مواضيع اليوم

هل يفرّق الأكراد من جمعتهم داعش؟

إبراهيم قعدوني

2016-03-27 08:15:39

0

في الوقت الذي تركّز فيه تركيا -العضو البارز في حلف الناتو و في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ تنظيم داعش- هجماتها على "قوات سوريا الديمقراطية"/قَسْد، التي يشكّل مقاتلو قوّات حماية الشعب الكردي Y.P.Gعمادها الأساسيّ، يدير حلفاء أنقرة ظهورهم لمعركتها مؤثرين التفرّغ لمعركتهم مع تنظيم داعش، تلك المعركة التي تمتد على طول قرابة 100كم من الحدود السورية التركية! فيما يبدو أنّه خلاف شديد الوضوح على الأولويات بين الحلفاء.

فبالنسبة للتحالف الدولي الذي تتزعّمه الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، وكما أظهرت المعارك الأخيرة- يُعتَبَرُ الأكراد أحد أبرز الحلفاء على الأرض وأكثرهم حماساً في مواجهة التنظيم المتطرّف،بينما فَشِل أو أُفشِلَ مشروع تدريب وتسليح قوات المعارضة السورية "المعتدلة" وتعززت المخاوف الغربية بشأن سيطرة التنظيمات الإسلامية المتطرفة على أي مقدَّرات يتم تخصيصها لتلك القوات، مما يجعل الحليف الكردي يبدو أكثرَ فاعليّة بالنسبة للتحالف خصوصاً وأن التنظيمات الكردية أفلتت من لوائح واشنطن للتنظيمات المتطرفة، ناهيكَ عن أنّ دوائر القرار الغربي تشيد بقوّات يشكّل العنصر النسائي قرابة 20% من قوامها وقد حقّقت نجاحات بارزة في مواجهة تنظيمات متطرفة يراها الغرب-خلافاً لرؤية الحليف التركي- مصدرَ قلق أساسي، ولعلّ أبرز نجاح يستند إليه أصحاب هذه الرؤية في مقاربتهم هو معركة عين العرب-كوباني التي تعتبر الإنجاز اليتيم للضربات الجوية للتحالف .

على الجانب الآخر ازدادت حدّة الخطاب التركي الممتعض وغير الرّاضي عن أداء الولايات المتحدة الأمريكية تجاه التطورات الأخيرة في شمال سوريا والتي تمثّلت بتقدّم قوّات "سوريا الديمقراطية" على حساب قوّات المعارضة السورية بالقرب من الحدود التركية، ولم يقتَصر ردّ الفعل التركي على القول، بلْ اقترنَ بالفعل عبرَ هجمات متتالية شنّتها المدفعية التركية في الأسابيع الأخيرة استهدفت من خلالها المواقع التي سيطرَت عليها قوّات "سوريا الديمقراطية" مؤخّراً في ريف حلب الشمالي، كما طالب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية بأن تقرّر من تختار، إمّا تركيا أو "وحدات حماية الشعب الكردي" وذلك عقب التفجير الذي ضَرب أنقرة بتاريخ 17 شباط (فبراير) الجاري والذي أعلن تنظيم كردي يُعرَف بـ"صقور حرية كردستان" مسؤوليته عنه و حمّلت أنقرة مسؤولية الهجوم لقوات حماية الشعب الكردي التي تراها أنقرة مصدر خطر يهدّد أمنها القومي في مسعاها لإقامة إقليم كردي مستقل على الشريط الحدودي السوري-التركي.

تذهب أنقرة أبعد من ذلك في اعتبارها أنّ محاربة تنظيم داعش المتطرّف يجب أن لا تشكّل غطاءً لشرعنة تنظيمات أخرى تراها أنقرة إرهابية أيضاً وأنّها أي -الميليشيات الكردية- وفقاً للرواية التركية تمارس التطهير العرقي في المناطق التي تسيطر عليها، كما أنّها وقبل أي شيء تستغل مشاركتها في القتال ضد التنظيم المتطرّف بهدف الحصول على إقليم مستقل وهذا ما لن تسمح به أنقرة بحسب ما أكّدته مراراً.

وبذلك فإنّ من شأن الهجوم التركي الذي فَرمَلَ قوات "سوريا الديمقراطية" أن يعرّض خطط التحالف نفسه للخطر، ولربما  إلى حرفها عن مساراتها، إذْ أنَّه يراد لتلك القوات أن تشارك في الهجوم البرّي الذي تعتزم قوّات التحالف الدولي شنّه على مدينة الرقّة معقل تنظيم داعش الرئيسي في سوريا، كما أنّ هذا الهجوم وما أثاره من تحفّظات غربية بشأنه يفتح الباب من جديد وبشكل أوسع على تساؤلات حول مدى انسجام أعضاء التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش وبالتالي مدى فعاليته خصوصاً في ظل التباينات الطارئة والشديدة الوضوح التي يعزّزها الغموض الأمريكي فيما يتعلّق بالموقف من الأحداث الأخيرة وفيما يخصّ قوّات حماية الشعب الكردي Y.P.Gإذْ لا يبدو مطلقاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تُلقي بالاً للمخاوف التركية التي يُفهم من التعاطي الأمريكي معها بأنّ واشنطن تنظُر إليها على أنّها مزاعم ليست مضطّرةً للأخذ بها في ظلّ عدم وجود قرائن تجبرها على تغيير موقفها، إذْ لا ترى واشنطن بأنّ عدوّ حليفها هو عدوّها بالضرورة، ما يؤشّر لوجود خلاف لا يستهان به بين رأس هرم التحالف وقاعدته (قاعدةإ إنجلريك) إنْ جاز التعبير، ولعلّنا نحتاج المزيد من الوقت لنرى ما إنْ كان سيتم احتواء هذا الخلاف ضمن سياسة "لا صوت يعلو صوت المعركة" ما يعني أنّ واشنطن ستستمر في صمّ آذانها عن الحنق التركي، بينما تصعّد تركيا من غضبها وتنحو نحو توسيع نطاق عملياتها العسكرية ضد الميليشيات الكردية سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها من المعارضة السورية المسلحة ما يعزّز من انقسام التحالف الذي جمعته محاربة تنظيم داعش.

ومع تنامي قوّة وسيطرة قوات حماية الشعب الكردي في المناطق ذات الغالبية الكردية مثل من عفرين وعين العرب-كوباني وكذلك معظم محافظة الحسكة ضمن ما يعرف بمناطق الإدارة الذاتيّة، هنالك من يرى بأنّ هذه القوّات التي ليست سوى الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني PYD)، باتت تحتكر موقع اللاعب السياسي الكردي الأبرز  وأنّها قد تفتح الطريق إلى إعادة صياغة إعلان «هولير» الصادر بتاريخ 11 يوليو 2012 ، الإعلان الذي جاء نتجية لقاء القوى السياسية الكردية ممثلة بالمجلس الوطني الكردي ومجلس غرب كردستان والذي تم بموجبه الاتفاق على تشكيل الهيئة الكردية العليا لإدارة وتنظيم المناطق الكردية، وتشكيل قوات عسكرية، والتأكيد على إسقاط النظام، وحل القضية القومية الكردية في إطار اللامركزية السياسية، حيث لا يبدو أنّ إسقاط النظام ما زال ضمن قائمة أهداف النشاط السياسي والعسكري الكردي في الوقت الراهن فيما يبدو أنّه يأتي انسجاماً مع التوافقات الروسية-الأمريكية الطارئة، سيّما وأنّ الأكراد وعبر مسيرتهم السياسية الممتدة لعقود في المنطقة، باتوا أكثر حذاراً وأكثر ميلاً لوضع قدم في كلّ معسكر بدلاً من الانخراط الكامل مع أحد القطبين.

تأتي الاستدارة التركية شرقاً نحو طهران والتي تمثّلت بالزيارةِ التي قام بها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو لطهران ليلة الجمعة الفائتة على رأس وفدٍ غلَبت عليه الصفة الاقتصادية، ترجمةً للتناقضات التي بدأت تظهَرُ على السطح بين الحلفاء ضد داعش والتي يبدو أنّ محورها الأبرز يتمثّل بالورقة الكرديّة في اللعبة السورية المتشابكة، لا شكّ بأنّ في جعبة الأيام القادمة الكثير لنعلَم عنه.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !