هل يستطيع الروائي ان "يستقيل" من الرواية؟ هل يمكن للقاص أن "يتهرب" من حميمية القصة؟ وهل يمكن للشاعر أن يجرح قلب قصيدة؟ قبل سنوات طويلة اعتزل الروائي الجزائري "مالك حداد" الكتابة الروائية، لأنه لا يجيد كتابتها باللغة العربية. قدم استقالته بعد الاستقلال من الكتابة بلغة كان يرى فيها نقيضا لأحلامه الجزائرية.. لم يتذكر وقتها أن رواياته التي تركتها باللغة الفرنسية هي الأجمل على الإطلاق، وأنها لم تكن جزائرية فقط، بل وكانت غارقة في تفاصيلنا الجزائرية الأبسط، أو الأكثر جنونا وشعرا وحميمية.. مع ذلك "اعتزل" مالك حداد الكتابة الروائية في أوج عطاءاته، وفي قمة شهرته، ولم يعد إلى الكتابة إلى أن مات ! اعتقدنا أن مالك حداد ظاهرة روائية جزائرية لا تتكرر، إلى أن اكتشفنا أن العديد من الروائيين الجزائريين استطاعوا أن يكتبوا وأبدعوا باللغتين العربية والفرنسية، لكن ظل مالك حداد ظاهرة أدبية جزائرية في مسألة "اعتزاله" عشق الرواية، إلى أن وصلتنا رسالة مفاجئة، وغريبة من روائي جزائري شاب، جاء إلى عالم الرواية الجزائرية مثل الإعصار، حاملا جنونه الجميل، وتلك الثورة المدهشة التي استطاعت أن تكسر رتابة الرواية الجزائرية الراهنة.. لم يكن "سمير قسيمي" روائيا عاديا حتى وهو بعد يخطو في طريق بداياته، لقد ولد روائيا كبيرا، وجميلا، وحارا كرغيف الخبز، لهذا لأنه بعد في بدايته، ولأنه شاب مليء بالرغبة، كانت المفاجأة أن تصلنا رسالة منه، تحمل استقالته من عالم الرواية (ننشر الرسالة كاملة في عددنا الحالي).. حتى لو كانت الرسالة مجرد فكرة تراوده، أو ردا على كل "النكسات" الخاصة التي تعرض إليها، بالخصوص بعد رحيل والدته قبل شهرين ــ نسأل الله لها الرحمة والمغفرة ــ لكننا نستغرب موقفه من الرواية، من الكتابة، من التواجد في عالم ولد لأجل أن يتواجد فيه.. سمير الذي حصد انتصارات جميلة في زمن قياسي، نعي أنه كسب عداوات كثيرة من أولئك الذين يكرهون الإبداع.. أولئك الذين يظنون أنهم محور الكون في العملية الأدبية ولا يقبلون بميلاد روائي ــ أو روائية ــ ويعتبرونه "خطيرا" عليهم، مع أن المساحة التي سمحت بوجودهم سوف تسمح بوجود غيرهم وما أكثر القادمين.. سمير قسيمي الذي لا بد أنه اكتشف وجهه الأدبي، اكتشف في الوقت نفسه وجوه المحيطين به، إذ حين يقدم استقالته الأدبية من الكتابة الروائية، ويقرر التخلي عن ذلك الشيء الأجمل في حياته، ولا بد أنه يفعل شيئا لا يحق له القيام به، لأن الكتابة لم تعد ملكه لوحده، بل صارت أيضا مشتركة بينه وبين القراء الذين أحبوه كاتبا، مثلما أحبوه صحفيا مشاكسا ومشاغبا.. لهذا من المستحيل أن يعتزل ذلك المارد المجنون الذي يسكنه، والذي سوف يطارده مدى الحياة، لأن ظاهرة "مالك حداد" لا تتكرر فعلا، أو على الأقل لا يجب أن تتكرر يا سمير، ولأنه عليك أن تكتب، ليس لأجل الآخرين، بل لأجلك أيضا !
www.thakafamag.com
التعليقات (0)