هل ينجح البنك المغاربي الاستثماري في تحقيق الاندماج السياسي
عبـد الفتـاح الفاتحـي
يسعى الإخوة المغاربيون اليوم تجاوز نكسات فشل اندماجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عبر تدشين محطة جد هامة في درب الاندماج المالي المشترك، وذلك بالإعلان خلال أعمال الدورة السابعة للمجلس الوزاري المغاربي للمالية والنقد بالعاصمة الجزائرية عن إنشاء البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية لتمويل مشاريع الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي الخمسة.
وقد اتفق وزراء مالية اتحاد المغرب العربي على أن يكون رأس مال هذا المصرف المغاربي 500 مليون دولار موزعة بالتوازن بين الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد، منها 150 مليون دولار تمثل رأسمال محرر، على أن يتم تحرير ما نسبته 25 بالمائة من رأسمال البنك عشية انعقاد الجمعية التأسيسية للبنك والذي ستحتضن بمقره في تونس العاصمة.
ويهدف البنك المغاربي إلى الاستثمار في المشاريع التنموية التي تعزز عملية الاندماج المغاربي، والمساهمة في إقامة اقتصاد مغاربي مترابط، ومندمج. ومن ذلك إعداد وإنجاز وتمويل المشاريع ذات المصلحة المشتركة، الفلاحية والصناعية وغيرها في البلدان المغاربية. وكذلك لتشجيع انسيابية رؤوس الأموال وتوظيفها في المشاريع، ذات الجدوى الاقتصادية والمردود المالي وتنمية المبادلات التجارية والمدفوعات الجارية المترتبة عليها.
ولذلك يعتبره وزراء مالية دول الاتحاد أداة أساسية لتعزيز التكامل الاقتصادي المغاربي وتحقيق التنمية المشتركة لدول المنطقة سواء من خلال تمويل المشاريع الاندماجية وحرية تنقل الأشخاص ورفع حجم المبادلات التجارية البينية. أي أن هذا المشروع الأول من نوعه سيكون ذا طابع تنموي أكثر منه تجاريا.
ويجمع الخبراء المغاربيون على أهمية هذه الخطوة لكسر حالة الجمود التي طالت هياكل اتحاد المغرب العربي، وعَدُّوها بأنها الأهم في إحياء مبادرات تعزيز العمل المغاربي المشترك، والتي قد يترتب عنها مزيد من علاقات التفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي...، وفي هذا السياق أكد وزراء المالية والاقتصاد المغاربيون أن اتفاقهم على إطلاق البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية بداية السنة القادمة هو: "دليل على إيمانهم الخالص بحتمية بناء صرح اتحاد المغرب العربي وبضرورة مواصلة البحث عن الطرق الكفيلة بتحقيق أهدافه بما يستجيب لتطلعات شعوب البلدان المغاربية في إطار منظور شمولي واستراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار مؤهلاتنا وإمكانيات اقتصادياتنا".
ويتوقع خبراء دوليون أن يعيش البنك المغاربي تحديات كبيرة، يتعلق جزء منها بتحقيق شرط التوازن في توزيع القروض على مشاريع دول المغرب العربي، ولذلك فإن عمله سيكون صعبا ما لم يهيئ خطة عمل تتضمن معايير واضحة تمكن من ضمان الحضور في مجموع البلدان المغاربية، فضلا عن وضع تصور محدد حول التدخلات المستقبلية للبنك خاصة فيما يتعلق بشروط التمويل. وهو ما يعني أن البنك لا يزال في حاجة إلى اجتماع آخر يسمح برفع كل الصعوبات لدخوله حيز التنفيذ، وتسوية جملة من المسائل كانت عالقة، تخص تقسيم التمويلات اللازمة لسير هذا البنك بشكل متوازن بين جميع الأعضاء وتحديد آليات المراقبة الداخلية والخارجية له وكذلك الاتفاق على مبدأ تدوير منصب المدير العام والرئيس بالإضافة إلى تحديد السياسة الاستثمارية للبنك وأولوية المشاريع من حيث الجدوى والمردودية.
ويجمع وزراء مالية اتحاد المغرب العربي على أن الظروف الاقتصادية والمالية التي يمر به العالم والمتسم بالهزات والأزمات المالية المتتالية يحتم على بلدانهم مزيدا من تطوير العمل الجماعي المشترك وتكثيف التشاور من أجل إيجاد سياسات متناسقة ومتكاملة، ومواصلة المساعي لتحقيق الاندماج المغاربي لما يوفره من فرص إضافية لتحقيق الأهداف التنموية لكل بلدان المنطقة.
ويؤكد خبراء أنه بالتوقيع على هذا البنك المغربي يتأكد أن هناك خطوات أخرى هامة في هذا الاتجاه قد يتم الإعلان عنها في حينها بين الأخوة المغاربيون، وتأكد ذلك بما ورد في تقرير اجتماع وزراء مالية دول المغرب العربي، حيث تم التأكيد على ضرورة الإسراع بالتقريب بين الأنظمة الجبائية وقواعد المعطيات الإحصائية للبلدان المغاربية والدفع بالاندماج الجمركي وتطوير التعاون في مجال التأمين وإعادة التأمين.
واعتبر المتخصصون في الشأن المغاربي بأن تبادل رؤوس الأموال في المغرب العربي بات الأقوى من الخلافات السياسية اليوم وسجل عدد من المتتبعون أن الجزائر وقبولها الانخراط بجدية في هذه المشروع الذي تم الاتفاق عليه بعاصمتها يأتي من سياق محاولتها للاندماج من حالة العزلة بعد انسحابها من الاتحاد من أجل المتوسط مقابل تفاعل قوي للمغرب في هذا المشروع.
كما أرجع المتتبعون هذا التطور في السلوك الإيجابي الجزائري نحو تفعيل هياكل الاتحاد المغاربي إلى فشل مفاوضات المغرب والبوليساريو وربح الأول على العموم المعركة الدبلوماسية حتى هذه اللحظة. وكذا للضغوطات التي يمارسها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية على الجزائر لفتح الحدود البرية بينها وبين المغرب، كل ذلك جعل الجزائريين مقتنعين بأن حالات استمرار الصراع مع المغرب تؤثر سلبا على مصالحهم القومية. وعليه فإن الجزائر التي وظفت إغلاق حدودها البرية مع المغرب ليستجيب لمطالبها في النزاع حول الصحراء الغربية، وتتمكن من فتح منفذ بحري لها على المحيط الأطلسي يخفف عنها تكلفة نقل النفط من الجنوب الجزائري إلى شماله، قد صارت معركة خاسرة، بعدما لم يعد المغرب مجبرا على فتح الحدود مع الجزائر بعدما تمكن من اختراق الاتحاد الأوربي لينفتح عليه بالوضع المتقدم. وهو ما يعتبره الجزائريون اليوم تهديدا استراتيجيا لمصالحهم الاقتصادية والقومية.
ولذلك كانت الجزائر تصر على أن تجعل الاتحاد المغاربي في غرفة الإنعاش بسبب نزاع الصحراء الغربية، فظل اعتماد أزيد من 37 اتفاقية معلقة بسبب عدم مصادقة مجلس رئاسة الاتحاد سوى على 6 منها فقط، ولم ترى الاتفاقيات الأكثر جدية على غرار السوق الزراعية الموحدة وتنقل الأفراد ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء وإزالة الحواجز الجمركية وإنشاء بنك مركزي مغاربي وسوق مالية مغاربية موحدة.
وأمام هذا الوضع الجديد "مغرب ما بعد القمة المغربية الأوربية" فإن المراقبين يرون أنه يمكن تسجيل تعديل في الاستراتيجية الدبلوماسية الجزائرية مع استحضار نوع من "العناد السياسي" على المدى القريب في التعامل مع الجار المغربي من مبدأ تفعيل الاتحاد المغرب العربي. ويرى عدد من المهتمين بالشأن المغاربي أن الجزائر مقتنعة بأن انخراط المغرب في المبادرات الأوربية والإفريقية تتحكم فيه وضعيته مع الجزائر، وهو في ذلك يسعى إلى تخليص نفسه من حصار تفرضه الجزائر عليه، وترى أن المغرب كما باقي دول المغرب العربي يرى أن أولويات تدبير مستقبل اندماجه الاقتصادي والمالي والسياسي يجب أن يمر أولا في إطار اتحاد المغرب العربي.
ومعلوم أن هذا قرب الإطلاق العملي للبنك المغاربي تم بعد لقاء مباشر بين محافظي البنكين المركزيين، المغربي والجزائري، عبد اللطيف الجواهري ومحمد الأقصاصي في ندوة نظمت بمناسبة الذكرى الفضية لإنشاء البنك المركزي التونسي حول موضوع: "دور البنوك المركزية في بناء المجموعات الإقليمية وإدارة الأزمات المالية"، وقد أظهرت ورقتيهما العلاقة الوثيقة بين تشكيل التجمعات الإقليمية ومجابهة الأزمة المالية الراهنة والأزمات المماثلة التي قد تندلع في المستقبل".. كما اعترف المتحدثان المغاربيان بوجود عوائق قيام تكتل اقتصادي مغاربي، حيث لا تتعدى المبادلات التجارية البينية 2% من إجمالي مبادلات المنطقة. وأفصحا عما في قرارة حكومتيهما في شأن مقدار الخلافات المغاربية – المغاربية على استراتيجية التكامل، ودعيا إلى ضرورة الإسراع ببناء التكامل المغاربي.
واعتبر بعض المحللين أن الأزمة المالية العالمية سرعت بالتقارب المالي فيما بين دول المغرب العربي، وقد اقتنع الجميع بأن الاندماج الاقتصادي بات يعد مطلبا حتميا في عالم يسير بخطى حثيثة نحو التقارب وتشبيك الإقتصادات المتجاورة.
كما يتعزز نجاح الاندماج المغاربي رقميا، حيث بلغ الناتج الداخلي الخام للفرد الجزائري حسب تقديرات صندوق النقد الدولي 4041 دولاراً (8649 دولاراً معادل القدرة الشرائية)، فيما بلغ نصيب الفرد التونسي من الناتج الداخلي الخام 3759 دولاراً (7938 دولاراً معادل القدرة الشرائية) ولم يتعد نصيب الفرد في المغرب 2720 دولاراً (4385 دولاراً معادل القدرة الشرائية)، ومن دون محروقات فإن نصيب الفرد الجزائري لا يتعدى 2000 دولار وأقل من 4200 دولار معادل قدرة شرائية، وهو المستوى الأضعف بين بلدان المغرب العربي.
وفي مقابل الارتباط الوثيق لاقتصاديات بلدان اتحاد المغرب العربي باقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي، لا يتعدي إجمالي المبادلات البينية بين بلدان اتحاد المغرب العربي 2 بالمائة في أحسن الحالات، مقابل 6 بالمائة في إطار التبادل العربي العربي، ويسبب تأخر اندماج الاقتصاديات المغاربية، بلدان المنطقة خسارة هائلة تقدر بما يعادل 3 إلى 4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنويا.
وقدر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، كلفة عدم اندماج الاقتصاديات المغاربية بحوالي 15 مليون منصب شغل خسارتها البلدان المغاربية خلال السنوات الخمسة الأخيرة، كما خسرت البلدان المغاربية حوالي 20 مليار دولار من جراء عزوف الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تحجم عن القدوم إلى المنطقة بسبب محدودية أسواق دول المغرب العربي منفردة بالمقارنة مع حجم الإنفاق والاستهلاك في حال تكامل واندماج دول اتحاد المغرب العربي وتأسيس فضاء جمركي موحد.
وأكد الصندوق، أن تحقيق اندماج اقتصادي مغاربي في المدى المنظور يسمح لبلدان المنطقة مجتمعة من مضاعفة ناتجها الداخلي الخام إلى 720 مليار دولار في فترة قصيرة، كما ستقفز معدلات النمو المتوسطة في بلدان الاتحاد إلى 8 بالمائة سنويا بفضل توفر عاملين رئيسين هامين وهما الطاقة بأسعار تفضيلية جدا واحتياطات ضخمة من العملة الصعبة لدى كل من الجزائر وليبيا اللتان يبلغ إنتاجهما من النفط مجتمعتين 3.2 مليون برميل يوما وحوالي 120 مليار من الغاز الطبيعي، فضلا عن وجود احتياطات تفوق 210 مليار دولار من النقد الأجنبي لدى البلدين، فضلا عن وجود طلب داخلي مهم بعدد سكان يفوق 90 مليون نسمة يعيشون على مساحة تقدر بـ 5.78 مليون كيلومتر مربع وهو ما يعادل 42 بالمائة من مساحة الوطن العربي، وتشكل مساحة الجزائر وحدها ما نسبته 41 بالمائة من مساحة الاتحاد المغاربي، ويبلغ طول الشريط الساحلي للاتحاد المغربي حوالي 6505 كيلومتر، أي 28 بالمائة من سواحل الوطن العربي بأكمله، كما أن 78 بالمائة من سكان الاتحاد يعيشون في المغرب والجزائر، بحوالي 35 مليون نسمة لكل منهما.
ولهذه الأسباب تأكد لدى الجميع أن الاقتصادي متقدم على السياسي في المسار المغاربي، وشدّدوا على أن المدخل الواقعي لتكريس التكامل بين بلدان المنطقة، لا يأتي إلا من خلال المؤسسة "فإذا ما توسعت المؤسسة المغاربية وصارت هناك شركات مغربية وجزائرية وتونسية وليبية تعمل في كامل المنطقة، ستتكثف المبادلات والعلاقات الاقتصادية ويتحقق الاندماج بين البلدان، وهذا أسلوب إيجابي لدعم وتقوية الإتحاد المغاربي.
وقد كان رهان القادة المغاربيون الموقعون بمدينة مراكش على ميثاق الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي تشجيع حرية تنقل الأشخاص والبضائع، ورفع جميع الحواجز الجمركية والإدارية بهدف الوصول إلى وحدة سياسية واقتصادية، إلا أن المشروع لم يتقدم قيد أنملة بعدما أدارت دول الاتحاد ظهرها لبعضها بعضاً اقتصادياً بشكل شبه كامل منذ العام 1994، وولت شطر الاتحاد الأوروبي بعقد اتفاقات شراكة تم التفاوض بشأنها من قبل كل دولة مغاربية وحدها في مواجهة تكتل أوروبي متماسك بمواقف موحدة وأهداف استراتيجية معروفة سلفاً، متفق عليها بالإجماع من طرف بروكسل سواء تعلق الأمر بأوروبا الخمس عشرة أو بأوروبا التي تمددت حدودها إلى غاية جمهوريات أوروبا الشرقية التي انضمت مؤخراً للاتحاد لتصبح العائلة الأوروبية بـ27 فرداً، في مواجهة خمس دول في الضفة الجنوبية للمتوسط أنهكتها الخلافات والتنافرات المعلنة وغير المعلنة لا سيما في الجوانب السياسية والاقتصادية.
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)