الكذب من العادات السيئة المكروهة. والكذب هو عكس الصدق، اي تعمد الانسان الادعاء بعكس ما هو حقيقي او واقع. وقد يكذب الانسان لاسباب كثيرة ومنها:
ـ حماية النفس او الاخرين من عقوبة او اجراء معين.
ـ اضفاء نوع من الاهمية ـ غير الواقعية ـ على النفس.
ـ الكذب على العقل باختراع اشياء غير موجودة ليبرر ظواهر طبيعية معينة لايستطاع فهمها.
ـ الانتقام بالادعاء على الاخرين باشياء لم تحصل لغرض التحريض.
ـ لغرض التسلية بان يخترع الانسان قصصا واساطير غير موجودة اصلا كما يحدث في قصص الاطفال الخيالية.
ـ لاخفاء حقيقة معينة لا يراد لها ان تعرف لخطورتها فيما لو عرفت في وقتها (كان يكذب الاهل على الطفل في مسائل الجنس وغيرها)
ـ عدم الاحراج مع شخص نحترمه فيما لو طلب منا شيء معين ونتحجج له باشياء غير حقيقية.
ـ خداع الاخرين لمصالح شخصية او غير شخصية، وذلك باستغلال ثقتهم بنا وعدم شكهم مطلقا.
ـ الكذب الذي يصبح مرضا لا نستطيع التخلص منه، فيكذب الانسان لانه تعود ان يكذب وحتى لو لم يكتسب شيئا ملموسا من كذبه.
ومهما كان من اسباب فالكذب يبقى كذبا، وان تعددت اسبابه، فقد يبرر الناس كذبهم في بعض الاحيان بانه جاء لاهداف سامية ولكنهم يتناسون ان هذه الاهداف كان بامكانهم تحقيقها بوسائل اخرى غير الكذب، ولكنهم عادة ما يختارون هذه الطريقة، لجهلهم باضرارها الخطيرة حاضرا ومستقبلا.
تحاول المجتمعات المتمدنة معالجة الكذب باحدث الطرق التي توصل لها علما الاجتماع والنفس، وتكون البداية بالاطفال، عن طريق توعية الاسر باحدث اساليب التربية اضافة الى ما يتلقاه الاطفال من تربية في المدارس ورياض الاطفال. وتركيز هذه المجتمعات على الاطفال بالذات، ياتي لادراكهم ان اصلاح الاخطاء مستقبلا، قد لا يكون سهلا بل مستحيلا في بعض الاحيان.
اما في مجتمعاتنا غير المتمدنة وغير المتطورة، فهذه الوسائل والنظريات والاساليب، ندرسها لطلبتنا في المعاهد والجامعات، فقط لكي نقول اننا نملك متخصصين نفسيين واجتماعيين، ولسنا اقل تحضرا من بقية الدول التي تدعي التطور، ونترك تربية الاطفال عندنا للاسرة والمجتمع الذي يعتمد في التربية على الدين والتقاليد بشكل اساسي. وهل هناك احسن من وسائل الله في التربية؟
لقد رضعت مجتمعاتنا الدين من افواه ابائهم وصدور امهاتهم، واصبح كل شيء يتعارض مع الدين باطل وضلال، فلا تمر دقيقة واحدة لا نذكر فيها عبارة دينية، فحتى الكلمات التي لا تقدم او تؤخر اصبحنا لا نستغني عنها في كل جملة نقولها حتى داخل نفوسنا. الغرض من بث هذه الثقافة هو ابقاء الانسان يدور في فلك معين لا يستطيع الخروج منه فلا يترك للانسان حتى حرية التفكير ولو للحظات بعيدا عن عبارات الدين.
ومن هذا المنطلق يعالج الكذب عندنا من منظور ديني بحت، فتعريف الكذب عندنا ياخذ شكلا آخر، واخترعنا لانفسنا مصطلحا جيديدا اسمه الكذب الابيض ونعني به الكذب الذي لا يضر، وصراحة لا يوجد كذب غير ضار، وحتى الكذب الابيض سرعان ما يتطور تدريجيا الى رمادي الى ان يصبح اسود قاتما مثل الباذنجان.
الكذب في اليهودية والمسيحية
لقد حرمت اليهودية الكذب تحريما مطلقا فلقد جاء في اللاوين الاصحاح 19 الاية 11 مايلي:((لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا تغدروا احدكم بصاحبه))، وكذلك جاء في الوصية الثامنة من الوصايا العشر لموسى ((يجب أن لا تسرقوا)).
اما المسيحية فهي امتداد طبيعي لليهودية ومعترفة بكل ما جاء فيها، وزيادة على هذا جاء في انجيل متي 19: 18 ((قال له اية الوصايا فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور)) وفي انجيل مرقس 10 : 19 ((انت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب اكرم اباك و امك)) وفي انجيل لوقا 18: 20 ((انت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور اكرم اباك و امك))، وفي رسالة بولس الرسول الى اهل رومية 13: 9 ((لانه لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تشته و ان كانت وصية اخرى هي مجموعة في هذه الكلمة ان تحب قريبك كنفسك)) ونلاحظ هنا ايضا التاكيد على النهي عن الكذب باستخدام اداة النهي لا.
الكذب في الاسلام
برغم ان تركيز الاسلام على ان الكذب صفة مقيتة الا ان تحريمها لم يكن قاطعا واحاطته بعض الضبابية. فلم ترد اية قرآنية واحدة تنهى عن الكذب بصورة عامة كما هو في الحال اليهودية والمسيحية، بينما شددت اكثر من اية على عدم جواز الكذب على الله كما في الاية 21 من سورة الانعام ((ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح الظالمون ))، وواضح ان الكذب هنا على الله او كلامه، وكذلك الاية 28 من سورة غافر ((وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ))، تحمل نفس المعنى فالرجل المؤمن من ال فرعون هنا يقترح بعدم قتل موسى لانه لو صدق ستنالون من صدقه وان كذب فسوف يعاقبه الله لانه افترى على الله الكذب، فالكذب الذي تطرقت له ايات القران كذب على الله، اما باقي انواع الكذب فلم تاتي صيغة ناهية قاطعة كالصيغ التي اتت في سورة الانعام الاية 151 ((قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون )) فصيغة التحريم هنا واضحة للكل بما لا يقبل الشك، في عبارات مثل، لا تشركوا، لا تقتلوا اولادكم من املاق، لا تقربوا الفواحش، لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق.
من جهة اخرى هناك حديث للرسول يجيز فيه الكذب في حالات والحديث متفق عليه وورد في سنن ابي داود (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا قالت : و لم اسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس من الكذب إلا في ثلاث : الإصلاح بين الناس ، و حديث الرجل امرأته ، و حديث المرأة زوجها)، ومن هذا الحديث نلاحظ ان هذه الانواع من الكذب لا تعتبر كذبا!، وليس هناك ذنب على صاحبها، وخذ انت مثلا كم من الاكاذيب نستطيع ادراجها تحت هذا الادراج.
انا لا اريد ان اتحدث هنا عن الكذب الحلال ولا عن الكذب الحرام، لان هذا لا يهمنا في التربية الاجتماعية، وكل ما يهمنا هو ان نربي اطفالنا على خصال جميلة، فكيف لنا هذا، اذا ما اكتشفوا اننا نكذب عليهم؟ وهل يميز الطفل بين انواع الكذب؟ اننا نريد لهذا الجيل ان يكون متميزا لا نريد ان نكرر تجاربنا الخاطئة عليه، ولكن كيف لنا هذا ونحن ما زلنا نراوح في مكاننا دون اي تقدم، لا نريد ان نسمع هذا لانه يكسر ثوابتنا ولا نريد ان نقتنع بهذا لانه سيحيدنا عن ايماننا، ولا نريد ان نصدق هذا لانه محدثة وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فالافضل لنا ان نبقى على قديمنا، لان اي شيء يهون الا النار، فهنيئا لكم جنتكم.
التعليقات (0)