مواضيع اليوم

هل ينجح المغرب في امتحان إصلاح القضاء الذي يرسب فيه دائما؟

إدريس ولد القابلة

2009-12-11 02:14:17

0

3320قاض لأزيد من ثلاثة ملايين قضية كل سنة
هل ينجح المغرب في امتحان إصلاح القضاء الذي يرسب فيه دائما؟

 

     إصلاح القضاء، إشكالية مطروحة منذ الاستقلال، كما أن هناك إجماعا على أن أحوال منظومتنا القضائية تدهورت وتحولت إلى نقطة سوداء. وقد قرأ الكثيرون تمحور الخطاب الملكي الأخير حول العدالة كتعبير عن أن إصلاح القضاء هو العاكس للرغبة الحقيقية في التغيير المتوخى في بلادنا منذ مدة طويلة. هذا أمر قيل عنه الكثير ونبّه إليه العديدون، لكن ماذا استجد في هذا النطاق؟

إشكالية الدعوة لإصلاح القضاء قضية قديمة، على امتداد سنوات خلت، حيث ظلت الجهات الموالية للسياسة الرسمية أو الجهات المعارضة، على حد سواء، تقر بضرورة إصلاح القضاء، إلا أن المغاربة لم يعاينوا الأثر الفعلي الملموس لهذا الإصلاح على أرض الواقع. واليوم هناك حديث عن ضرورة إطلاق إصلاح شامل وعميق للقضاء، أي إصلاح جوهري يتجاوز قطاع القضاء إلى منظومة عدالتنا، والاعتناء بمفهوم الإصلاح المؤسساتي عوض الاقتصار على الإصلاح الإداري. فهل ينجح المغرب هذه المرة في امتحان إصلاح القضاء الذي يرسب فيه دائما؟

 

خطة طريق من توقيع الملك

 

    إن المتأمل في التصور الملكي لإصلاح منظومة عدالتنا لا تفوته ملاحظة تقارب العديد من مكوّناته مع فحوى مذكرة الجمعيات الحقوقية التي دعت إلى تبني إصلاحات جوهرية لضمان استقلال القضاء وترسيخ نزاهته.

لقد رسم الملك في خطابه الأخير خطة طريق شمولية حول إصلاح المنظومة القضائية انطلاقا من الأولويات التي تعزز الإصلاح، وهي ضمانات الاستقلالية، تحديث المنظومة القانونية، التأهيل البشري والإداري والمؤسساتي، ترسيخ التخليق والعمل على التفعيل.

ومن معالم خطة الطريق الملكية هاته إعادة النظر في مهام وتشكيل المجلس الأعلى للقضاء ونهج عمله، وفي القانون الأساسي للقضاة، وفي دور الإدارة المركزية ومنهجية عملها وتخليص المسؤولين القضائيين بالمحاكم من العمليات التي تنال من استقلاليتهم وتفعيل التفتيش والعناية بالتأهيل والتكوين والوضع المادي للقضاة وكتاب الضبط، والحرص على الجودة في الأحكام والخدمات وتسهيل اللجوء إلى القضاء والقطع مع الفساد وتشجيع كل ما يساعد على تفعيل الإصلاح المتوخى.

وفي انتظار التعديل الدستوري، يرى بعض رجال القانون الشروع فورا في رفع هيمنة السلطة التنفيذية عن المجلس الأعلى للقضاء وانفتاحه على مكونات جديدة وعقليات حديثة ووضع حد لوصاية وزير العدل على القضاء والجهاز القضائي.

إذا كان يتم في السابق التركيز على تصور إداري محض في تناول إشكالية إصلاح القضاء، فإن الإصلاح الذي نادى به الملك هذه المرة ارتكز على تصور مؤسساتي وشامل سعيا وراء ضمانات استقلالية القضاء وتخويل المجلس الأعلى للقضاء الشروط اللازمة قصد ترقيته إلى سلطة قائمة الذات، وتحديث الترسانة القانونية، وتأهيل الهياكل القضائية والإدارية والبحث عن الفعالية والنجاعة القضائيتين وترشيد الموارد البشرية وتخليق منظومة عدالتنا ومحيطها.
علما أن الإصلاح الشمولي للقضاء ببلادنا، يستوجب، في رأي الكثير من رجال القانون، مراجعة القانون المنظم لمهنة القضاء والمهن الحرة المرتبطة به، باعتبار أن هذه الأخيرة في حاجة إلى الرقي أيضا، لمسايرة مختلف التطورات ولتكون في مستوى عدالة القرن الواحد والعشرين.

 

إصلاح القضاء والتغيير الدستوري

 

     ليس هناك خلاف بخصوص أن المدخل الطبيعي لإصلاح منظومة عدالتنا هو إجراء إصلاحات دستورية، سيما وأن التصور الشمولي والمؤسساتي لهذا الإصلاح لا يقتصر على الإجراءات الإدارية، وإنما هو إصلاح يبدأ من الإنسان ويرتكز على التخليق والتكوين الذي يتوخى التصدي للفساد ومكامنه.

ويظل السؤال من أين نبدأ قائما؟ هل من المحكمة المتصلة مباشرة بالمتقاضين أم من الإصلاحات المؤسساتية الرامية إلى استقلال القضاء وضمان نزاهته؟

يرى المتتبعون لإشكالية المطالبة بإصلاح القضاء بالمغرب، أنه لكي تضمن الدعوة إلى إصلاح القضاء شموليتها وجب أن تكون كذلك دعوة إلى المصالحة مع صيرورة التغيير الفعلي، ومع الانتقال إلى الديمقراطية الحقة، والقطع الكلي مع مختلف مظاهر السلطوية والتسلط، وذلك عبر القيام بما يلزم من تغيير في النصوص القانونية والمؤسساتية والعقليات لضمان عدم العودة إلى ممارسات العهد البائد وقصد تكريس عقلية تثبيت الحقوق المكتسبة بصفة نهائية لا رجعة فيها مهما يكن من أمر ومهما كانت الظروف، والإقرار باحترام قواعد اللعبة السياسية بكل وضوح وشفافية.

ذهب بعض رجال القانون إلى القول إن ما يضمن استقلال القضاء هو تفعيل النصوص الدستورية المنظمة لاختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، ورفع قطاع القضاء إلى مرتبة سلطة قائمة الذات وعدم تدخل السلطة التنفيذية في الشأن القضائي، في حين لا يمكن للقاضي سوى أن يضمن المحاكمة العادلة وحسن سير الجلسات وسرعة البتّ في النوازل والملفات واعتماد الحياد والنزاهة والموضوعية.

ومن خلال فحوى الخطاب الملكي يتبين بوضوح أنه لا مندوحة عن ارتقاء القضاء إلى سلطة قائمة الذات، وهذا يستوجب تعديلا دستوريا، ولو جزئيا، للإقرار بذلك، علما أن الدستور الحالي لا ينص على أن القضاء يرقى إلى مستوى سلطة بالمغرب.

كما أن استقلال القضاء يظل رهين تمتيع المجلس الأعلى للقضاء بالاستقلال المالي والشخصية المعنوية، وهو ما يستوجب كذلك تغييرا دستوريا.

وإذا كانت استقلالية القضاء قد ظلت تردد على مسامع المغاربة منذ حصلت بلادنا على استقلالها، وبفعل كثرة تكرارها أصبحت دون جدوى على امتداد هذه السنوات، مما أضحى يبدو في عيون الكثيرين أن استقلالية القضاء مطلب سطحي باعتبار نهج تعاطي القيمين على أمورنا معه، لكن تأكد اليوم أنه مطلب جوهري يدخل في صلب دولة الحق والقانون، وهذا ما أقره، بشكل لا رجعة فيه ودون تردد، الخطاب الملكي الأخير.

يرى بعض المتتبعين لشأن الإصلاح والتغيير ببلادنا، أنه سبق أن قيل الكثير عن استقلال القضاء ونزاهته واستقلاليته، وكاد أن يحصل إجماع على أن قضاءنا غير مستقل وليس نزيها، رغم أن هناك قضاة نزهاء، وكالعادة، حتى بالنسبة لهذه القضية الحيوية (العدالة) انتظرت حكومتنا مبادرة ملكية لتقول إنه وجب التحرك الآن، وفي هذا السياق أعلن الناطق باسم الحكومة، أن وزارة العدل تعكف على إعداد خطة دقيقة لإصلاح القضاء بمشاركة عدد من الوزارات (الداخلية، الأمانة العامة للحكومة، الاقتصاد والمالية، تحديث القطاعات العامة)، هذا في وقت اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الأخير أن القضاء يبقى سببا من أسباب الانتهاكات اليومية لحقوق المواطنين. كما أن القضاء المغربي ظل مستهدفا بقوة من طرف الانتقادات الصادرة عن أحزاب اليسار والحركة الحقوقية وجملة من التقارير الأجنبية الرسمية وغير الرسمية، التي وقفت على مناطق الفساد، واعتبرت قطاع العدالة بالمغرب من أهل القطاعات التي تعرف انتشار بؤر الفساد التي تقف في طريق تكريس الانتقال الديمقراطي الفعلي ببلادنا، وقد تأكدت هذه الصورة السلبية لقضائنا في عيون الخارج، وما يترتب عليها من خسائر وهدر الفرص على المستوى الاقتصادي، إذ أن المستثمرين يفضلون عدم المغامرة في بلد يعم الفساد والرشوة قطاعه القضائي. وحسب مصدر مطلع، إن 3 بالمائة من مجموع القضايا المعروضة على المحاكم التجارية يشكل الأجانب أحد طرفيها، وهذا ما يمثل حوالي 15 بالمائة من إجمالي رأسمال النوازل المعروضة على المحاكم التجارية.

 

الرجوع إلى الوراء

 

       سبق للملك محمد السادس أن أطلق مبادرة الإقرار بميثاق وطني للقضاء بمناسبة مرور 50 سنة على تأسيس المجلس الأعلى للقضاء، واعتبرت هذه المبادرة وقتئذ مطلبا مشروعا لمواكبة الانتقال الديمقراطي، وسرعان ما حظي بإجماع كل الفاعلين والمتدخلين.

وتلى ذلك توقيع عشر جمعيات حقوقية على مذكرة تعنى بإصلاح القضاء. وقد عكس مشروع إصلاح القضاء المعلن عنه مؤخرا بعض مضامين مشروع الإصلاح الموقع من طرف جمعية هيئة المحامين والعصبة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف وجمعية "عدالة" والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء ومنظمة العفو الدولية (فرع المغرب) والمرصد المغربي للسجون. وهي المذكرة التي طالبت بإصلاحات شاملة تهتم أساسا باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية وإصلاح نظام المحكمة العسكرية ومنح المجلس الأعلى للقضاء سلطة تقريرية والإقرار بالقانون لحماية الشهود والمبلِّغين عن الفساد.

وخلال الدورة الافتتاحية من السنة التشريعية للبرلمان برسم عام 2007 كلف الملك وزارة العدل بوضع مشروع خطة لإصلاح القضاء، كما أنه في خطاب العرش الأخير بشر الملك المغاربة بقرب الشروع في تفعيل هذا الإصلاح باعتبار أن الحكامة الجيدة لن تستقيم إلا بالإصلاح العميق الشمولي لمنظومة العدالة، إصلاحا مؤسساتيا وليس إداريا فقط، كما كان يقع من قبل، وهذا ما جاء في خطاب بمناسبة ثورة الملك والشعب.

 

معوقات منظومتنا القضائية

    علاوة على عدم الإقرار بأنه سلطة مستقلة عن باقي السلط، يعاني جهازنا القضائي الكثير من المعوقات والاختلالات التي ساهمت بشكل كبير في النيل من نجاعة العدالة وفقدان المتقاضين الثقة في القضاء ورجاله، ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- وقوع قضائنا تحت وطأة التعليمات.
2- خضوع المجلس الأعلى للقضاء لتعليمات وزارة العدل، ومحدودية صلاحياته، كما أنه مازال بصيغة المذكر دون أية تمثيلية نسائية.
3- يعتبر وزير العدل، بفعل الأمر الواقع، الرئيس الفعلي للمجلس المذكور، وهو الذي يتولى تدبير مشوار القضاة المهني، وهو كذلك الرئيس المباشر للنيابة العامة.
4- ضعف التكوين القضائي والقانوني في المجالات الحديثة والقطاع التجاري والمالي والمصرفي.
5- خلل الإفراط في المركزية الإدارية المخلة بالفعالية القضائية رغم اختيار بلادنا للجهوية، وضعف "اللا تمركز".
6- ضعف احترافية القضاة سيما في مجال الأعمال والاستثمار.
7- عدم ملاءمة الكثير من النصوص القانونية والمسطرية لتطورات المجال الاقتصادي ومتطلبات عدالة القرن الواحد والعشرين.
8- غياب سياسة جنائية واضحة المعالم ومحددة المقاصد ومعروفة الآليات.
9- غياب الطرق القضائية البديلة (الوساطة، التحكيم، الصلح، العقوبات البديلة...).
10- غياب الحوافز والاكتفاء المادي للعاملين في قطاع القضاء.
11- غياب تنظيم محكم للمهن القضائية.
12- صعوبة تنفيذ الأحكام وولوج المتقاضين إلى الخدمة القضائية وغياب جودة الأحكام.
13- استمرار ضياع الحق في العدل المغربي.

 

أسرة القضاء

في المغرب حاليا أكثر من 3320 قاض مطالبون بالنظر في أكثر من ثلاثة ملايين قضية ونازلة كل سنة. وحسب التقديرات المعلنة، إن قطاع القضاء في حاجة إلى أكثر من 2600 قاض جديد للتغلب على عدد القضايا الرائجة.


لحبيب حاجي
الملك أحس بخطورة الوضع والعدالة أساس الملك


   يعتبر حاجي لحبيب، وهو أحد أصحاب البذلة السوداء الذين اكتووا من حيف القضاء، أن موضوع إصلاح القضاء الوارد في الخطاب الملكي الأخير موجه إلى الحكومة، وخاصة وزارة العدل، لكي تترجم فحواه على أرض الواقع. وما دام التصور الملكي لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا قد ركز على ضرورة وجود هيأة استشارية مستقلة ومرصد للإجرام، فإنه أضحى من الضروري تفعيل هذه الأجهزة لأن بدونها لا يمكن تكريس "البرنامج الملكي بخصوص عدالتنا المريضة".
كما يرى أنه بالرغم من عدم بلورة هذا الإصلاح ضمن تعديل دستوري كما تتوخى الحركة الحقوقية، وبالرغم من كون هذا الإصلاح يأتي ضمن جو سياسي يجعل من الأحزاب ذات المصلحة في المحاكمة العادلة، وبالرغم من أنه جاء في ظرف برزت خلاله الملكية في الساحة دون باقي الفاعلين، فإنه من الضروري التشبث بقضية التخليق لتهيئ الطريق لرمي الفاسدين في مزبلة التاريخ.


- تم من قبل الحديث عن إصلاح القضاء أما الآن فقد بدأ الحديث عن إصلاح منظومة العدالة، ما الفرق بين التصورين؟
+ منظومة العدالة أكثر شساعة من مجرد كلمة القضاء، ذلك أن منظومة العدالة تحتاج أولا إلى تصور دستوري واضح مستند إلى قوى سياسية في مصلحتها تقوية المحاكمة العادلة، كما أن مفهوم منظومة العدالة تشمل إدخال تعديلات على النصوص القانونية سواء المعتبرة قانونا جنائيا أو الخاصة بالإجراءات، وأقصد قانون المسطرة الجنائية وتغيير قوانين القضاة وهيأة المهن القضائية (القضاة، المحامون، الشرطة القضائية، الخبراء، كتاب الضبط...) وعلى سبيل ذكر الشرطة القضائية فهي من أهم الأجهزة التي تتحكم بمصير العدالة والمحاكمة العادلة، لذلك فإنها تحتاج إلى تغيير جذري بما يجعلها مرتبطة عضويا بالنيابة العامة وتوفرها أيضا على مقرات خاصة بما يضمن ضيافة المشتبه فيهم في ظروف شفافة تمكن الدفاع من الحضور إلى جانب موكليهم منذ الدقائق الأولى لاعتقالهم، كما أن هذا المفهوم يمتد إلى طرح أسئلة سياسية وفلسفية وفقهية وإشراك أساتذة الجامعة من رجال القانون والحقوقيين وقبلهم المحامين وأجهزتهم المعروفة. وإصلاح منظومة العدالة تبدأ من القضاء على سياسة الإفلات من العقاب والقضاء على الرشوة واستغلال النفوذ والإقرار السياسي والدستوري، بكون آلية العدالة التي هي القضاء، بمثابة سلطة مستقلة ويترجم ذلك في الأجهزة المرتبطة بدمقرطتها.
كما لا يفوتني أن أشير إلى مسألة ذات أهمية، وهي إعادة النظر في طريقة تزويد العدالة بالقضاة وجعل المحاماة مصدرا من مصادر تزويد المحاكم بالقضاة من المحامين الأكفاء النزيهين الذين قضوا مدة معينة في المحاماة وأثبتوا جدارتهم في حماية المحاكمة العادلة.

- أليس الأولى البدء من الإقرار بتعديل دستوري قبل إطلاق ورش إصلاح القضاء؟
+ نعم، لكن هذا الإصلاح الدستوري إذا ما حدث فسوف يتم بقوة سياسية واحدة ووحيدة، وهي قوة الملكية، الإصلاح الدستوري في غياب قوة سياسية ديمقراطية تفرض نفسها على الساحة، لن يكون إلا بطعم المنحة وبالتالي فإن لاشيء سيتغير في البلد.. أعتبر فعلا أن التغيير الدستوري ضروري لكن الأساسي قبله هو البحث عن قوة سياسية تضغط من أجل هذا الإصلاح الدستوري الذي سوف يتضمن مبادئ جديدة تدفع إلى صيانة مبادئ الديمقراطية لأن إصلاح القضاء أو إصلاح منظومة العدالة لا يمكن أن يتحقق في غياب مناخ ديمقراطي، والمناخ الديمقراطي لن يتحقق في ظل جمود يصل إلى حد الوفاة بالنسبة للأحزاب التي اعتقد الجميع أنها قد تضيف شيئا للمشهد السياسي وستدفع إلى فرض الديمقراطية ولو في أبسط شروطها لأي أفق نحو الانتقال الديمقراطي.

- ما دواعي حديث الملك عن إصلاح مؤسساتي للقضاء، علما أن "إصلاح القضاء" ظل من القضايا المطروحة بحدة على امتداد العهد الجديد؟
+ لقد وصل السيل الزبى ووصلت السكين العظم وأصبحت العدالة في بلادنا قطاعا منخورا بالرشوة واستغلال النفوذ والزبونية والمحسوبية واستقوت العناصر الفاسدة المستفيدة من هذه الوضعية، وكل من تكلم عن هذه الوضعية بصدق وشهادة إما أن يسجن أو يشطب عليه أو تلفق له التهم الباطلة ويهدد في مستقبله (نموذج المحامين أصحاب رسالة إلى التاريخ)! وحسب ترانسبارانسي، فالرشوة منتشرة في العدالة إلى درجة تجعلها في المرتبة الأولى، وحسب ديوان المظالم فالقضاء هو الجهاز الأول الذي يشتكي منه المغاربة، إلى غيره من الكوارث التي سببتها المحاكمات غير العادلة والتي شوهت صورة المغرب في الخارج. لقد تحدث الملك كثيرا عن مشاكل العدالة والقضاء، حيث قلّما تخلو مناسبة إلا وأثار هذا الموضوع بحدة، لكن الأجهزة المسؤولة، وعلى رأسها وزارة العدل لم تترجم تلك الخطابات الملكية السابقة، وهو ما دفع بالملك إلى وضع برنامج للإصلاح بعد ترتيبات على مستوى الوزارة بالإبقاء على الوزير عبد الواحد الراضي وزيرا للعدل وإحداث تعيينات جديدة على مستوى المجلس الأعلى للنقض والإبرام وإحداث الهيأة الوطنية للوقاية من الرشوة... وهكذا يتم لأول مرة تخصيص الملك موضوعا واحدا ووحيدا في خطاب خلال مناسبة مهمة وهي ثورة الملك والشعب ولاشيء غير إصلاح القضاء.. إذن هناك دواعي كثيرة تطلبت تدخل الملك، ذلك أن هناك غيابا للأحزاب السياسية في هذا الموضوع والتي لا تأثير لها، وبالتالي كما لاحظ الجميع فقد جاء بنقط استعجالية تشمل النصوص والأجهزة وخلق أجهزة جديدة مثل الهيأة الاستشارية والمرصد، كما تحدث عن التخليق ومحاربة استغلال النفوذ والرشوة... من ثم فإنه لا يمكن لأي إصلاح أن يتجسد في المغرب دون تدخل الملك، والملك شعر فعلا بخطورة الوضع ما دامت العدالة أساس الملك.

 

 

عبد العزيز النويضي رئيس جمعية "عدالة"
كل المؤسسات تأخذ أحيانا بحرفية الخطاب الملكي ولا تجرؤ على المبادرة


    تغير الخطاب بخصوص فحوى ومضمون إصلاح القضاء ببلادنا، وانتقل الحديث من مفهوم الإصلاح الإداري إلى الإصلاح المؤسساتي لمنظومة العدل لضمان الشمولية والفعالية، مما طرح أكثر من تساؤل بخصوص ارتباط هذا الإصلاح والتعديل الدستوري ونهج تدبير هذا الارتباط. سألنا رئيس جمعية "عدالة" بهذا الخصوص، فكانت الحصيلة كالتالي:

- حصل تغيير ملحوظ في فحوى الخطاب عن إصلاح القضاء، إذ بدأ الحديث عن إصلاح وترشيد منظومة العدالة بالمغرب، هل من فرق بهذا الخصوص؟
+ إن منظومة القضاء (أو العدالة) تشمل كل الفاعلين في القطاع والمؤسسات المعنية بالعدالة والعدل ببلادنا ومختلف المتدخلين في القضاء وإعدادهم وتنظيمهم وتكوينهم وتأهيلهم، ونهج التدبير والإدارة والترسانة القانونية وآلياتها. وهذا المفهوم في عرف رجال القانون والفقهاء أشمل وأوسع مما يصطلح عليه بالقضاء أو قطاع القضاء.

- هل هذا يعني أن الخطاب الجديد بهذا الخصوص يعكس تطورا في منظور إصلاح القضاء المعتمد الآن؟
+ بكل تأكيد، يبدو أن المنظور أضحى يتوخى الشمولية، ونحن الآن أمام تصور متكامل، أشمل من التصور السابق، وهو ما يتوخاه الجميع بخصوص هذا القطاع الحيوي.

- أليس من الأولى الإقرار بتعديل دستوري قبل تفعيل ورش إصلاح القضاء اعتبارا للارتباط البنيوي بين القضيتين؟
+ التعديل الدستوري عبارة تشمل عدة مستويات؛ في المستوى الأول، تعني تعديلا كليا بتوافق مع كل الفاعلين، بما فيهم الفعاليات الإسلامية التي تقع حاليا خارج اللعبة السياسية وأقصد مثلا جماعة العدل والإحسان وغيرها، هذا هو المفهوم الأول للتعديل الدستوري، لكنه ليس المطلوب في الظرف الراهن.
وهناك مستوى ثاني للتعديل الدستوري يخص المحتوى الذي يجري الحديث عنه في السنوات الأخيرة، أي تعديل دستوري من أجل ضمان توازن أكبر بين السلطات وتقوية دور الحكومة والبرلمان إلى آخره..
وهناك مستوى ثالث، وهو المتعلق بتعديل دستوري جزئي، يهم فقط منظومة القضاء وحقوق الإنسان، وإن كنا نحبذ أن يكون التعديل الدستوري على أكبر مستوى. ذلك أنه، في موضوع القضاء لا يمكن إصلاح بعض المؤسسات في هذا القطاع دون تعديل دستوري، خاصة فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء..

- هذا هو المقصود، خصوصا وأن التصور المؤسساتي لإصلاح القضاء يتمحور حول تمكين هذا القطاع من أن يصبح سلطة كباقي السلط الأخرى، وهو ما يستوجب بالضرورة تعديلا دستوريا، أليس كذلك؟
+ نعم، إذا كنا نريد أن نذهب في إصلاح عميق للقضاء، يجب أن ينص الدستور على أن القضاء سلطة قائمة الذات، ولكن يتوجب بالدرجة الأولى التنصيص على اختصاصات وعلى تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، سيما إذا كنا نتوخى تخويل هذا المجلس سلطات ووسائل أقوى وتشكيلة جديدة.

- هناك من يعتبر أن التصور الجديد لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا من شأنه أن يحرج الحكومة، ما رأيكم؟
+ يحرج الحكومة؟!

- نعم، بمعنى أن الكرة أضحت الآن بمعسكرها وعليها أن تقوم بما يلزم القيام به؟
+ أعتقد أنه ليس هناك أي إحراج للحكومة، لماذا؟ لأنه قد يتصور البعض خطأ أن هذه المبادرة ملكية صرفة، لكن الحقيقة أنها مبادرة مشتركة بين الملك وبين وزارة العدل والحكومة.
فالكثير مما جاء في الخطاب الملكي الأخير ينص على أن جلالة الملك يثمن الاستجابة التي تمت عندما سعت وزارة العدل إلى التشاور، وعندما طلبت من الأحزاب السياسية والجمعيات مدها باقتراحات؛ معنى هذا، أن الخطاب الملكي جاء بعد تشاور، وبعد تدارس، وبعد إحاطة جلالته بما تقوم به وزارة العدل.
إذن، البعض قد يعتقد خطأ أن هذه الوزارة تقف مكتوفة الأيدي وتنتظر الخطاب الملكي لتتحرك، في حين أنها تحركت منذ أول خطاب ملكي، لكن المشكلة كانت تكمن في أن هذا الخطاب كان مرة يدعو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى إنجاز الإصلاح، ومرة يدعو وزارة العدل وتارة أخرى يدعو الحكومة.
لهذا، إن وزارة العدل عندنا بالمغرب وغيرها من المؤسسات تأخذ أحيانا بحرفية الخطاب الملكي لكنها لا تجرؤ على المبادرة.
لكن خلال السنوات الأخيرة، أخذت وزارة العدل المبادرة وبدأت تعد بالإصلاح، مما يجعلني أعتقد أن إصلاح القضاء يتم بتشاور وحوار بين الملك ووزارة العدل والحكومة، جميعا.

- كونك حقوقيا متتبعا لتطورات هذا المجال، هل التصور الجديد لإصلاح منظومة القضاء استجاب لطلبات وتوصيات الحركة الحقوقية في هذا المضمار؟
+ إن أهم مطالب الحركة الحقوقية بالمغرب تتمحور حول تعزيز استقلال القضاء ونزاهته وإصلاح مجلسه الأعلى والتصدي للرشوة والفساد ومحاربتهما وتقريب القضاء من المتقاضين وتوفير شروط المحاكمة العادلة وتنفيذ الأحكام القضائية في وقتها وتكوين العاملين بالقطاع والساهرين عليه وموارده البشرية وتحديث الترسانة القانونية واعتماد الحكامة الجيدة في قطاع العدل. وبما أنه لا يمكن إصدار شيك على بياض، وجب انتظار الإطلاع على فحوى المشروع بتفصيل دقيق للتمكن من التقييم وإبداء الرأي، علما أن أفضل السبل هو التشاور لإعداد مشروع إصلاح شمولي للمنظومة القضائية.

إدريس ولد القابلة

المشعل




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات