مواضيع اليوم

هل يتعارض الاسلام مع العلمانية

زين الدين الكعبي

2009-03-25 14:26:49

0

 من المواضيع المهمة واللتي تحظى باهتمام كبير من قبل المسلمين عموما والمثقفين منهم بشكل خاص موضوع العلمانية ووجوب تطبيقها في مجتمعاتنا ودولنا الاسلامية من عدمه . وبالرغم من ان الجدل حول هذا الموضوع كان قد بدأ في الدول الاسلامية منذ القرن التاسع عشر الا انه استمر بعد انهيار الدولة العثمانية ومجيء اتاتورك ولا يزال مستمرا الى الان . والسبب في استمرار هذا الجدل هو اعتقاد كثير من المسلمين اليوم بان نجاح الدول المتقدمة في الوصول الى ما وصلت اليه من تقدم علمي واقتصادي وثقافي وتقدم في الصحة والتعليم مرده الى تطبيق التعاليم العلمانية في هذه الدول , على الرغم من ان عدم تطبيق هذه التعاليم في دولة مثل الصين لم يمنع وصولها الى مصاف الدول الاكثر تقدما في العالم ولكن هذا موضوع اخر . 

قد يتراءى للبعض ان العلمانية هي ديمقراطية ونظام مؤسسات وحقوق انسان وفصل سلطات . وهذه الامور لايختلف عاقلان على ضرورة توفرها في اي دولة حديثة . الا ان العلمانية تتطلب ايضا فصل الدين عن الدولة , ولو تطلب الامر اصدار قانون يخالف العقيدة الاسلامية لاي سبب من الاسباب فلا يجب تعطيل اصداره وفقا للتعاليم العلمانية مادامت السلطات التشريعية المنتخبة قد وافقت على اصداره وبلتالي يكون المجتمع اللذي انتخب هذه السلطات هو اللذي وافق على اصدار هذا القانون , وهنا يقع الاشكال اللذي يجعل المسلمين يختلفون على تطبيق العلمانية في المجتمع المسلم حيث سيصبح الاختيار في واقع الحال هنا بين الدين والدنيا , بين القران والقانون الوضعي .

ولتبسيط الامور وعدم الدخول في جدال بيزنطي حول تعريف العلمانية سنستخدم هنا تعريفين لا اعتقد ان احدا لن يوافق عليهما , الا وهما تعريف العلمانية في دائرة المعارف البريطانية وتعريفها في موسوعة الويكيبيديا وسنحاول ان نرى بصورة مبسطة وسريعة هل يمكن ان تكون العلمانية بالمعنى الحرفي للكلمة قابلة للتطبيق في المجتمع الاسلامي مع الحفاض على وصف الاسلامي ام لا ؟ .

تقول دائرة المعارف البريطانية مادة "Secularism": "وهي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى، رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ "Secularism" تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة .

اما تعريف العلمانية في الويكي . فهو فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة , وعدم اجبار الكل على اعتناق وتبني معتقد اودين او تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية , وينطبق نفس الشيء على الكون والاجرام السماوية عندما يفسر بصورة مادية علمية بحتة بعيدا عن الدين لأيجاد تفسير للكون ومكوناته , وان اي سلطات تشريعية وتنفيذية في الدين تتدخل بحياة الفرد مرفوضة تماما فالدين في العلمانية ينتهي تماما عند خروج الفرد من باب المسجد او الكنيسة او المعبد . والعلمانية تشجع المدنية والمواطنة وترفض الدين كمرجع رئيسي لحياة البشر وخصوصا السياسية واللتي يجب ان تكون مبنية على اسس مادية ملموسة وليس ما هو غيبي , كما لا يجب اعطاء ميزة معينة لاي دين في اي دولة ويجب على الدولة العلمانية ان تاخذ موقفا واحدا من جميع الاديان , وان اي احكام وقوانين يجب ان تسن في الدولة العلمانية بعيدا عن تاثير الدين وان يكون اي حكم قضائي مبني على قانون وضعي بعيد عن التشريعات الدينية اللتي تعتبرها المرجعيات الدينية قوانين الهية مطلقة لايجوز التشكيك في صحتها .

وهنا اذا حاولنا معرفة رأي القران والسنة في جميع هذه المواضيع سنجد مايلي .

في موضوع اجبار الناس على اعتناق الاسلام فرأي القرآن واضح ( لا اكراه في الدين ) البقرة 256  .  وفي قوله تعالى ( ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم فيما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) المائدة 48 . ويشرح الفقهاء في التفاسير الاكثر شهرة لدى المسلمين اللذين هم على المذاهب الخمسة واللذين يشكلون 99 بالمئة منهم وساستثني سواهم من المذاهب هنا , ومن هذه التفاسير الجلالين والقرطبي وابن كثير والطبري والطبرسي والميزان فقد اجمع الجميع على تفسيرالاية الاولى بوجوب عدم اكراه احد على اعتناق الاسلام , وان اختلف بعضهم عن الكثرة بامكانية اكراه غير اليهود والنصارى على الاسلام على اساس انهم غير موحدين , ولكن الاكيد ان الاكراه غير موجود في الاسلام بدليل الايتين اعلاه اللتين تعتبران امر الهي صريح بعدم اكراه احد على الاسلام وبدليل وجود النصارى واليهود والبابيين والبهائيين واليزديين والصابئة في الدولة الاسلامية منذ نشأتها وحتى عندما كانت في اوج عظمتها لم يتعرض احد لهؤلاء , والا لما راينا يهوديا او مسيحيا واحدا في الدول الاسلامية الان .

وأما في موضوع تفسير الظواهر الكونية بالعلم المبني على التجارب والاستكشافات العلمية بعيدا عن تفسير الدين فهذا بالظبط هو ماجاء في تفسير الاية ( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) فصلت 53 . بل ان اول اية نزل بها الوحي على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه واله وسلم هي ( اقرأ بسم ربك اللذي خلق ) العلق 1 . اي ان القران ربط معرفة الله والايمان به بمسئلة الاكتشافات العلمية للكون ولجسم الانسان نفسه وليس العكس . فكلما وصلت البشرية لاكتشاف علمي جديد نرى القران يخبرنا عنه قبل 1400 سنة , وهذا هو التحدي اللذي تحدى به الله البشر حين جعل القران اية مستمرة لاخر الدهر لانحتاج بعده الى كتاب اخر , وجعل محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم خاتم الانبياء لا نحتاج بعده الى رسول . وهذا ما يبرر حض المسلمين من قبل رسولهم على طلب العلم بجميع اشكاله في العديد من الاحاديث ومنها ( اطلب العلم ولو كان في الصين ) , وقد كان وصول علماء المسلمين العرب وغير العرب الى اكتشافات علمية في كل فروع العلم وتاليفهم ملايين الكتب اللتي وثقوا فيها ابحاثهم دليلا على التوافق التام بين العلم والدين .

اما في نظام الحكم او ( الحاكمية والامامة ) كما تسمى في علم الفقه فان الاسلام يلتقي ويختلف مع العلمانية . فهو يلتقي مع العلمانية في مسألة الديمقراطية , ودليلنا على ذلك تشاور رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مع اصحابه الاف المرات في جميع معاركه مع الكفار كما تذكر السير , واخذه صلواة الله عليه في كثير من الاحيان برأي الاغلبية كما في حادثة حفر الخندق . ومع انه رسول من الله معصوم من الخطأ ولكنه كان يتعمد مشاركة الجميع بالرأي ليتعلم المسلمين الديمقراطية وليطبق تعاليم القران اللتي تحض على الديمقراطية ( وشاورهم في الأمر ) ال عمران 159 .  ( وامرهم شورى بينهم ) الشورى 38 . وألامر الالهي واضح هنا بان قرارات المسلمين لابد من ان تاخذ بالشورى , وهذا ما استمرت عليه الجمهورية الاسلامية في اختيار رؤسائها (واعني دولة الرسول والخلفاء الراشدين من بعده ) منذ الاجتماع البرلماني الاول في سقيفة بني ساعدة ومجلس الشورى اللذي جاء بعده واستمرت هذه الديمقراطية حتى قيام معاوية ابن ابي سفيان بانقلابه العسكري على رئيس الجمهورية الرابع ( علي بن ابي طالب ) وتأسيسه النظام الملكي الدكتاتوري الاموي ومن بعده العباسي فالعثماني . وقد عملت هذه الممالك جميعا على تثبيت ملكها عن طريق القوة والبطش حينا وعن طريق الرشوة حينا اخر وعن طرق الخديعة احيانا اخرى وبخلق أئمة ووعاظ سلاطين دسوا في الاحاديث ما يخوف الناس من الخروج على الملوك باعتبارهم خلفاء الله في الارض كما لقبوا انفسهم , بينما كان الخلفاء الراشدين يلقبون انفسهم بخلفاء رسول الله وبذلك سقطت الديمقراطية بقيام الدولة الاموية ولم تقم لها قائمة في بلاد الاسلام الى الان . 

 

وهنا نستنتج ان  نقطة الخلاف الوحيدة بين الاسلام والعلمانية ( واللتي هي نقطة خلاف كبيرة في واقع الامر لانها تمس جوهر الدين ) هي نقطة المرجعية في الاحكام والقوانين او ماسمي حديثا بدستور الدولة والقوانين المدنية والجنائية والسياسية  المبنية عليه .

وهنا ترفض العلمانية تدخل الدين في صياغة الدستور والقوانين رفضا قاطعا , بينما يرفض الاسلام رفضا قاطعا بناء هذه الانظمة والقوانين بدون عرضها على القران والسنة , فما كان منها مطابقا لهما وافق الاسلام على ادخاله في الدستور والقوانين , واما ما كان مخالفا لهما فأوجب على المجتمع المسلم طرحه جانبا ورفضه . ( ان الحكم الا لله ) يوسف 66 ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء 65 . وهذه اشارة واضحة في القران بوجوب ربط القضاء بأحكامه . فالأسلام يرفض مثلا قانون يمنع تعدد الزوجات حتى لو وافق 90% من الشعب او البرلمان على ذلك . وهو يرفض تبني قانون يبيح زواج مثيلي الجنس مثلا , والقران يحذرنا من من قبول اي نظام حياة علماني يسمح بمثل هذه القوانين مهما كان لهذا النظام من محاسن كثيرة ومهما كانت الاسباب , ولذلك فان الاسلام يشترط  في المجتمع الاسلامي ان  يكون رأس الحكومة ووزرائها من المسلمين الموثوق في دينهم وذمتهم ونزاهتهم او ما يسمى شرعا بالعدول . ( ولا يشترط الاسلام في صغار الموظفين ) . ( انما وليكم الله ورسوله واللذين امنوا اللذين يقيمون الصلاة وياتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولى الله ورسوله واللذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون ) المائدة 55 – 56 .  بل انه يتوعد المجتمع الاسلامي بالعذاب ان وافقوا على جعل امورهم بيد غير المسلمين (يا ايها اللذين امنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين اتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) النساء 144 . ( يايها اللذين امنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى اولياء ) المائدة 51 . والولي في التفاسير تعني المسؤول كما نقول ولي امر الطالب اي المسؤول عن الطالب. كما ان تفسير سلطانا مبينا  هو حجة يحتج بها الله عليكم ليعذبكم . وسبب رفض الله لذلك تشرحه الاية ( ولو اتبع الحق اهوائهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن )  المؤمنون 71 . اي ان الله لايرد عليه والا فاننا سنعتبر انفسنا اعلم من الله والعياذ بالله , فاحكامه واوامره جل جلاله واجبة التنفيذ , ومن الثابت شرعا عدم جواز تحليل ما حرم الله اوتحريم ما حلل لان في ذلك مفسدة للمجتمع في الدنيا وعذاب في الاخرة  .

 فمثلا القانون التونسي يمنع تعدد الزوجات وقد يكون هذا القانون اخذ بموافقة اكثرية الشعب ولكن هذه مخالفة صريحة لله توجب عذابه لكل من رضي بهذا القانون الا لو كان مرغما , ويقال ان كثيرا من التونسيين المتزوجين من اثنتين او اكثر يحاولون اثبات انهم يعيشون مع الزوجة الثانية بدون زواج في المحاكم عند انكشاف امرهم , لان القانون التونسي يعاقب اللذي يتزوج اثنتين بالسجن خمس سنوات بينما الزنى لاعقوبة عليه . فهل يستطيع عاقل في هذه الحالة ان يقول ان العلمانية لا تعني ترك الدين ؟ .

والمحصلة ان التعاليم الأسلامية تتطابق تماما في كل شيء مع العلمانية حتى انها تسمح للاقليات الغير مسلمة للأنظمام للبرلمان وتشريع قوانين خاصة بها وانشاء مؤسسات خاصة لتطبيق هذه القوانين كما في البرلمان الايراني مثلا واللذي يضم ثلاث نواب مسيحيين , الا انه يحذرنا من الاخذ بمسألة فصل الدين عن الدولة وخاصة مسألتي الدستور والقانون . كما وان الاسلام يطلب من المسلم اعمال العقل والتفكر بحل مشاكله الدنيوية بالطريقة اللتي يراها مناسبة , الا انه يشترط ان لايكون الحل مخالفا لتعاليم الله باي حال من الاحوال , وخير ما يجسد هذه النظرية قول للامام علي عليه السلام يقول ( اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) .

 وقد يقول قائل ان المسلمين اليوم في جميع دولهم لا يعملون بهذا اللذي اذكره هنا , وهذا صحيح , ولكننا قلنا ايضا ان دولنا هي دول عشائرية وليست اسلامية منذ ايام معاوية الى الان , وان النظرية الاسلامية شيء وتطبيقها شيء اخر , ولكن في كل الاحوال ان من يطبق العلمانية المعمول بها في معظم دول العالم هو في الحقيقة مخالف للقران والسنة والعياذ بالله .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات