رعد عباس ديبس
بفضل نظام البعث الفاشي تفرق ابناء العراق في جميع ارجاء المعمورة وكابدوا ما كابدوه من ألم الغربة وصعوباتها, ولكن الكثير منهم صارع جميع الصعوبات والظروف القاسية واستطاع ان يخط لنفسه مسيرة علمية وتقنية والكثير من هؤلاء عملوا في المجتمعات المتواجدين فيها ونالوا اعجاب واحترام الناس هناك لجديتهم وتفانيهم في عملهم ولرفعة مستواهم العلمي, هذا بالإضافة الى جيل ولد ونشأ في الغربة واصبح فعالاً في الحياة العلمية والثقافية للبلدان المقيم فيها أو يحمل جنسيتها, والجميع يعيش بسلام وطمأنينة في ظل الخدمات المتوفرة والتي تكون راقية في البلدان المتقدمة وجيدة في البلدان الاخرى، ولكن العراقيين بشكل عام والذين خرجوا قبل سنة 1991 بشكل خاص لديهم حنين قوي للوطن, حيث عاشوا داخل الوطن سنوات المد الوطني التقدمي والعطاء والذود عن المبادئ, وأخرجوا مجبرين حاملين حلم العودة الى وطن ديمقراطي, وقد نما هذا الحلم في داخلهم وربوا عليه أولادهم الذين لم يروا العراق قط ولكنهم عرفوه من خلال حكايات آبائهم عن الطيبة والشهامة والمحبة التي عاشوها في العراق. بعد سقوط النظام الصدامي في سنة 2003 اعتقد المغتربون العراقيون, ومن بينهم أصحاب الكفاءات وذوي الخبرة في جميع المجالات العلمية والانسانية, ان الحلم سيتحقق وان الوطن سيفتح لهم قلبه قبل ابوابه وبخاصة ان جميع الحكومات المتعاقبة تدعو اصحاب الكفاءات للعودة الى الوطن للمساهمة في بنائه ورفع مستواه العلمي والثقافي بعد ان دمّره نظام صدام, فهرع عدد ليس بالقليل لتحقيق حلمهم والمساهمة بإغناء بلدهم بما اكتسبوه خلال غربتهم الطويلة من الخبرة والآليات العلمية والتقنية, ولكنهم صدموا بكم العقبات والمعوقات التي جابهتهم من جهتين, الأولى في القوانين القرقوشية التي تفصل حسب المقاس في حالة التعيين الجديد أو في حالة اعادة التعيين, ومن الناحية الأخرى المسؤولين الذين إما ان يكونوا من بقايا النظام السابق الحاقدين, أو من مزوري الشهادات الخائفين على مناصبهم من القادم الكفوء، وأضرب مثالا لحالتين يعاني فيها العراق نقصا حادا في الكوادر العلمية وكيف عوملوا اصحابها، الحالة الاولى لأستاذ يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء كان رئيس قسم في الجامعة المستنصرية قبل مغادرته العراق في بداية الثمانينيات لرفضه التبعيث, وعندما عاد الى العراق لكي يعود الى الخدمة في الجامعة المستنصرية وبعد ان دار دورة طويلة للحصول على الاوراق المطلوبة من بطاقة السكن وبطاقة التموين والشهود وما الى ذلك, وبعد ان اتم كل هذه الإجراءات تطالبه الموظفة بتأييد صحة صدور لشهادته وهو الذي كان رئيس قسم واغلب الاساتذة الموجودين في القسم الآن كانوا من طلابه، علما بان جميع الجامعات العراقية تشكو من قلة حملة شهادة الدكتوراه في كادرها التدريسي.
الحالة الثانية هي مجموعة من الاطباء من اصل عراقي تخرجوا من الجامعات السويدية وبعد تخرجهم عملوا في المستشفيات السويدية التي هي من المستشفيات الراقية في اوروبا وتطلب من الفريق الطبي العامل لديها كفاءات عالية وخبرة, واراد هؤلاء الشباب خدمة بلدهم الاصلي ولكنهم فوجئوا بان معادلة شهادتهم تتطلب امتحاناً في العراق فاستنكفوا وعدلوا عن فكرة العودة، علما بان العراق يحتاج الى آلاف الاطباء لان جميع مستشفيات العراق تعاني نقصا في الاطباء، فاذا اراد اصحاب القرار للعراق ان يتقدم فعليهم تسهيل عودة الكفاءات العلمية وتذليل الصعاب لهم لانهم هم الذين سيساعدون في رفعة ورقي العراق وبلوغه مصاف الدول المتقدمة، الظاهر ان هناك أيادي كثيرة, أشرنا الى بعضها, تحاول منع الكفاءات من العودة الى العراق كل حسب غايته ولكي لا يتمتع هذا الوطن بما اكتسبه ابناؤه من الخبرة في عملهم في البلدان المتقدمة, ولكي لا يتمتع ابناء الوطن بالعودة الى دفء وطنهم واحضان اهلهم.
مقالات للكاتب رعد عباس ديبس
التعليقات (0)