مواضيع اليوم

هل يصلح الصادق المهدي للرئاسة السودانية؟

مصعب المشرّف

2010-02-06 07:44:15

0


هل يصلح الصادق المهدي لرئاسة الجمهورية؟

 


الصادق المهدي .... 

يطرح تقدم الصادق المهدي لترشيح نفسه رئيسا للجمهورية عدة آراء وتساؤلات حول أفكار هذا السياسي المتمسك بتلابيب الطائفية من جهة ؛ والمتسربل بأقنعة العلمانية والحداثة من جهة أخرى . بالإضافة إلى تاريخه الطويل في مجال الممارسة من موقع المسئولية كرئيس للوزراء تارة ونائب في البرلمان ضمن صفوف المعارضة تارة أخرى .. أو حتى غازيا للعاصمة المثلثة بجنود من المرتزقة برعاية ليبيا لهدف إسقاط حكم جعفر نميري الديكتاتوري.
ومما لاشك فيه أنه ومن جهة الأفكار فقد أشتهر الصادق المهدي بأنه يتحدث كثيرا ولا يفعل شيئا . لاسيما وأنه قد حصل على أكثر من فرصة كرئيس للوزراء في عهدين من عهود الديمقراطية . ولكنه ظل يراوح مكانه دون أن ينجز شيئا للسودان.
ومن بين المفاكهات التي يتداولها الشعب تعبيرا عن ميل الصادق المهدي للكلام والحديث المطول دون كلل أو ملل قولهم : ( أن كل الرجال في عمر الصادق المهدي حين يأتي المساء يقول الواحد منهم لأهله :- عصّـروا لي كرعيني ...... أما الصادق فيقول :- عصّـروا لي خشمي) (1) / (2).


تعلم الصادق المهدي في مدارس الكمبوني الكاثوليكية التبشيرية في السودان !! ثم تلقى دراسته الجامعية في بريطانيا !! وبالتالي فهو لم يترعرع وينمو ذهنيا وأكاديميا وفق ما أتيح لغيره من معظم أبناء جيله وأنداده السودانيين من مواليد عام 1935م وحتى 1950م ، خلال إلتحاقهم بالخلاوي القرآنية ثم المدارس الأكاديمية الحكومية والوطنية تلقوا فيها منذ نعومة أظفارهم ووفق مناهج بخت الرضا تعليما هدف إلى إلصاقهم بواقع بلادهم الجغرافي والتاريخي وكذلك الدين الإسلامي على نهج الوسطية ؛ وبالطبع علوم اللغة العربية.
ولأجل ذلك يلاحظ المتابعون عن كثب لأحاديثه وإفاداته من خلال الندوات والليالي السياسية والمقابلات التلفزيونية وغيرها من أجهزة إعلام ..... يلاحظون أنه غير ملم كثيرا بتاريخ السودان أو التاريخ الإسلامي والعربي . وأن علاقته بجغرافية السودان والبلاد العربية والإسلامية تقتصر على المشاهدات البصرية التي أتيحت له إما خلال تنقلاته في داخل السودان أو أسفاره الخارجية.
وربما لأجل ذلك كنا ولا نزال نرى الصادق المهدي يفطر صباحا على طريقة أفندية منتصف القرن العشرين ، ويتغدى على عادة عبد الله التعايشي ؛ ويقضي عصره في لعب البولو كأنه الأمير تشارلز إبن اليزابيث الثانية .... ثم يتعشى ويسهر ويذهب إلى فراشه فيتغطى وينام ويحلم على طريقة الملكة فكتوريا.
.... وتبقى المشكلة الكأداء لدى الصادق أنه يرغب في أن يكون منظرا ومطبقا في آن واحد ... وإماما روحيا لطائفته وزعيما ورئيسا تنفيذيا لحزب الطائفة السياسي ثم فوق ذلك رئيسا للبلاد برمتها ... وربما لو تحقق له الفوز يوما ما بهذا المنصب لسعى إلى الجمع بينه وبين منصب رئيس الوزراء ووزارتي الخارجية والداخلية ثم وزارة الإعلام وولاية الخرطوم .....
وللأسف فإنه ومنذ نشأة حزب الأمة ؛ نلاحظ أن مساره يتركز حول التوريث العضود لرئاسته ضمن منظومة الأبناء المنحدرين من صلب مؤسسه عبد الرحمن محمد أحمد المهدي .... ولكن الذي نستدركه هنا أن كلا من أئمة الأنصار بعد الخليفة عبد الله التعايشي ... وهم السادة عبد الرحمن و الصديق والهادي .... جميعهم نأوا بأنفسهم عن تقلد المناصب السياسية ، أو لم يتقلدوها على إعتبار أن الهادي كان يسعى قبل إغتياله للرئاسة ..... بل نلاحظ أيضا أن الهادي المهدي (خلال فترة حياته) لم يسعى على نحو منهجي جاد معلن لتوريث الإمامة لأحد أبنائه ، على الرغم من الخلافات المحمومة بينه وبين إبن أخيه غير الشقيق الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي. والتي وصلت إلى حد شق صفوف الأنصار ومنح الفرصة لتجمع من تنظيم ضباط أحرار للقيام بإنقلاب عسكري في 25 مايو 1969م بقيادة العقيد وقتها جعفر نميري ، وما أدى إليه هذا الإنقلاب لاحقا من دمار وخراب وتخلف ومآسي وتردي لحاضر ومستقبل السودان لا زلنا نعاني من تبعاته حتى تاريخه.
ونلاحظ كذلك وبشكل واضح أن البطل القومي السوداني الإمام محمد أحمد المهدي رضي الله عنه (وهو الجد الأكبر للصادق المهدي) لم يسعى لتوريث أحد من أبنائه منصب الإمامة أو القيادة التنفيذية من بعده وإنما إختار لخلافته رفيق دربه الخليفة عبد الله التعايشي متجاوزا بذلك أبنائه وأبرز أشقائه "الخليفة شريف" أحد رفقاء دربه في الكفاح المسلح لتحرير السودان عام 1885م من ربقة الإحتلال التركي المصري.
ولكن منذ أن قبض الصادق المهدي على مقاليد الإمامة في طائفة الأنصار حتى رايناه يجمع في حبله ما بين الإمامة الروحية والقيادة التنفيذية والسياسية الأمر الذي جعل من الإمامة مجالا للراشقين بالنبال ، وهدفا الراجمين بالطوب والحجارة ..... وهي التي كان يجب أن تظل مصونة في خدر قدسيتها بعيدة عن أية مساس ؛ أو بمثل ما كانت عليه في عهود أسلافه عبد الرحمن و الصديق على أقل تقدير.

الصادق المهدي خلال مشاركته في إحدى الفعاليات الإسلامية

من ناحية أخرى فإن إصرار الصادق المهدي على الإمساك بتلابيب القيادة السياسية والتنفيذية المباشرة للحزب إلى جانب موقعه كإمام مقدس ؛ أغلق وقطع الطريق أمام "الغرباء" عن العائلة المهدوية من أتباع الطائفة ؛ وحول حزب الأمة في نهاية المطاف إلى مجرد حزب عائلي نووي ملكي لا يتمتع فيه عامة الأعضاء المنضويين تحت لوائه بأية وعود جدية أن يصبحوا يوما من بين صفوف المقدمة الرفيعة المقام التي تحجز سلفا لأفراد العائلة المهدوية وحدهم بغض النظر عن العمر والخبرة والرغبات والمواهب والطموحات ؛ وهو ما يجعل من البقية الكافة الذين لا يجري في عروقهم "الدم الملكي الأزرق" مجرد أتباع وأعضاء من الدرجة الثانية على أفضل تقدير...... بل وجعل من قادة هؤلاء الأتباع مجرد "كلاب حراسة" وتوجيه خلال المسير في الغدو والرواح لقطيع من الأتباع البؤساء والبسطاء العجاف في مراعي الطائفة التي باتت جدباء.
........
إن عودة سريعة لعهود إمامة عبد الرحمن ومن بعده الصديق عبد الرحمن المهدي ثم الهادي عبد الرحمن المهدي لطائفة الأنصار وحزب الأمة ، سيستشف منها سماح هؤلاء بتصعيد قيادات حقيقية من خارج العائلة المهدوية أمثال اللواء عبد الله خليل ومحمد أحمد محجوب .... وهو ما أتاح الفرصة آنذاك لوضع لبنات وآليات ميكانيزمية ديناميكية راسخة للحزب على أيدي العديد من النخب السياسية السودانية من ذوي الخبرات وأصحاب المواهب ، مكنته في النهاية من تحييد موقف وقناعات "مؤتمر الخريجين" تجاه الطائفية ؛ والوقوف ندا قويا وبناءا متماسكا في مواجهة "الطائفة الختمية" ووليدها الشرعي "حزب الشعب الديمقراطي" الذي كان آنذاك برئاسة القاضي علي عبد الرحمن . وكذلك حليفها السياسي لاحقا "الحزب الوطني الاتحادي" برئاسة إسماعيل الأزهري مجتمعين ... وظلت هذه الندية بقبضتها الفولاذية قائمة حتى بعد إندماج الوطني الإتحادي مع الشعب الديمقراطي تحت مظلة الطائفة الختمية بقيادة آل الميرغني.

الصادق المهدي يستقبل عمرو موسى في مقر "دائرة المهدي" المقر الرسمي لإمامة الأنصار الروحية في العاصمة الخرطوم

ولكن ما أن وصل أمر الحل والعقد في حزب الأمة للصادق المهدي حتى كان التشرذم والتخاصم والتفتت والتشتت ، سواء داخل العائلة المهدوية نفسها أو وسط القيادات الفرعية من عامة السودانيين المنضويين في الحزب . والسبب كان بالطبع إصرار الصادق المهدي على أن يجمع في يده كل المناصب الأساسية وهي الإمامة ورئاسة الحزب ورئاسة الحكومة وحتى رئاسة دائرة المهدي......
إن مثل هكذا قناعات لدى قلة من القادة عبر تاريخ البلدان والشعوب ، تكمن أسبابها في أن هؤلاء القادة يبالغون في تقدير وتقييم قدراتهم الذاتية من جهة ؛ ويبالغون في التقليل من وتحجيم قدرات الآخرين من جهة أخرى . ويعانون بوجه عام من مشكلة عدم الثقة بالآخرين . وإلا فلا حاجة للفرد أن يجمع في يده بكل شيء لأن المحصلة النهائية لكافة مساعيه وبكل تأكيد ستكون لا شي........ وهو ما يخاف منه على تماسك الجمهورية وضمنا كرسي الجمهورية من الصادق المهدي لو إعتلاه وجلس فيه وإتكى على وسائده وتربع فوق عرشه.

/////////////////////////

(1) الكرعين : مثنى "كراع" وهي من اللغة العربية الفصحى القديمة التي صحبت العرب في هجرتهم إلى السودان ثم لازمتهم به . وتستخدم الكراع في اللهجة العامية السودانية كمسمى لـ "الساق والقدم" معاً من جسد الإنسان.... في حين يحتفظ الفخذ بإسمه "فخد" ويطلق عليه في معظم الأحيان مسمى "ورك".
(2) الخشم : يعني "الفـم" في اللهجة السودانية الدارجة...... وحيث يجدر بالذكر أن معظم العرب تطلق مسمى الخشم على "الأنف".




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات