مواضيع اليوم

هل يستطيع الانسان أن يتقمص دور الخالق؟.

محمد مغوتي

2010-05-22 12:28:13

0

    في انجاز طبي وعلمي غير مسبوق، نجح علماء أمريكيون في تطوير أول خلية حية تتكاثر ذاتيا في المختبر. وقد عمل الفريق العلمي الذي يقوده " كريغ فنتر " على أخذ موروثات بكتيريا سريعة التكاثر مكونة من مليون جين، وتفكيكها، واضافة مكونات جديدة اليها في مشروع ضخم بدأ منذ سنة 1995. وبعد بناء المنظومة الجينية الجديدة، جرى تثبيت مكوناتها باستخدام مادة مستخلصة من الخميرة. وتم زرعها في خلية بكتيريا أفرغت من جيناتها الأصلية. وقد تقبلت الخلية الجينات الجديدة وبدأت في التكاثر الطبيعي.
يقول " فنتر " متحدثا عن الاعجاز العلمي الكبير: " هذه الخلايا حية، لكن الفارق الوحيد بينها وبين غيرها من الخلايا هو أنها لا تمتلك تاريخيا طبيعيا. فالكمبيوتر هو والدها ". هكذا اذن اقتحم العقل الانساني مجالا ظل على الدوام سرا غيبيا يصعب فهمه وتفسيره. فالخلق لغز حير العلماء والمتخصصين، لكن العقل العلمي لا يجنح للاستسلام، فقد ظلت محاولات فك شيفرة الخلية الحية مستمرة دائما، وتراكمت الدراسات في هذا الباب لتنتهي بنصر طبي كبير سيشكل لا محالة نقطة البداية في مرحلة علمية جديدة.
     كثيرة هي الأسئلة التي يثيرها هذا الفتح العلمي الجديد. لكن سؤال الخلق يأتي لا محالة على رأس تلك الأسئلة جميعها. و قدرة الانسان على خلق الحياة في الخلية هو مقدمة لتغيير ثوابت هي في وجداننا الجماعي خصائص الاهية لا يمكن للانسان أن يبلغ مداركها. فالخالق الواحد في عرف جميع الديانات هو الله الذي ليس كمثله شيء. ومن هنا تأتي خطورة الانجاز العلمي المذكور. وقد بادر " الفاتيكان " في أول فعل يصدر عن احدى المرجعيات الدينية الى الثناء على هذا الانجاز معتبرا أنه يشير الى " قوة عقل الانسان هبة الخالق. ". غير أن الوقت يبدو مبكرا للحكم على مستقبل الفهم الديني لمسألة الخلق في ضوء ماقد يصل اليه البحث العلمي في هذا الصدد. لكن مسيرة الألف ميل تبدأ دائما بخطوة. وهذه خطوة لتكسير كثير من الطابوهات التي تحول دون مزيد من الانجازات العلمية من طرف الكائن البشري. ولا بد أن الايمان الديني أصبح في محك حقيقي أمام مستقبل العلم. وحتى الآن تبدو آفاق هذا الانجاز مبشرة وواعدة، فالنتائج سيتم استثمارها في مجالات مختلفة طبية وبيئية على الخصوص. لكن التخوف يظل واردا أيضا، ففي ظل صراع الثقافات و سباق التسلح، يمكن لهذا السبق العلمي المهم أن يكون وسيلة لتدمير الحياة وليس لخلقها. وهذا ما دعا الرئيس الأمريكي " باراك أوباما " في أول رد فعل سياسي رسمي الى استشارة مساعديه المتخصصين في المخاطر المحتملة في حالة استثمار هذه النتائج في أعمال ارهابية وصناعة أسلحة بيولوجية مدمرة للحياة.
     لقد بدأ الانسان اقلاعه نحو حضارة العقل بفكرة فلسفية أطلقها ديكارت حينما قال: " علينا أن نكون وسادة ومالكي الطبيعة "، واليوم تبدو نبوءة ديكارت حقيقة ساطعة لا يمكن انكارها. ولا نعرف حدودها. 
                                         محمد مغوتي.22/05/2010.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !