هل يفكر الغرب في اغتيال الرئيس السوري . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 16/8/2012
لا يخفى أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة كسر العظم ، ووصلت إلى نقطة اللاعودة . وفي الواقع إن النظام السوري هو الذي يتحمل مسؤولية إيصال الأمور إلى هذا الحد ، لأن الأوضاع كانت تحت سيطرته ، وكان بإمكانه أن يعالج قضية الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بسيطةً وخجولة وذات سقف منخفض تنادي ببعض الإصلاحات وقليل من الحرية . لكن اللجوء إلى الخيار العسكري العنيف رفع سقفَ الاحتجاجات التي وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام ، ودفع الكثيرين إلى حمل السلاح ، وأوصل البلاد إلى الهاوية ، فصارت سوريا تواجه تحديات حقيقية مثل الحرب الطائفية أو التقسيم .
والمضحك المبكي أن الوضع السوري الراهن قد خرج عن سيطرة النظام والمعارضة معاً ، فأضحت سوريا ساحة للحرب بين قوى إقليمية ودولية . فإيران تدعم النظام السوري بالمال والرجال ، وروسيا تدعمه بالسلاح والغطاء السياسي في المحافل الدولية ، وفي الجهة المقابلة نجد قطر والسعودية تدعمان المعارضة بالمال والسلاح ، وتركيا تدعمها بالدعم اللوجستي ، أمَّا أمريكا وبريطانيا فتدعمانها بأجهزة الاتصال الحديثة . وهكذا صارت " الحرب بالوكالة " هي العنوان الرئيسي للوضع السوري . وبذلك يكون النظام السوري قد شرب من نفس الكأس الذي أذاقه للآخرين . فطالما خاض النظامُ السوري حروبه على أرض لبنان باعتبارها خاصرة ضعيفة ، وجاء الوقتُ كي يخوض الآخرون حروبهم على أرض سوريا . وصارت سوريا اليوم مثل لبنان الأمس .
إن سوريا اليوم باتت مكشوفة للغاية، فهي مسرح لعمليات أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية ، وما سَهَّل هذا الموضوع خروج مناطق شاسعة من قبضة النظام . وكل الدول صارت تدلي بدلوها في القضية السورية ، وبالتالي لا معنى للحديث عن " السيادة السورية " لأن سوريا دولة فاشلة فقدت سيادتها ، وأضاعت هَيْبتها ، وها نحن نجد الدول الكبرى تتحدث باسم سوريا جهاراً نهاراً ، وترسم مستقبلها ، وسوريا آخر من يَعلم .
لقد دخلت الأزمة السورية في مسارات شديدة التعقيد ، بحيث صار من المستحيل على النظام والمعارضة أن يحسما الحرب . فالنظامُ السوري بما يملكه من ترسانة عسكرية هائلة قد فشل طيلة سنة ونصف تقريباً أن يخمد الثورة، وقد عجز عن إخماد المعارضة عندما كانت ضعيفة ، فكيف سيخمدها الآن وقد اشتد عودها ، وصارت تسيطر على مساحات واسعة وتحقق العديد من المكتسبات على أرض الواقع ؟ . وعلى الرغم من ازدياد قوة المعارضة فهي لا تقدر على هزيمة الجيش النظامي بشكل تام ، وذلك لاختلال موازين القوة العسكرية بشكل واضح . ويكفي أن نعرف أن الدفاعات الجوية السورية أقوى من دفاعات باكستان ، وهي دولة نووية .
وهذه الحالة المعقَّدة ستفتح الباب واسعاً أمام العمل المخابراتي الذي سيكون بيضة القبَّان لترجيح كفة المعارضة على النظام . وآثار العمل المخابراتي واضحة ، ويمكن رؤيتها بالعين المجردة . وقد تجلَّت في اغتيال أعضاء " خلية الأزمة " الذين يُعتبرون العقل الأمني للنظام السوري . فهذه العملية الدقيقة أكبر من قدرات المعارضة بكل أطيافها ، وهي تحمل بصمات أجهزة مخابرات غربية. فالتكنولوجيا المتفوقة التي تم استخدامها في عملية الاغتيال أكبر من قدرات الجيش الحر . وقد تكون أكبر من قدرات أجهزة المخابرات العربية أيضاً . وهذا لا يمنع من وجود تنسيق مع عناصر سورية قريبة من دائرة صنع القرار .
كما أن حالات انشقاق المسؤولين الكبار تكشف دوراً مخابراتياً هائلاً . فالعميد المنشق مناف طلاس أو رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب لَيْسا شخصَيْن من عامة الشعب ، فهما تحت نظر عَين النظام ، وتحت المراقبة والحراسة المشددة، وما خروجهما بهذا الشكل إلا دليل باهر على أن النظام السوري مخترق من الداخل، وأن العمل المخابراتي يؤتي ثماره .
ولا شك أن عمليات الاغتيال وانشقاق المسؤولين الكبار وتهريبهم إلى الخارج ، تبعث برسائل للنظام السوري بأن يد الثورة السورية طويلة ، وأن الداعمين لها قادرون على الوصول إلى أي مكان في الوقت الذي يريدونه ، وأن لا أحد في مأمن بما فيهم رأس النظام الحاكم . وفي واقع الأمر ، إن القادر على الوصول إلى خلية الأزمة ( داود راجحة ، آصف شوكت ، حسن تركماني ، ... ) قادر على الوصول إلى بشار الأسد أو شقيقه أو غيرهما من صُنَّاع القرار .
والمرحلةُ القادمة في سوريا سوف تكون مخابراتية بامتياز ، تعتمد _ بالأساس _ على وجود منشقين ما زالوا على رأس عملهم، أي أن قلوبهم مع الثورة وألسنتهم مع النظام. وهؤلاء أخطر أنواع المنشقين ، لأنهم يُضعفون النظام من الداخل فيتآكل ويضمحل . وكما قيل : مِن مَأمنه يُؤتى الحَذِر . فالنظامُ السوري البوليسي الذي يعتمد على الولاء الأعمى لا الكفاءة سوف يُنخَر من الداخل ، وسوف تأتيه الضرباتُ من بعض العناصر التي يثق بها ثقة مُطْلقة .
إن الغرب يدرك أن الصراع في سوريا قد يدوم لسنوات عديدة ، مما يؤثر سلباً على بُنية سوريا التحتية والفوقية ، ويُسبِّب أزماتٍ كارثية لدول الجوار . وقد تشتعل المنطقة برمتها ، وتدخل في حروب إقليمية ذات طابع عِرقي أو مذهبي ، مما يهدِّد مصالح الغرب نفسه . والغربُ ليس لديه وقت ليُضيِّعه في انتظار تنحي الرئيس السوري المتشبث بالكرسي بأظافره وأسنانه دفاعاً عن مصلحته الشخصية ومصالح طائفته . لذلك فإن التخلص من الرئيس السوري سوف يكون شعارَ المرحلة المقبلة في دوائر المخابرات الغربية ، خصوصاً الأمريكية . فالمخابراتُ الأمريكية دَخلت على خط الأزمة السورية بقوة بعد أن قام الرئيس الأمريكي أوباما بتوقيع قرار يسمح لها بتقديم الدعم اللوجستي ، وتوفير معدات الاتصال الحديثة للمعارضة . وما خُفِيَ أعظم .
ومن الواضح أن الرئيس السوري يشعر بالخطر الذي يقترب منه خصوصاً بعد اغتيال " خلية الأزمة " ( الحلقة الضيقة المحيطة به ) ، لذا صار ظهوره نادراً ، ويُغيِّر مكان إقامته باستمرار . وهذا ساهم في انتشار أخبار هروبه إلى اللاذقية ، أو لجوء زوجته إلى موسكو .
إن النظام السوري المتآكل أضاع فرصاً ذهبية عديدة لإنقاذ نفسه والشعب والوطن . لكن الجاهل عدو نفسه . وقد اتسع الفتق على الراتق ، وخرجت الأمور عن السيطرة ، وإن مستقبل سوريا ضبابي للغاية بغض النظر عن الجهة التي ستصل إلى سُدَّة الحُكم .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)