مواضيع اليوم

هل يصلح الاقتصاد ورجال الأعمال ما أفسدته السياسة والسياسيون

إدريس ولد القابلة

2011-04-16 10:29:15

0

هل يصلح الاقتصاد ورجال الأعمال
ما أفسدته السياسة والسياسيون

إدريس ولد القابلة
زيارات وزارية، لقاءات في نطاق لجان رجال أعمال أو اللجان القطاعية، تنظيم تظاهرات مختلفة ... إنها حركية لم تنقطع منذ مدة بين الجارين، المغرب والجزائر، رغم التباعد السياسي وتنافر السياسيين.
لن يختلف اثنان بخصوص تراكم المشاكل ذات طابع سياسي ومذهبي ساهمت في تسميم العلاقات المغربية الجزائرية ، لكن بقدر ما نلاحظ ضبابية إمكانية التقارب السياسي وحلحلة المشاكل المتراكمة في المضمار، بقدر ما نعاين قوّة حضور الوعي بضرورة التفاهم والتقارب في نطاق الاقتصاد والأعمال حتى في أوج التنافر السياسي. وهناك الآن أجندة مملوءة باللقاءات والزيارات عير الرسمية بين البلدين تخص مسؤولين وفاعلين اقتصاديين وازنين، هذا علاوة على برمجة مواعيد لتفعيل الانفتاح الاقتصادي بين الرباط والجزائر العاصمة. فهل هذا يعني أن الجارين على أهبة ولوج مرحلة جديدة في علاقتهما تُهيّئ لغد مختلف؟ هذا في وقت ظلت تتكثف فيه دعوات المغاربة لفنانين ومثقفين جزائريين لحضور مهرجانات موسيقية وثقافية.
وفي تطور شبه مفاجئ وبدون ضجيج أعلنت كل من الديبلوماسية المغربية ونظيرتها الجزائرية ما سمياه استعدادهما لعقد لقاءات مشتركة للحوار والتداول في إمكانية عقد اتفاقيات في العديد من القضايا ذات الصبغة السياسية والتجارية والأمنية ، والنظر في كل الملفات ذات الصلة بمصلحة البلدين كفتح الحدود والتبادل التجاري في أفق التفكير في مصير اتحاد المغرب الكبير بمجرد ما تستقر الأوضاع السياسية فيه. وذهب البعض أبعد في استقراء عناصر إرادة الطرفين في بدء صفحة جديدة في العلاقات.
فهل يمكن للاقتصاد أن يصلح ما أفسدته السياسية؟ إنه سؤال طفى إلى السطح من جديد.
وبعد سنوات من تعثر العلاقات التجارية بين المغرب والجزائر، اتفقت حكومتا البلدين على تبادل الزيارات على المستوى الوزاري. وظل جلالة الملك محمد السادس يرغب في تحقيق علاقات أقوى مع الجزائر في إطار منظور أشمل لاتحاد مغاربي مستقر ومندمج ومزدهر وجدد النداءات الرامية إلى إعادة فتح الحدود مع الجزائر معبرا جلالته عن إرادته لتجاوز المواقف المتقادمة، والمتناقضة مع الروح الانفتاحية للقرن الحادي والعشرين. واستمرجلالته في التأكيد على أن التزام المغرب ببناء اتحاد مغاربي مستقر ومندمج ومزدهر، كما شجّع العمل الإقليمي الموحد والاستراتيجي لتحقيق الأهداف المشتركة للتنمية.
والآن اتضح إنه السبيل الواقعي والبرغماتي لتجميع الشروط المواتية لسيادة مناخ عام يسمح باسترجاع الثقة، لأن ما عجز عن تحقيقه السياسيون يمكن لرجال الأعمال فتح سبل تحقيقه.
فلا طريقة لتبديد السحب الكثيفة بين الرباط والجزائر، في ظل الواقع الحالي، إلا سبيل إصلاح الاقتصادي ما ساهم في إفساده السياسي.
هل يحرك الاقتصاد ورجال الأعمال عجلة التقارب المغاربي العالق؟


إنها مرحلة وضع القطار على السكة...


أعطيت الانطلاقة لعدد من اللقاءات غير الرسمية بين المغرب والجزائر، والثالث منها تم عقد في غضون الأسبوع الماضي، وذلك لدراسة كل الملفات العالقة بين البلدين الجارين بهدف إعادة فتح الحدود وتكريس العلاقات الأخوية والتفكير الجدي في بناء غد مختلف لليوم والبارحة.
وقد سبق لأمينة بنخضرة، وزيرة الطاقة والمعادن، أن قامت في غضون السنة الجارية بزيارة إلى الجزائر وصرّحت أن الجانبين – المغرب والجزائر- تدارسا العديد من المشاريع تهم تقوية التعاون في قطاعي الطاقة والمعادن.و قد أجرت الوزيرة مباحثات تجاوزت حدود اللقاءات التشاورية، إذ كانت بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لحركية التشارك والتعاون الاقتصادي.
ويؤكد محمد حركات، أستاذ الاقتصاد والمالية، أن العلاقات الاقتصادية الجيدة بين بلدين أو مجموعة من البلدان تتحكم فيها العديد من المعطيات السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والتاريخية دون إغفال المصالح المشتركة. ، ويوضح حركات أن ضعف العلاقات الاقتصادية بين المغرب والجزائر ليس مرده التوتر على المستوى الدبلوماسي، فهناك علاقات سياسية ودبلوماسية جيدة بين بعض البلدان العربية، ولكن علاقاتها الاقتصادية ضعيفة جداً، بل إن العلاقات التجارية العربية البينية تعتبر من بين أضعف العلاقات على مستوى مختلف التكتلات الاقتصادية والجغرافية في العالم.
فالكلمة الأولى أصبحت لفائدة العامل الاقتصادي، ولذلك فإن الحيوية والدينامية التي يمكن أن يتمتع بها الفاعلون الاقتصاديون بالمغرب والجزائر، بإمكانها أن تكون عاملاً أساسيا في انطلاق المسلسل الدبلوماسي الذي ظل يتعثر باستمرار بين البلدين الجارين اللذين اقتسما في الماضي الانتصارات والاخفاقات ويجب الآن أن يقتسما رؤية موحدة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. إن الفاعلين الاقتصاديين في البلدين ، يقول حركات يجب أن يشكلوا لوبياً كبيراً وتكتلا للضغط على أصحاب القرار السياسي لتجاوز وضعية التعثر والانطلاق نحو المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في البلدين، فالتعاون المكثف بين المغرب والجزائر سيمكن من إحداث سوق كبيرة في المنطقة تتكون من حوالي 70 مليون مستهلك، وهو ما يمكن من استقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية لتلبية حاجيات هذه السوق في جميع المجالات.

ومحمد الوعدودي، رئيس مجموعة "معاهدة فرنسا - المغرب"، من رجال الأعمال الذين هزموا، الأبواب المقفلة واخترق الجدار الفاصل بين الجزائر و المغرب بفعل تداعيات التراكمات التاريخية والمشاكل السياسية. إنه مدير لشركتين، واحدة بالمغرب وهي "م.س.س" (MCC) والثانية بالجزائر، وهي شركة "سيرا الجزائر". له رؤية بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية من شأنها أن توقف المزيد من ضياع الوقت. إذ يرى محمد الوعدودي أن استرجاع أواصر الثقة بين البلدين قد يتطلب سنوات عديدة، لكن هل وجب الوقوف مكتوفي الأيدي في انتظار الآتي، الذي قد لا يأتي أم وجب القيام بكل ما من شأنه تسهيل كسر السور الحديدي "الخلافي" الحاجز بن البلدين وشعبيهما ومثقفيهما وباحثيهما ورجال الأعمال بهما؟ إن المغرب والجزائر معاً يمكنهما منافسة إفريقيا الجنوبية ويشكلان قطباً للتنمية على الصعيد العالمي، لكن لتحقيق هذا الحلم وجب، أولا وقبل كل شيء، وجب توفير شروط ومناخ المنافسة الاقتصادية بينهما، خصوصاً وأنهما متكاملين في أكثر من مجال والعلاقات البينة في صالحهما معاً، وغياب هذه العلاقات شكلت فرصة ذهبية لغير المغاربيين للاستفادة من خيرات المنطقة ومن نتائج تنميتها.
ويعتقد الكثير من المسؤولين في البلدين أن المصالحة بين المغرب والجزائر ليست فقط قضية عاطفية، وإنما ضرورة سياسية واقتصادية، تفرضها المصالح المتبادلة والتحديات الدولية في المنطقة، وإن غياب التعاون السياسي والتكامل الاقتصادي بينهما يخدم بالدرجة الأولى دول أوروبا، خصوصاً الجنوبية، التي استولت على الأسواق التجارية واستطاعت أن تُسوق لسلعها في غياب المنافسة المغاربية، وأبسط مثال على ذلك أن المغرب وجد صعوبة بالغة في تسويق الطماطم المصبرة في أوروبا بسبب المنافسة، وفي ذات الوقت كانت الجزائر تصرف ملايين الدولارات من العملة الصعبة لاستيراد نفس المادة من تركيا، ونفس المشكلة بالنسبة لزيت الزيتون والفواكه وبعض الصناعات الخفيفة.

لكن ماذا عن إشكالية البوليساريو؟


من المعلوم أن قصر المرادية يرغب في إيجاد مخرج لملف الصحراء دون أن تظهر الجزائر أنها تخلت عن جبهة "بوليساريو"، التي ظلت ترعاها على امتداد عقود، وذلك في نطاق حل يرضي الطرفين.
لا شك أن الأسباب التي كانت وراء هذا الجفاء كثيرة، إلا أن ملف الصحراء هو في مقدمتها، فمنذ ظهور البوليساريو سنة 1975م، ورغبتهم في الاستقلال عن المغرب، ساءت العلاقات بين الجزائر والمغرب. وتعود جذور هذا النزاع إلى أن المغرب ينظر إلى الجزائر على أنها المُحرضة للصحراويين في مطالبتهم بالاستقلال، ودعمهم بالسلاح والعتاد والخبرات العسكرية، وفي نظر المغاربة فإن الجزائر وقفت ضد كل الحلول السياسية، التي اقترحتها المغرب مُصرة على فصل الصحراء عن الوطن الأم وعن عمقها السياسي والحضاري منذ آلاف السنين.

أما الجزائر فكانت – حسب زعم المسؤولين - تنطلق من مواقفها المبدئية في مساندة الحركات التحررية، أينما كانت في العالم، وإن هذه المواقف كانت مسيطرة إبان السبعينات، حين كان المعسكر الاشتراكي، المُهيمن على السلطة في الجزائر، يرى في المملكة المغربية عدوا ايديولوجيا، فقضية الصحراء، إذن، برزت كمعركة من معارك الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية، وإن لم يُفصح أصحابها عن ذلك. ويرى المحلل السياسي فيصل معطاوي من صحيفة الوطن الجزائرية، أن العلاقات المغربية الجزائرية "ما تزال رهينة قضية الصحراء ". وهذا ما تؤكده أيضا تصريحات الرسميين المغاربة من كون "تدخل" الجزائر في نزاع الصحراء يعيق تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين.
والآن وقد تغير المناخ العالمي العام، وشهدت المنطقة تطورات مهمة كما أنها تعرف حاليا حركية مغايرة تماما عن السابق، فقد أضحى من الضروري التفكير في مخرج توافقي يحفظ جم وجه جميع الأطراف في أفق التيسير لمستقبل مغاربي يخدم التنمية ويقرّب بين الشعوب عوض إبعادها. وفي هذا المضمار على الجزائر أن تتحمل عبء من توفير شروط المرور إلى حلحلة المشكل على أرض الواقع، إن على مستوى الدفع بالمفاوضات إلى السير نحو الحل الواقعي القابل للتحقيق والضامن للعيش الكريم، أو على المساهمة المادية والعملية في توفير البنيات الاجتماعية والخدماتية الضرورية لاستقبال قاطني المخيمات بوطنهم الأم. وذلك أن الفترة التاريخية الدقيقة الحالية تفرض على الجزائر أن تصبح جزء من الحل وتساهم فعليا في ترجمته على أرض الواقع، ولا أن تظل جزء من المشكل. هذا هو السبيل الممكن لحفظ دم وجه جميع الأطراف قصد التفرغ لبناء المستقبل المغاربي.
وإذا كان المتتبعون للعلاقات بين البلدين ينظرون بإيجابية للتطورات الحالية، فإن معضلة حل قضية الصحراء المغربية تمثل مصدر التوجس الأساسي من أن تكون عامل إفشال.
إلا أن الظاهر هو وجود تفاهم مغربي جزائري على تجميد تناول هذا الملف، يقوم على توقف الجزائر عن الخطوات المستفزة للمغرب ودعمها المباشر للبوليساريو وخاصة على الصعيد الأممي وفي المقابل يدفع المغرب في اتجاه البحث عن تفاهم مع البوليساريو.
المثير في التقارب الجاري بين البلدين هي حالة التكتم الشديدة التي أحيطت به محطاتهن وربما يعكس هذا وعيا بالدور السلبي لعدد من وسائل الإعلام وبعض لوبيات المصالح الداخلية والأجنبية والمستفيدة من التوتر الحالي.

 

وئام رجال الأعمال الجزائريين والمغاربة


رغم إقفال الحدود، ظلت المحاولات الحثيثة لجملة من رجال الأعمال الجزائريين والمغاربة، نسج علاقات دون أي تخوف من المنافسة. فهناك أكثر من 600 مقاولة مغربية تنشط في الجزائر في مجالات التكنولوجيات الجديدة والتوزيع والاتصالات والمواصلات وصناعة الأدوية وغيرها. ومن أجل تجنب الأبواب المسدود، بفعل استمرار علق الحدود منذ سنوات، تمرّ السلع عبر فرنسا لتأخذ وجهتها من جديد إلى الجزائر؛ في حين كان من الممكن التعامل اقتصادياً كأن لا وجود للمشكل السياسي، والتعاطي مع القضايا السياسية كأن وجود لعلاقات اقتصادية، لأنه، حسب العديد من متتبعي الشأن المغاربي يمكن للاقتصاد الشروع في إصلاح ما أفسدته السياسة.
وقد سبق لوزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي، أن أكد في غضون السنة الجارية، على وجود مبادرة سياسية جديدة بين الجزائر والمغرب تهدف إلى تنشيط العلاقات الثنائية بين البلدين. وقال مدلسي إن الجهود التي تُبذل حاليا من قبل الجزائر والمغرب لخلق جو إيجابي جديد يساهم في تفعيل وتنشيط علاقات التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين البلدين. وأضاف أن الجزائر تعمل على توفير المناخ الملائم في منطقة المغرب العربي. ومن جهة أخرى، كان وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري أعلن أن الرباط على استعداد لاستقبال أعضاء الحكومة الجزائرية كبداية، "خصوصا أن هناك إرادة من طرف الجانبين لتبادل الزيارة على مستوى الحكومتين قريبا" .


التبادل التجاري بين البلدين ... فضاء اقتصادي مغاربي متكامل


لا تكاد قيمة التبادل التجاري بين المغرب والجزائر تتجاوز 2 بالمائة من الواردات وبالكاد 1 بالمائة من الصادرات ، إلا أنه لوحظ أن هذا الواقع الراكد بذأ يتحرك منذ 2010. فبين 2006 و 2009 سجلت واردات المغرب من الجزائر ارتفاعا تجاوزت نسبته 17 بالمائة، إذ قفزت قيمتها من 4,08 مليون إلى 5’63 مليون درهم، علما أن هذه النسبة تجاوزت 18 بالمائة سنة 2010.
ويعتبر إدريس المدغري ، رئيس اللجنة الاقتصادية التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن المغرب والجزائر ربحان معا من التقارب الاقتصادي بينهما. وهذا ما أكدته كذلك زهرة معفيري ، مديرة سياسة المبادلات الخارجية بوزارة التجارة الخارجية، لالقوا إن إمكانات تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين كبيرة جدا، ولبكن لم يتم القبض بعد على الفرص المتاحة إلى حد الآن، وهذا ما تقرّه مختلف الإحصائيات المتوفرة.
إن المغرب مؤهل لاستغلال أكثر من فرصة في نطاق أكثر من قطاع، سيما الصناعات الغذائية والفلاحية والنسيج وصناعة الأدوية والسياحة. كما أن الجزائر يمكنها أن تربح الكثير من التجربة المغربية في المجالات المالية والمصرفية الرائدة على الصعيد الافريقي. في واقع الأمر، الفرص موجودة والإرادة ظلت حاضرة في أوساط رجال الأعمال والفاعلين الاقتصاديين، لكن جملة من الإكراهات التاريخية مازالت تحول دون الانفتاح المرغوب فيه بين البلدين الجارين.

ويرى مراقبون أن التحولات العالمية الجديدة تفرض إقامة فضاء اقتصادي مغاربي متكامل، إذ أن المبادلات التجارية بين دول الاتحاد ظلت ضعيفة ولم تتجاوز نسبتها 4 في المائة من جملة المبادلات مع الخارج.
يذكر أن بلدان المغرب العربي تفقد سنويا حوالي واحد في المائة من ناتجها الداخلي الخام بسبب عدم قيام الاتحاد، فضلا عن كون هذه الوضعية تنعكس سلبا على حجم الاستثمارات الأجنبية وحجم السوق الداخلية والمعاملة الديبلوماسية والتجارية اللامتكافئة مع الجانب الأروبي، إلى جانب ضعف القدرة التفاوضية مع العالم الخارجي.

وقد سبق لمدير صندوق النقد الدولي، "دومينيك ستراوس خان"، أن اقترح حلاً لفك القطيعة بين البلدين الجارين، حيث قال: "يجب، بل من الضروري، التقدم على درب السعي للاندماج الاقتصادي كأن لا وجود لأي مشكل سياسي، وبالمقابل يتم الاستمرار في التعاطي مع القضايا السياسية كأن لا وجود لعلاقات أو إشكالات اقتصادية".

ووجه رجال الأعمال المغاربة والجزائريين خلال السنوات الأخيرة العديد من الرسائل المباشرة والمشفرة إلى أصحاب القرار في البلدين، من أجل توفير الظروف الملائمة لتحقيق التحول النوعي في العلاقات الاقتصادية بين المغرب والجزائر، ومن المفروض أن يستمروا في مطالبهم لتحقيق أهداف أبناء الشعبين من أجل تحقيق التعاون والرخاء والازدهار في المنطقة إن موضوع تنشيط العلاقات التجارية بين الدول المغاربية وخصوصا بين المغرب والجزائر يشكل أحد الانشغالات بالنسبة للاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية.
وهناك ستة إكراهات يجب رفعها ـ حسب صندوق النقد الدولي ـ من أجل تسهيل المبادلات التجارية بين البلدين. وأول هذه الإكراهات دخول البلدين في مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر وتعقد النظام التجاري الذي يؤدي بدوره إلى تعقيد مهمة تدبيره أمام المصالح الجمركية، وهناك ثانيا المستوى المرتفع للرسوم الجمركية والتعقيد المرتبط ببنيات التعريفات.
وعلى هذا الدرب أكد الأمين العام لمجلس الشورى للاتحاد المغاربي، سعيد مقدم، على أن دول المغرب العربي بحاجة إلى سوق مغاربية وكذا منطقة للتجارة المغاربية إلى جانب وجود تكتل اقتصادي قوي مع إعطاء الحرية لتنقل الأشخاص والبضائع...لأننا نبحث عن تكوين مواطنة مغاربية في إطار فضاء مغاربي أوسع".

أما بالنسبة لمجتمع المال، فالموضوع أكثر بساطة؛ حيث أن الحدود المغلقة تضر بالمصالح الاقتصادية. ويقولون إن مسألة الحدود حاسمة لإحياء اتحاد المغرب العربي.
وتقول نزهة الحريشي، مستشارة سابقة للوزير الأول والمديرة العامة حاليا للشركة المغربية لتأمين الصادرات، إن "استمرار إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر يعرقل اندماج السوق المغاربية، وبالتالي يحد من آفاق الاستثمارات الموجهة لهذه السوق... كما لا يجب أن ننسى الدور الذي لعبته المصالح الاقتصادية كقاطرة لاندماج الإتحاد الأوروبي، وكيف كانت مقاومة السياسيين للاندماج الأوروبي تسقط دائما تحت ضغط المصالح الاقتصادية".
وترى الحريشي أن ترابط المصالح الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى تليين المواقف السياسية المتشددة، مشيرة إلى مشاريع الربط الكهربائي بين المغرب والجزائر، وإلى أنبوب الغاز الأوروبي-المغاربي الذي ينقل المحروقات الجزائرية إلى إسبانيا ويمر عبر التراب المغربي... رغم أن الحدود مغلقة بين البلدين ورغم التشنجات السياسية فقد تمكنت هذه المشاريع من رؤية النور لأن ورائها مصالح اقتصادية قوية".
في حين يرى التونسي فيصل خديري، نائب رئيس مجموعة "ماستركارد الدولية" المكلف بإدارة منطقة إفريقيا – المتزوج بجزائرية والمقيم بالدار البيضاء، أن هناك بعض بوادر الأمل. ويعتقد أن تشكيل إتحاد رجال الأعمال المغاربيين قبل سنة تقريبا، بالإضافة إلى الجهود التي يبذلها إتحاد المصارف المغاربية، وغيرهما من المبادرات من شأها التأثير في مجرى الأحداث وأن تفلح في تليين المواقف المتصلبة.
وبالنسبة لخبراء آخرين، فإن المسألة لا تقتصر على العلاقات التجارية والاقتصادية بين المغرب والجزائر. ويعتبر جواد الكردودي، رئيس المركز المغربي للدراسات الدولية، أن تحقيق تقدم ملموس في مسار الإندماج المغاربي يرتبط بحجم التطورات التي تعرفها المنطقة على مستوى الإصلاحات الاقتصادية ومدى ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلدان المغاربية.
أما عبد اللطيف الجواهري محافظ البنك المركزي المغربي، فيرى أن الكلمة الفصل في مسألة الإندماج المغاربي هي الآن بيد السياسيين. ويقول الجواهري "الإتحاد المغاربي يحتضر، هذا هو الواقع الذي نعيشه. وقرار إنقاده في يد السياسيين ويرتبط بوجود إرادة سياسية". وأشار الجواهري إلى أن الأبناك المركزية المغاربية ووزراء المالية للبلدان المغاربية يشتغلون منذ ثلاث سنوات في إطار برنامج للاندماج الجهوي تحت إشراف صندوق النقد الدولي. وأضاف أن الإجتماع المقبل في هذا الإطار والذي سيعقد في طرابلس خلال شهر نوفمبر القادم سوف يخصص لبحث إشكاليات تمويل الشركات الصغرى والمتوسطة في البلدان المغاربية.
ويقول الجواهري "الاندماج المغاربي الذي نطمح إليه هو ببساطة أن نجلس معا ونضع استراتيجية مشتركة من أجل الإستفادة بشكل أفضل من الفرص التي تتيحها العولمة، ومن أجل أن نتقدم للمفاوضات التي نقوم بها مع الإتحاد الأوروبي وغيره من القوى الإقتصادية والجهوية موحدين ومن موقع قوة ولفائدة كل البلدان المغاربية".


فتح الحدود


الدعوة إلى إعادة فتح الحدود البرية ويؤكد عدد من الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والجزائريين أن إعادة فتح الحدود البرية، يشكل أولا حلا عمليا للمشكل المتفاقم المتعلق بظاهرة التهريب والتجارة ، غير المنظمة، التي تلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد المنظم في البلدين، ويشكل ثانيا دخلا مهما لتطوير المبادلات التجارية بين البلدين وتحفيز رجال الاعمال على إنجاز المشاريع الاقتصادية التي تعود بالنفع على المنطقة المغاربية ككل. إن ظاهرة التهريب تشغل حوالي ستة آلاف شخص، ويقدر رقم معاملاتها بحوالي 6 ملايير درهم سنويا أي ما يعادل ثلاث مرات رقم معاملات التجارة الرسمية. إلا أنها تتسبب في فقدان مايزيد عن 32 الف فرصة عمل في القطاع المنظم من جهة المغرب وحده، كما تبرز دراسة لغرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة، ونفس الأمر ينطبق على الجزائر، ولاتنحصر الأضرار في المجال الاقتصادي وفرص العمل، فقد تمتد الى المجال الصحي، ذلك التهريب يسمح بترويج بعض المنتوجات الفاسدة أو الممنوعة كما هو الشأن بالنسبة لبعض الأدوية التي تروج بأسواق وجدة رغم أنها ممنوعة من قبل المنظمة العالمية للصحة. تجاوز مظاهر التوتر، والمرور نحو تعزيز التعاون بين المغرب والجزائر ليس أمراً مستحيلا، يوضح مصطفى حسنين، ولكن لايجب الاطمئنان الى المقولات الجاهزة مثل المصير المشترك أو المصالح المشتركة. بل لابد من العمل الهادئ والصبور، وهو الأمر الذي بدأ يظهر بشكل جلي خلال السنوات الأخيرة. إن وجود مؤسسات عمومية من العيار الثقيل في الأسبوع الجزائري الذي أقيم أخيرا بالمعرض الدولي للدار البيضاء، يعتبر مؤشرا قويا على وجود إرادة سياسية لجعل الاقتصاد قاطكتابرة من أجل تلطيف الأجواء السياسية والدبلوماسية...
شيبة ماء العينين، عضو المكتب السياسي لحزب الاستقلال، صرح لمغاربية "هناك رغبة من جانب الشخصيات السياسية وتطلع من جانب شركائنا الأوروبيين" لتطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب بالنظر إلى الأدوار التي يضطلعان بها في المنطقة.
وأضاف أنه يمكن تحقيق هذا الهدف فقط إذا لعبت الجزائر دورها في مسلسل الأمم المتحدة من أجل وضع حد للتوترات حول مسألة الصحراء الغربية.
قال أستاذ العلوم السياسية فؤاد مدني إن النزاع "يشكل عائقا كبيرا أمام الوحدة في المنطقة المغاربية، والمسؤولون واعون بالأمر".
وأضاف مدني "لم يعد كافيا بالنسبة للمغرب والجزائر تبادل رسائل الأخوة التي تتناوب مع رسائل العداوة إذا كانت هناك إرادة لتوحيد المغرب الكبير ويجب عليهم اتخاذ إجراءات ملموسة. طالما أن مسألة الصحراء الغربية لا تزال عالقة، لن يكون لدى الجزائر أية رغبة في فتح حدودها".
ويرى الكتاني أن على رجال الأعمال والاقتصاد أن "يلتفوا حول المعوقات السياسية وأن يستغلوا كل الثغرات من أجل تحقيق التقدم نحو الإندماج المنشود".
أحد رجال الأعمال ممن تضرروا من إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر محمد قسال، نائب رئيس الإتحاد العام لمقاولات المغرب، وتتمركز أعماله في المنطقة الشرقية للمغرب بالقرب من الحدود مع الجزائر. ويقول "كنت أحقق 60% من رقم معاملاتي عبر التجارة مع الجزائر قبل إغلاق الحدود. بعد ذلك اضطررت إلى البحث عن أسواق أخرى. وتجنبت الإفلاس بصعوبة كبيرة".
وقال لمغاربية إنه في الوقت الحالي "إننا نعمل جنبا إلى جنب مع زملائنا في البلدان المغاربية في إطار الإتحاد المغاربي لرجال الأعمال من أجل تجاوز هذا الوضع غير الطبيعي".
واقترح قسال نقل هذه الفكرة إلى الوطن "في اجتماعنا الأخير اقترحت على زملائي في الجزائر أن ننظم مسيرتين لرجال الأعمال المغاربيين، واحدة تأتي من الجزائر والثانية من المغرب".
وأوضح أن رجال الأعمال هم من "سيخترق الحدود المغلقة بين البلدين".




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات