اطلق صدام حسين 93 صاروخا على الكيان الصهيوني عام 1991 . والقوات الصهيونية بحاجة الى قدرات القوات الامريكية في الارضاع الجوي , والدفاع الجوي رغم ان الخبراء الصهاينة قد طوروا هذه الاسلحة من قبل .
وبالمقابل فقد اجرت القوات الايرانية عشرات المناورات البحرية والبرية والجوية , وتم الكشف عن عدة اسلحة جديدة قيل انها تستخدم لاول مرة , ومنها الصواريخ البعيدة المدى البالستية , وصواريخ بحر ـ بحر , وكل هذه المناورات كانت رسائل من الطرفين في اطار الردع المتقابل . ورافقها حملات اعلامية وسياسية شغلت حيزا كبيرا في وسائل الاعلام .
لقد برع الملالي في فنون المراوغة اثناء المحادثات مع الطرف الامريكي و ( 5 +1 ) حول الملف النووي , وقد استغلوا نفوذهم في العراق وافغانستان والدول العربية الاخرى وخاصة في سوريه , للمماطلة والتسويف , وملاعبة الجانب الامريكي . وبالمقابل يتمهل الجانب الامريكي في التعامل مع النظام الايراني , ويكتفي بفرض عقوبات اقتصادية عليه , بحيث يأمل ان تؤدي هذه العقوبات الى شرخ في البناء الاجتماعي داخل ايران , ويحدث التغيير المطلوب لصالح المعارضة او لصالح الاصلاحيين في الداخل .
ان فوز اوباما وما يعانيه من مشكلات داخلية واقتصادية حادة , يمنح الملالي فرصة المناورة من جديد , وقد ردت على العقوبات وما تتوخاه الادارة الامريكية من تغيير داخلي , بمزيد من القمع للمعارضة في الداخل وارتكاب مجازر بحق الابرياء الذين يجبرون على الاعتراف بذنوب لن يقترفوها , او صلات وهمية بقوى خارجية .
الانباء من داخل ايران تفيد ان الملالي الذين ساقوا العشرات من المواطنين الى اعواد المشانق قبل اسبوع , يشمرون عن سواعدهم لسوق المئات الاخرين الى المشانق , ووصلت بهم الوقاحة حد ان يطالبوا السجناء بثمن حبال المشانق , وكلف السجن .
ولم تسلم المعارضة الخارجية من الايذاء المتعمد ايضا , فها هو قاسم سليماني قائد قوات القدس المتنفذ في العراق يوعز الى الوزارات في حكومة المالكي باصدار وثائق تفيد بعائدية املاك الاشرفيين في مخيم اشرف الى هذه الوزارات ومؤسساتها , مثل مولدات الكهرباء والسيارات الشخصية التي تم شرائها من اموالهم الخاصة بهدف مصادرتها وحرمان اصحابها الحقيقين من نقلها الى مخيم ليبرتي . اضافة الى الايذاء المتعمد للاشرفيين في مخيم ليبرتي .
ان تصرفات نظام الملالي ضد مواطنيهم واهدار المال العام في اعمال الارهاب الدولي , والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة كلها اعمال تستدعي التدخل الجماعي لايقاف هذا الارهاب المنظم الذي يقع في قائمة الجريمة المنظمة والابادة الجماعية .
ان الرئيس اوباما امامه مهمة كبيرة للتعامل مع نظام الملالي , والتعامل مع النظام السوري الذي يذبح شعبه بلا رحمة , بدعوى مواجهة المؤامرة الخارجية والعصابات المسلحة . ويبدو ان المهمة الاسهل ابقاء الاوضاع على حالها , حتى ولو تصاعدت حدة القتل بين العرب والمسلمين , واستمرت الفتن والاقتتال الداخلي , وهذا هو الهدف الصهيوني الذي تواخاه الصهاينة منذ سبعينات القرن الماضي .
التعليقات (0)