مواضيع اليوم

هل يقدس المسلمون الاحجار؟!

نزار النهري

2011-09-19 19:13:52

0

لم اشأ ان اكتب في هذا الموضوع لحساسيته لما يعتبره البعض تعرضا لعقائد الاخرين .. وكذلك حرصا مني على الالتزام بشروط الموقع الذي ادون فيه من الناحية الاهم .. لكن هناك من تجاوز على عقائد الاخرين واستهزء بها بشكل صارخ في احد المقالات الذي باركت فيه الادارة ورفعته الى مختاراتها رغم انه لا يعتمد على مصادر او ادلة ولا يعدو كونه موضوعا انشائيا كما وصفه البعض .. ومن باب الرد كتبت هذا المقال .. ولكني ساتجنب المساس او السخرية او الاستهزاء بعقائد الاخرين ..

واحد من اهم طقوس الاديان، ان يقتنع الناس بقدسية اشياء معينة، وتختلف التقديسات من ديانة الى اخرى ..
يتصور بعض الجاهلين، ان التقديس هو قصر على الاصنام والاوثان والالهة .. وهذا خطأ كبير، بل
يتعدى التقديس ذلك الى الابنية كالمساجد والكنائس ويمتد ليسشمل الاشخاص والاماكن والاصنام والحجارة والتراب والاشجار والقبور وحتى المقتنيات كالعباءة والمسبحة والعصى والعمامة وغيرها ..لماذا هذه الاشياء مقدسة؟؟؟؟
لا توجد اجابات منطقية شافية على ذلك .. انه ارث من الماضي وهذا ما وجدنا عليه اجدادنا ..
واحد من الاشياء المقدسة التي عبدت في الجاهلية واستمر عبادتها في الاسلام .. الحجر الاسود

يقول المؤرخ العراقي الدكتور جواد علي عن الحجر الاسود "كان من أهم معبودات قريش، لأنه يمثل بقايا حجر قديم كان مقدساً عند قدماء الجاهليين، غير أنه لم يكن معبود قريش الوحيد" (1)
ولم يكن هذا الحجر هو الحجر الوحيد الذي عبد وقدس في جزيرة العرب حيث " ذكر ان في "غيمان" موضع عبادة وفيه "حجر قحمم" "حجر قاحمم" "حجر قاحم"، وهو يشبه الحجر الأسود الذي كان يتقرب اليه الجاهليون في مكة. والحجر الذي كان في كعبة نجران وفي "تسلال"، وفي مواضع أخرى عديدة ذشرها "الهمداني". وقد عثر على مقابر جاهلية عديدة تبين للذين نقبوا فيها ان لها صلة بعبادة الأحجار، وان تلك المقابر أقيمت عند موضع مقدس لوجود حجر مقدس فيه"(2)

يدعي المسلمون ان هذا الحجر قد نزل من السماء ولكن ليس لديهم اي دليل مادي لادعائهم هذا وكل ادلتهم سماعية لا اكثر.
حيث جاء في الترمذي (إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله عز وجل نورهما، ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)(3)
وفي الطبري "فقال أي إسماعيل: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ قال أتاني به من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء، فأتماه"(4)

لا يمكننا ان نصدق علميا ان يكون تحول الحجر من الابيض الى الاسود بسبب ذنوب الناس. اما عن انه نزل من السماء، فهذا ما يرجح، كان يكون نيزكا، خصوصا اننا تعودنا ان نرى نيازك بهذا الشكل واللون، فالنيازك تحترق فور تماسها بالغلاف الجوي للارض مما يؤدي الى تفحمها وتحول لونها الى الاسود. وهذا ما يرجحه ايضا الدكتور جواد علي حيث يقول "لقد كان هذا الحجر مقدساً في ذاته، وهو الذي جلب القدسية للبيت، فصار البيت نفسه مقدساً، مقدساً في حد ذاته، بحجره هذا الذي هو فيه، ولعله شهاب "نيزك"، أو جزء من معبود مقدس قديم"(5)
اما الدكتور زغلول النجار فيدعي ان الحجر الاسود حلل بالفعل واثبتت نتيجة التحليل انه نيزك "من نوع فريد"(6)


نيزك ويلاميت الذي وجد في ولاية اورجن الامريكية

"قال المؤرخ والخطاط محمد طاهر الكردي المتوفى عام 1400 هـ موضحا ما آل إليه الحجر الأسود قبل نحو خمسين سنة فقط من الآن قوله «والذي يظهر من الحجر الأسود الآن في زماننا ـ منتصف القرن الرابع عشر الهجري ـ ونستلمه ونقبله ثماني قطع صغار مختلفة الحجم، أكبرها بقدر التمرة الواحدة، كانت قد تساقطت منه حين الاعتداءات عليه من بعض الجهال والمعتدين في الأزمان السابقة. وقد كان عدد القطع الظاهرة منه خمس عشرة قطعة، وذلك منذ خمسين سنة، أي أوائل القرن الرابع عشر للهجرة، ثم نقصت هذه القطع بسبب الإصلاحات التي تحدث في إطار الحجر الأسود، فما صغر ورق عجن بالشمع والمسك والعنبر، ووضع أيضا على الحجر الكريم»"(7)


ماتبقى من الحجر الاسود

لا يستطيع احد ان يجزم ان كان ماتبقى من احجار هي بالفعل من الحجر الاسود ذاته. فلقد تعرض الحجر الاسود عبر مراحل التاريخ لعمليات سرقة وتكسير وظروف مناخية من فيضانات وغيرها، واهم هذه السرقات تمت على يد القرامطة سنة 317هـ حيث بقي عندهم لمدة 22 عاما، ولا اعلم كيف كان يحج المسلمون كل هذه الفترة دون حجر اسود. والقصة كما وردت في البداية والنهاية هي كالاتي:

"خرج ركب العراق وأميرهم منصور الديلمي، فوصلوا إلى مكة سالمين وتوافت الركوب هناك من كل مكان وجانب وفج، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام في الشهر الحرام وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقا كثيرا وجلس أميرهم أبوطاهر لعنه الله على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:أنا والله وبالله أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنافكان الناس يفرون منهم فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئا، بل يقتلون وهم كذلك ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف فلما قضى طوافه أخذته السيوف فلما وجب أنشد وهو كذلك:ترى المحبين صرعى في ديارهم كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره، وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم وفي المسجد الحرام ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة وذلك المدفن والمكان، ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصل عليهم لأنهم محرمون شهداء في نفس الأمر وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها عنها وشققها بين أصحابه، وأمر رجلا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتلعه فسقط على أم رأسه فمات إلى النار، فعند ذلك انكف الخبيث عن الميزاب.

ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟؟! أين الحجارة من سجيل؟؟! ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردوه كما سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فإنا لله وإنا إليه راجعون."(8)

وبعد هذا السرد التاريخي ناتي للسؤال الاهم: لماذا يقبّل المسلمون الحجر الاسود ويسجدون عليه؟

حيث "ذكر أبو داود الطيالسي ، وأبو عاصم النبيل ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان ، قال رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال رأيت ابن عباس يقبله ويسجد عليه وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه . ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت . وروى البيهقي عن ابن عباس : أنه قبل الركن اليماني ، ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات وذكر أيضا عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر ."(9)

فهل يريد المسلمون دليلا اكثر من سجود نبيهم على الحجر؟

بعد ان حارب المسلمون الاصنام وكسروها ونهوا عن تقبيل وتقديس الحجر وغيره، يفعلون هم انفسهم ذلك مع نفس الحجر الذي قبله قبلهم مشركو قريش، اليس هذا غريبا؟

المثير للسخرية ان السنة يعيبون على الشيعة سجودهم وتقبيلهم للحجارة المسماة "تربة"، وهم انفسهم يفعلون نفس الشيء مع الحجر الاسود، ولا يعطونا تفسيرا مقنعا لذلك.

بالمناسبة هذه الاستفسارات لم ترد فقط من جانب اشخاص لا يؤمنون بالدين الاسلامي بل جاءت من قبل اكثر الناس تدينا وايمانا حيث جاء على لسان عمر بن الخطاب انه قال "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ‏ ‏ولولا أني رأيت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقبلك ما قبلتك"(10). فهذا عمر بن الخطاب لم يقتنع بتقبيل الحجر الاسود، وهو يقبله فقط لان الرسول قبله، ونستدل من هذه الحادثة ان الرسول نفسه لم يستطع ان يقنع عمر بن الخطاب من جدوى تقبيل الحجر الاسود.

المصادر

 

1) تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي ج3 ص836
2) المصدر السابق
3) الترمذي الجزء الثالث ص226
4) الطبري الجزء الاول ص251
5) تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي ج3 ص835
6) مكالمة تلفونية مع برنامج القاهرة اليوم
7) الشرق الاوسط العدد 9196 مقالة لعمر المضواحي بعنوان (الحجر الأسود فقدته الكعبة 22 عاما في القرن الرابع الهجري: يمين الله في الأرض.. ومن استلمه كأنما بايع النبي محمد عليه السلام)
8) البداية والنهاية لابن كثير الجزء الحادي عشر ص60
9) موقع الاسلام الالكتروني التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية‏
10) صحيح البخاري - الحج - ما ذكر في الحجر الأسود حديث 1494‏




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !