هل يصح ان نصف الله بالوجود ؟
اذا كان الموجود موجود فهو في حاجة الى الوجود
فإذا كان موجودا فهو لا يخرج عن كونه اما جوهر أو عرض
فإن كان جوهرا فلا بد أن يكون جسما أو لا يكون كذلك، فإن كان جسما فان انقسام ذاته الى ما به وجودها يقتضي وجودا متقدما عليه ، وأن كان ليس جسما فلا يخلو إما أن يكون قائما بالقوة كالنفس، أو قائما بالفعل كالعقل، فأن كان قائما بالقوة فحاجته الى أن يخرج الى الفعل يقتضي ما يتقدم عليه، وان كان قائم بالفعل فلا يخلو اما أن يكون فاعلا في ذاته من غير حاجة الى غير يتم فعله أو فاعلا في غير به يتم فعله وهو في كلا الأمرين ناقص ...
وان كان عرضا وكان وجود وجود العرض مستندا الى غير وجود ما يتقدم عليه من الجوهر فذلك وجوده وهو محال ..
وعلى ذلك فمحال أن يكون الله جوهرا وعرض
فإذا لم يكن جوهرا ولا عرضا فما عساه يكون ؟
ثم هل هو أوجد ذاته في الوجود؟ لن نسأل كيف ؟ ولكن لماذا ؟ سنؤجل الاجابة عن ذلك قليلا ... ولنتابع السؤال .. الوجود هو غيره أي غير الله ، فهو اذن محتاج الى الوجود كي يظهر.. وبما أن الحاجة نقص ولا تصح في الذات المطلقة .. لكن ذلك ليس مهما .. بما أن الوجود ممكن .. أي ممكن لأنه واقع فالله كيف دخل فيه كخالق له أو موجد له فلا نستطيع أن نصف الله بالوجود ...
ذلك أن الوجود هو ايضا إما جوهر أو عرض .. والجوهر أما جسم او غير جسم ولا يجوز أن يكون الله جسما مؤلف من أجزاء وألأجزاء سابقة على الكل فيكون الله لو كان جسما محتاجا الى أجزاء تكون أسبق منه وهذا محال... كما هو محال أن يكون جسما لأن ما هو جسم قائم بالقوة أو قائم بالفعل وما هو قائم بالفعل أو القوة يحتاج الى ما يخرجه الى الفعل أو القوة ويكون متقدما عليه
لو كان الله موجود إما أن يكون هو الذي أوجد هذا الوجود ذاته الذي به ظهر أو يكون غيره الذي أوجده والثاني باطل اذ هو علة العلل ولم يوجد عن علة والأول باطل اذ يقتضي أنه لم يكن موجودا ثم صار موجودا أي أنه استحال من كذا الى كذا وباطل أن يستحيل الله
لهذا يستحيل وصف الله بأنه موجود ..
كذلك كافة الصفات فلا يصح أن نصف الله بأنه خالق أو قادر أو عالم أو متكلم لأن الصفات تتبع الجوهر إما في الاجسام أو في الفعل
ولأنه ليس جسما فليس له حد وليس له زمان أو مكان
أما الحركة والسكون فهي صفات الموجودات التي تحركت مذ كانت ولا يصح أن توصف بالسكون
كما أن الله متعالي عن أن تكون له صورة ومتعالى عن أن يكون مادة أو ما يجري مجراها ومتعالي عن أن يكون مزيجا من كليهما أي من المادة والصورة فتكون ذاته منقسمة بين المادة والصورة اذ كل منهما محتاج الى الآخر فلمادة لا يمكن أن توجد بغير صورة والصورة متقدمة لكن الصورة لا يمكن أن تكون صورة إلا بتجسدها في المادة ..
اذن الله ....
ليس ذاتا ولا مادة ولا صورة فهو ليس وجودا على الحقيقة ولأنه ليس وجودا على الحقيقة فهو يتعالى عن كونه موجودا في الوجود ... لا بد من نفي الصفات عن الله اذا اردنا تنزيهه .... ما رايك ؟ كيف ننزه الله عن كونه موجودا أو يتصف بالوجود .. وذا اتصف الله بعدم الوجود فمقابل الوجود العدم أليس كذلك ؟
ما أود قوله أن أن إمكان وصف الله بالوجود يعني أن الله ذاتا وأن هذه الذات اتصفت بالوجود كما اتصفت بصفات الارادة والعلم والقدرة .. الخ .. والوجود صفة تخارج اذ ثمة شيئ يسمى وجودا في مقابل الذات التي استقرت في هذا الوجود
هل اذا ا اطلقنا العبارة الله موجود نطلقها لاننا مضطرون الى ذلك .. اذ لا يوجد في لغات العالم ما يمكن التعبير عنه بغير ذلك ... وكيف تعبر اللغة بلفظها وحرفها عما هو فوق الوجود وكأن للحروف القدرة على تحديد الهوية .... هل تلك ذروة العزة فلا تهتدي العقول الى تناولها بصفة .... كما يقول الباطنيون ..
وجود الوجود لم يتم بالفيض الأفلاطوني .. ذلك أن من شأن الفيض أن يكون من جنس ما فاض عنه أي أن يكون كذات الفيض التي عنها فاض وهذا الوجود متعين بصورة ومادة وهي متعينة بدورها بحدود وبحركة وهذا ينافي جنس ما فاضت عنه
ونظرية الفيض التي قال بها الفارابي وأخوان الصفا وكافة الحركات الباطنية بلغت أوجها مع أوجنت كوست التي نقلها كاملة وراحت تسيطير على التصور المسيحي في العصور الوسطى ثم امتدت من هناك لتطغى على الفلسفة الغربية ختى بدايات عصر النهضة ثم امتدت مع المثالية الى أوقات متأخرة جدا ....
تقول فلسفة الفيض أن الله كان تام الوجود كامل الفضائل عالما بالكائنات قبل كونها قادرا على ايجادها متى شاء مريدا لها .. ولم يكن من الحكمة ان يحبس تلك الفضائل في ذاته فلا يجود بها فهو أفاض اذن الكون جودا منه كما يفيض من الشمس النور و هذا الفيض منه دائما متواترا لا ينقطع ...
فيسمى أول ذلك الفيض العقل الفعال وهو جوهر بسيط روحاني نور محض في غاية الكمال وفيه صور جميع الأشياء كما تكون
ثم فاض من هذا العقل عقل آخر دونه في الرتبة هو العقل المنفعل وهي النفس الكلية وهي جوهر روحاني بسيط هذه النفس تقبل الصور والأفعال من العقل الفعّال على الترتيب ثم فاض من هذه النفس الهيولى الأولى وهي جوهر بسيط ثم قبلت أول صورة من الهيولى الطول والعرض والعمق فكانت بذلك جسما .. الخ
على كل العقل الاول لا يعقل ما هو خارج عنه والسبب أنه متعالي لأنه يتعالى عن الإدراك ويتعالى عن احاطة العقل والعلم به فكيف نقول بنظرية الفيض . لكن تظل نظرية الفيض هي اقرب الى حل الإشكال من النظرية المادية ..التي تقول بأن الكون ازلي .. كيف وجد هذا الكون من العدم لا اجابه .اطلاقا ...
الله الذي حرك المتحرك وهو علة الموجودات لكنه لا يوصف بالوجود التي هي صفة من صفات الموجودات وهوغير متحرك فلما اوجد العلل جعل من خاصيتها الحركة طبعا قانون الحركة هذا هو واحد من أدلة أرسطو الشهيرة التي أخذ بها الفارابي وابن سينا ومن قبلهما المعتزلة ...
لكن هؤلاء جعلو الحركة هي بمثابة العشق أي أن المادة عشقت الحركة بدون تأثير من المحرك أو ارادة منه .. لأن في القول في الإرادة سيوقعنا في مشاكل كثيرة ..
والجسم كونه جسم لا يخلو من حوادث تقدمته وكونه حادث فهو متحرك حركة لا من سكون بل حركة من امتثال السكون وهو الأصح لأنه لو قلنا أنها حركة من سكون لقفز السؤال عمن دفع الجسم الساكن الى الحركة.. .. وبما أن الجسم لا يخلو من الحوادث ولا ينفك عنها يكون محدثا مثلها ( بأن يكون قد حدث به حادث قبله حادث وقبل هذا الحادث حادث الى ما لانهاية .. وكونه سيحدث يتولد عن الحادث حادث الى ما نهاية ) .. وكذا فإن نظرية الأنفجار العظيم هي هروب الى الأمام وتسقط سقوطا ذريعا في التحليل الفلسفي العميق .. وهي على أية حال نظرية تصورية لا يقوم عليها دليل ولقد ظهرت الآن نظريات متعددة تتضاد معها كنظرية المجالات المتوازية وهي تلك النظرية التي راح يرهص بها العّلاف 226 هـ بشكل بدائي عندما صاغ مقولة ( المنفرد بذاته ) أي أن الله أوجد هذا الشيء المنفرد بذاته والذي لا يمكن أن يتجزأ و كونه لا يمكن أن يتجزأء أوجد فيما يقابله ما يمكن له أن يتجزأ فحدث هناك مجاليين هما مجال العدم والوجود . هذين المجالين راحا يتداخلان فأنبثق الوجود المادي من تداخلهما ثم تحدث عن مفهوم العدم وقال إن العدم موازي .. ومساوق للوجود المنفرد بذاته وأن الوجود المادي بتخلله العدم وهو الذي أدي الى تحريكه بغير ارادة من الله وهكذا تعود فيزياء الكون في بدايات هذا القرن الى نظرية هذا الفيلسوف العملاق الذي اعتبر كلامه حتى من اتباعه من المعتزله هذيانا ما بعده هذيان ...
في النظرة السابقة يتحول الحادث والمحدث الى وحدة واحدة لا انفصام بينها ومن هذه الحركة ينشأ الزمان فالزمان تابع ومساوق الحادث وليس علة له ولا غاية فيه والزمن تجريد ذهني أي أن الحركة هي التي تحدد مفهوم الزمن اذا لولا الحركة لما فهمنا الزمن . طيب اذا كانت الحركة انتقال المتحرك من مكان الى مكان هو الذي يحدد معناه في الذهن هذا يصدق على العالم الأرضي او على حد ما يقوله انشتاين: الناظر الى المتحرك مع وجود مرجع ثابت .. لكن اذا كان الكون بما هو حادث ومتحرك فما هو المرجع الثابت الذي يمكن أن نحدد بموجبه حركة الكون اي ألى أي شيئ يمكن أن يقاس .. لا نريد أن ندخل في اشكاليات الفزياء هنا ولكن كافة نظريات الفيزيا الخاصة بهذه المسألة تتهاوى تماما .. لأن الزمن هو في النهاية تجردي .. هل يمكن مثلا قياس حركة الآكترون في اللحظة التي يمكن فيها تحديد مكانه .. ل لو استطاع العلم ذلك لستطاع أن يحد مفهوم للزمن وفق التجريد المادي الصرف ...
ليس هذا موضوعنا فذلك بحث يطول شرحه ..
لو كان العالم محدث لاحتاج الى محدث له فاعل والفاعل فاعل في الوجود ... والوجود حالة فعل اي تمظهر ما فالفاعل كونه فاعلا حال فيه بالمعنى ولأن المعنى لا يتناهى فهو اقرب الى عدم التحديد ... هذا فضلا عن غرض المحدث لما أحدث اي ما غرض الله من إيجاد العالم وما هي الحكمة .. هل هي لأن ينتفع به غيره لا ندري سببا لذلك ثم لو كان العالم محدثا لاستحال وجوده فيما لا يزل .. فيجب أن يكون لاستحالته وجه ثم لا يخلو إما أن يكون راجع لمقدور أو راجع لقادر ولما قلنا أن الصفات ومنها القادر لا تصح عقلا على الله اذن فالعالم قديم لا يزال ....
ثم لو كان العالم محدثا لوجب أن يكون الله غير عالم بوجوده فيما لم يزل ثم صار عالما بوجوده بعد أن لم يكن عالما وهذا يوجب أن يكون قد تغير من حالة لا علم الى حالة العلم .. كحالة العلم بالعدم ثم حالة العلم بالوجود ....
التعليقات (0)