وجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مؤخراً بتقديم مساعدات غذائية للجمهورية اليمنية تقدر تكلفتها بـ 54 مليون دولار، وذلك بهدف إعانة 45 ألف أسرة يمنية.
وفي العامين الماضيين، واستجابة لطلب اليمن للحصول على مساعدات مالية من المملكة العربية السعودية للتغلب على مرحلة الانتقال السياسي وتداعيات الاضطرابات التي اندلعت نتيجة ما يسمى بثورات الربيع العربي، تعهد المانحون الدوليون خلال اجتماع أصدقاء اليمن والدول المانحة الذي عقد في العاصمة السعودية بتقديم مليارات الدولارات لليمن لتسريع العملية السياسية الانتقالية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد نتيجة الثورة والاحتجاجات المتواصلة.
وكانت اليمن تأمل في الحصول على مزيد من المساعدات المالية كي تتمكن من مكافحة الإرهاب الذي يقض مضجعها من خلال الانفجارات والاغتيالات المتواصلة التي أصبحت ظاهرة شبه يومية تقريباً في مختلف أنحاء البلاد، بالإضافة إلى استكمال عملية الانتقال السياسي تنفيذاً للمبادرة الخليجية، وتأمين الاستقرار الأمني تمهيداً لتحقيق سلسلة إصلاحات اقتصادية واجتماعية تواكب تنفيذ العديد من المشاريع التنموية التي تساهم في رفع معدلات النمو ومواجهة مشكلات الفقر والبطالة التي تعانيها البلاد منذ سنوات عديدة.
وقد دفعت الثورة والانتفاضات المتواصلة التي دامت لأشهر عديدة في أفقر دولة عربية، الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى الخروج من السلطة في فبراير 2012، مما سمح لتنظيم "القاعدة" بتعزيز وجوده في المناطق القبلية التي ينعدم فيها الأمن والقانون، وبالتالي قيادة البلاد إلى حافة الإفلاس.
ووفقاً لمنسق الأمم المتحدة في اليمن، فإن أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عددهم 25 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، فضلاً عن ظروفهم الكارثية هذا الشتاء، حيث بات عليهم أن يناضلوا من أجل البقاء لمواجهة شتاء قارس في الأسابيع القادمة.
وقد حصلت اليمن خلال السنوات الماضية على مساعدات بمليارات الدولارات من المملكة العربية السعودية والدول الغربية، بالإضافة إلى مليارات أخرى من البنك الدولي لتمويل المشاريع التنموية وتلبية احتياجات البلاد، وذلك كجزء من المساعدات التي يقدمها البنك لتلبية الاحتياجات طويلة الأجل لبعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أعلنت اليمن أنها بحاجة إلى مزيد من المساعدات المالية على المدى القصير، فيما ستحتاج الحكومة إلى إنفاق حوالي 5 مليارات دولار على الاحتياجات الأساسية للبلاد خلال السنة .
وتطالب السعودية بتقديم مساعدات إضافية لجارتها الجنوبية الفقيرة في سبيل دعم اليمن لمواجهة العديد من المشاكل الاقتصادية. فقبل عامين تقريباً، وضعت السعودية وديعة مالية في البنك المركزي اليمني بقيمة مليار دولار. كما قدمت منحة بقيمة 1,75 مليار دولار، وأخرى بقيمة 500 مليون دولار لضمان الصادرات السعودية إلى اليمن.
وبعد ثورة كبيرة لعزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، شهدت اليمن عملية الانتقال السياسي والتي تركت اقتصاد أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. كما لم تصل جميع المنح والمبالغ التي وعدت بها الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى اليمن فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية. وبحسب بعض المسؤولين في المنظمات العالمية، فقد قامت العديد من الأسر اليمنية ببيع ممتلكاتها ولجأت إلى التسول مما أغرقها في المزيد من الديون، كما سحبت أبناءها من المدارس وأجبرتهم على العمل. ويعاني أكثر من 10 ملايين شخص في اليمن من عدم توفر الغذاء الكافي، فيما يعاني طفل من بين كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية الحاد.
وبالإضافة إلى معاناة اليمن منذ فترة من أخطار منظمة القاعدة والتحديات الأمنية الأخرى، فقد برزت في الأشهر الأخيرة أزمة الحوثيين الذين تمكنوا خلال فترة وجيزة من السيطرة على أجزاء واسعة من اليمن ووصلوا إلى قلب العاصمة صنعاء، واستولوا على العديد من المراكز والمباني الحكومية وحتى بعض الفرق العسكرية التابعة للدولة. كما أعادت الأحداث الأخيرة إلى الواجهة معضلة الصراع العبثي بين السنة والشيعة، كما لم تعرفه اليمن في أي زمان.
ويواصل الحوثيون تحركاتهم باتجاه المدن والمناطق الرئيسية في البلاد، إلى جانب تمددهم إلى المحافظات الجنوبية. وقد قام الحوثيون مؤخراً بحشد مسلحيهم وعتادهم الحربي في مدينة القاعدة والتلال المطلة على مطار تعز وضاحيتها الشرقية، وذلك على الرغم من الانتقادات المحلية والإقليمية الشديدة لجماعة الحوثي بسبب تمددهم نحو المحافظات الجنوبية والشرقية للبلاد، وممارستهم العنف الشديد بمختلف أشكاله، وفرض رأيهم بالقوة والعنف على أرض الواقع.
لقد وصلت الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن إلى مرحلة لم يسبق لها مثيل في البلاد، كما فشلت الحكومات السابقة في السيطرة على النمو السكاني، حيث يبلغ معدل النمو السكاني في اليمن أكثر من 3 في المئة سنوياً، وهي واحدة من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، وكانت النتيجة أن ما يقرب من ثلثي السكان هم تحت سن الـ 24 .كما تجاوزت معدلات البطالة بين الشباب صغار السن 50 في المئة.
وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي مُنحت لليمن على مدى السنوات الماضية من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، إلا أن البنية التحتية الرديئة تقلل من كفاءة العمل والإنتاجية، وهي غير جاهزة لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ولا تشجع كذلك على جذب الاستثمارات الخاصة أو الأجنبية للبلاد. وفي المدن الرئيسية، تؤثر الإيرادات والنفقات المنخفضة بشكل سلبي على كفاءة تقديم الخدمات الحيوية مثل النقل البري، ومعالجة النفايات الصلبة، والمياه، والطاقة، والتي لم تتمكن من مواكبة النمو الحضري السريع في العديد من المناطق.
ورغم وجود استراتيجيات حكومية لتنمية المدن، خاصة فيما يتعلق بتحقيق النمو الاقتصادي المحلي وتحسين القدرات الإدارية المحلية وتطوير الموانئ الرئيسية في البلاد، وهي ميناء عدن والحديدة والمكلا، إلا أن الحكومات اليمنية السابقة كانت تواجه التحديات من كل صوب، بما في ذلك قمع تمرد الحوثيين الذين كانوا يمارسون الضغط على الحكومة للحصول على الحكم الذاتي، ومواجهة الجماعات الانفصالية التي تحارب من أجل الحصول على الحرية السياسية والمساواة في الحقوق والخدمات الأساسية، فضلاً عن مكافحة تزايد أنشطة تهريب الأسلحة على طول الخط الساحلي ووجود أكثر من مئتي ألف لاجئ صومالي.
وقد أدت التفجيرات المتكررة لخطوط نقل النفط في عدد من المحافظات اليمنية خلال الأعوام الماضية من قبل بعض رجال القبائل، إلى جانب التعقيدات السياسية والأمنية، إلى حالة من عدم الاستقرار، ونقص إمدادات الوقود في جميع أنحاء البلاد. كما أدت الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي إلى زيادة الطلب على معدات توليد الطاقة، ما أدى إلى ظهور سوق غير نظامية والتي ساهمت في رفع كمية المخزون المتاح للمضاربين والمحتكرين للوقود والحد من قدرة الحكومة على استيراد النفط.
إن الاستقرار في اليمن يعتمد على التغلب على التهديدات المختلفة، ومعالجة مسألة النقص الشديد في المياه، وتدهور العجز في الميزانية وانخفاض احتياطي النفط، إضافة إلى معالجة مشكلة الفساد وعدم الاستقرار السياسي والبطالة المرتفعة. وتشكل هذه المشاكل تحدياً كبيراً للحكومات اليمنية الحالية والمستقبلية بحيث يصعب التغلب عليها في الوقت الحاضر، كما أن الحكومة غير قادرة على توفير مصادر الدعم اللازم أو العمل بفعالية لتحصيل الضرائب المستحقة للدولة.
وتناضل الحكومة اليمنية حالياً للصمود أمام مختلف الضغوط المحلية والإقليمية والدولية. ورغم جهود مكافحة الفساد الأخيرة التي اتخذتها الحكومة في اليمن، مثل إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في عام 2007، والتي عُهد إليها بمهمة تلقي الشكاوى والتصدي لحالات الفساد الكبيرة داخل النظام القضائي، وتأسيس منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد المستقلة، إلا أن الفساد المتفشي في جميع أنحاء البلاد ينخر في جسد القطاع العام الذي يفتقد ثقة المواطنين، ويمتص المال من خزينة الدولة إلى الجيوب الخاصة، فضلاً عن دفع الرشاوى للحصول على المناقصات، والتدخل في المحاكم للتأثير على القرارات القضائية، والتهرب من دفع الضرائب والرسوم الجمركية، والمحسوبيات والوجاهات والمجاملات الاجتماعية في الأوساط القبلية.
كما تشارك المؤسسات والمصالح التجارية في الرشوة للحصول على معاملة تفضيلية، مما يؤدي إلى ضياع ملايين الريالات والموارد البشرية سنوياً والتي يمكن استخدامها لتحقيق الإنتاجية وتحسين نمو الأعمال التجارية التي تسهم في إيجاد فرص عمل جديدة.
من ناحية أخرى، أدت الأحداث السياسية والأمنية المتسارعة في اليمن إلى عدم تركيز الدولة على التنمية المؤسسية، حيث يعتمد الاقتصاد الجيد على وجود دولة قوية قادرة على حماية القوى العاملة الوطنية، وتطوير بيئة استثمارية محفزة، وإعداد القطاع الخاص بشكل أفضل، وفرض الضرائب على المواطنين والمصالح التجارية بشكل فعال لتمويل نفقات الدولة، وتحسين إدارة الموارد. كما أن وجود دولة قوية وتعزيز الشرعية الدستورية هو أمر أساسي وحيوي لمستقبل الاقتصاد اليمني، وهو أهم بكثير من توفر الموارد الطبيعية.
ويعتمد اليمن منذ زمن طويل على المساعدات الخارجية، ولكن الفساد وسوء الإدارة يعيقان الاستخدام الفعال للموارد المالية المتاحة. وإذا لم تجد الظروف السياسية والاجتماعية العصيبة في اليمن حلاً لها في الأشهر القادمة، فسوف تقود البلاد إلى صعوبات أكبر، وربما تحتاج الحكومة للحصول على المزيد من المساعدات الخارجية على المستويين المالي والعسكري، وسيكون هناك عواقب وخيمة على البلاد في المستقبل.
يواجه اليمن اضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة، وعوائق اقتصادية وتنموية عديدة، كما لا يمكن الاعتماد على المساعدات الخارجية على الرغم من أنها يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في المساعدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى القصير. إن إنقاذ اليمن من الوضع المتردي الذي تمر فيه البلاد، وبناء التنمية الاقتصادية السليمة والمستدامة، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي يتطلب التنفيذ الفوري لعدة أمور، أبرزها تعزيز الجيش وتثبيت هيبة الدولة عبر قواها الشرعية، والانتقال إلى اقتصاد قوي ومنتج من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بإدارة الاقتصاد الوطني، وتبني استراتيجية للتنمية تعطي الأولوية لمشاريع البنية التحتية، إضافة إلى تفعيل مؤسسات مكافحة الفساد، وتطبيق مبادئ العدالة والشفافية.
لقد أثبتت التجارب على أرض الواقع أن وقف مختلف أعمال العنف والقتل والمظاهر السياسية السلبية في أي بلد يستلزم الجلوس إلى طاولة الحوار مع كافة الأطراف المعنية، وتقديم بعض التنازلات والتضحيات من قبل جميع الأطراف، وبذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة ومقبولة بعيداً عن الخلافات الطائفية والمذهبية والمصالح الشخصية، ومراعاة النظرة المستقبلية للأمور الحساسة من زاوية واسعة من أجل الوصول إلى حل دائم ومستقر وإنقاذ الشعب والبلاد من الصراعات والاختلافات التي قد تؤدي بهم إلى مصير مجهول، حيث برهنت الوسائل الأخرى المختلفة عن فشلها وعجزها في معالجة مظاهر العنف والاغتيالات العبثية والفوضى والتدهور الأمني والاجتماعي في عدد من دول المنطقة على مدى السنوات الماضية.
التعليقات (0)