رغم مبدأ شخصية الجريمة و العقوبة الذي جاءت به النصوص الدينية، و نصت عليه القوانين الوضعية، و سار عليه التعامل، فإن كمية الجرائم المهولة التي إرتكبها حافظ الأسد، خلال سنين تسلطه على رقاب السوريين، تكفي لوحدها سبباً لجعل بشار الأسد، الذي رضع و شرب حتى إرتوى من دماء ضحايا تلك الجرائم، ليس غير متمتعاً بالشرعية وفق أدنى المعايير، بل سبباً كافياً يجعله ينزوي و يتخفى من العار الذي يتلبسه منذ الولادة و حتى الأزل، فما باله اليوم يتصدر المشهد، غيرُ خجلٍ من إرث العار، لا بل يلقي علينا المحاضرات في العفـة، و يسن التشريعات، و ينكت و يضحك، و كأن شيئاً لم يكن.
ليكن، لنقلب صفحة الماضي، و ليكن كلُ فردٍ مسؤولاً عن أفعاله، و هنا يتساءل المرء، ترى ماذا بقي من فظائع و أهوال لم يقم بها بشار الأسد نفسه بها، منذ أن دشن مراقته السياسية المزمنة بإرتكاب جريمة إلغاء الدستور الورقي، الذي لم يكن سوى (وثيقة حصر إرث) للرُكام السوري، بإعتبارها من بقايا مُخلفات الوالد، إستولى بموجب تلك الوثيقة على ما يسمى تجاوزاً بالدولة، فثبتها وقفـاً لآل الأسد، و سبيلاً جارياً على أرواح السوريين يوزعها على أبواقه، و يتفنن فيها حتى اليوم بالجرائم التي تدهش العالم؟ ما الذي بقي من وسائل تشويه و تعذيب و قتل تنتمي للعالم السفلي، و لم يجربها بعد على أجساد السوريين و أرواحهم، ليرضي بذلك ساديته و عُقده النفسية، ما الذي بقي في جعبته من حيل و أكاذيب و أساطير لم يقرأها على مسامع العالم بعد؟ حتى صُح القول أن من خلف ما مات، و لكن أمات و أمات حتى إنتصر على من سبقه، حتى غدت أعمال السلف نقطة في بحر دماء الخلف.
حقاً أن مسألة إنعدام الشعور الأسدي ظاهرة جديرة بالدراسة، فعلى ماذا يراهن الآن بشار و من وراءه أو أمامه عائلته و زبانيته؟ هل يراهن على قدرته على قتل كل السوريين، و القيام بعد ذلك بإستيراد شعبٍ آخر تتبرع له به إيران، أو يشتريه بالأموال المنهوبة من أي مكانٍ آخر، أم يراهن على إستنساخ شعبٍ آخر على شاكلته من خلاياه الجذعية، أم يراهن على إيقاف الزمن و توجيه مساره نحو الخلف، بحيث أن كل يوم يمر يعود معه الضحايا إلى الحياة، و يعود هو كما كان ممانعاً مقاوماً.
إن قراءة مبسطة للوقائع تدل بوضوح على أن النظام و روايته قد أفلسا تماماً، و أصبح كالجثة المتعفنة، التي يجب الإسراع بدفنها. لكن رغم ذلك لا يزال البعض يصر على منح هذه الجيفة مكافأة نهاية الخدمة، من خلال دعوته للتنحي، و منحه ممراً آمناً يستعمله للذهاب إلى حيث يشاء، و منحه حصانةً تحول دون مساءلته عن الجرائم التي إرتكبها و الأموال التي قام بتبذيرها، أو التي سيأخذها معه، بل تمكينه من مد الحصانة لتشمل من يشاء و ما يشاء من الأموال، من خلال إعفاءه و إياهم من الضرائب التي ترتبت على أفعالهم، ليتمكن بعد ذلك من مقره الجديد من تشكيل قاعدة إنطلاق للإجهاز على التجربة التي ستقوم بعد سقوطه.
الغريب أنه كلما أوغل النظام في جرائمه، و برهن على وحشية أكبر، كلما إزداد إصرار البعض على تأمين مخرج آمن له، بداعي تخليص البقية الباقية من السوريين من شره، أما من سقط من شهداء و جرحى، و ما أصاب السوريين من خسائر، فكأنها كانت قدراً لا راد له، و عفى الله عما سلف.
لقد طرحت المعارضة السورية و لا تزال، منذ مؤتمرها الأول في انطاليا التركية بتنحي بشار الأسد عن الحكم، كأحد الحلول للأزمة التي يعاني منها النظام السوري بعد إنطلاقة الثورة السورية، و ذلك من خلال سيناريو شاعري يعرف الجميع أن النظام لن يقبل به، و لن يرضى به الشعب السوري كذلك، خاصةً بعد السقوط المتتالي للأقنعة عن قبائح النظام.
لا يستحق النظام السوري خروجاً آمناً من السلطة، لأنه قبل كل شئ لا يرغب بمغادرتها إلا في حالة واحدة، و هي أن يجبر على ذلك بالقوة، من خلال إنهاءه أو دفعه للفرار للنجاة بجلده، و هو بذلك لا يستحق التكريم، لأن خروجه لن يكون حسنة ستحسب له، و يمنن بها السوريين، التكريم الوحيد الذي يستحقه هو معاملته كالبشر من خلال جلبه أمام العدالة، و هو ما حرم منه السوريين طويلاً.
التعليقات (0)