2007 / 2 / 17
بعد أن أجمع على عدم شرعيتها، وزراء سابقون ومحللون اقتصاديون وسياسيون وجمعويون
هل يتدخل الملك لإلغاء تعويضات الوزراء السابقين
ظلت المنح التي يستفيد منها الوزراء السابقون، الذين تعاقبوا على السلك الحكومي المغربي، في مناطق الظل شوطا من الزمن، كونها ليست مدرجة ضمن القوانين المنظمة للوظائف والمناصب العمومية بالمملكة، إنما تمت عن طريق العطف الملكي الذي خص به الملك الراحل الحسن الثاني هذه الفئة من خدام الأعتاب الشريفة، إلا أن الأسئلة ظلت تحوم حول هذه المنحة المخصومة من المال العام، وكبرت دائرة السؤال مع توالي الأيام وكثر الجدل حولها، لدرجة اعتبرها البعض ثمنا لإخراس الألسنة داخل أفواهها، فيما أرجعها البعض الآخر إلى السياسة المتبعة من طرف النظام السياسي القائم في إدماج النخب بشكل مستمر في دائرة حكمه، وأنها في العمق شكل من أشكال استنزاف أموال الشعب بطرق غير مقبولة ولا معقولة، في حين تدفع أصوات من بين الوزراء السابقين أنفسهم بالدعوة إلى تقنين طرق الاستفادة من هذه المنحة عن طريق المؤسسة التشريعية على اعتبار أن ما قاموا به من مهام وزارية يدخل في إطار تقديمهم خدمة للمجتمع، وان من حقها على هذا الأخير الاعتراف بهذه الخدمة عن طريق صرفه منحة لفائدتها.
كثيرة هي علامات الاستفهام المرفوعة أمام الرأي العام الوطني المغربي، بخصوص استمرار استفادة الوزراء السابقين من شهريات مالية تخصم لهم من مال الشعب، وغالبا ما تتضارب الآراء بين عدم أو أحقية هؤلاء المنتمين للسلك الحكومي المتعاقب على المغرب على امتداد مساحة استقلاله، في الاحتفاظ بالرواتب التي كانوا يتقاضونها عن المهام التي كانوا يقدمونها داخل الأجهزة الحكومية السابقة. هناك فعاليات من الطبقة السياسية الوطنية ترى أن من حق هؤلاء الوزراء الاستفادة باستمرار صرف رواتبهم بعد إنهاء مهامهم الوزارية على اعتبار أنهم قدموا خدمات للمجتمع من خلال مشاركتهم لفترة معينة في تدبير الشأن العام الوطني من خلال تواجدهم داخل المجلس الحكومي ومجلس الوزراء، شأنهم في ذلك شأن البرلمانيين المغاربة الذين يتقاضون معاشات عن خدماتهم داخل المجلس التشريعي، بعد انتهاء مدة انتدابهم ومغادرتهم قبة البرلمان، خاصة وان المهام الحكومية تبقى صعبة قياسا مع نظيراتها داخل مجلس الشعب، بحكم حجم المسؤولية وتبعات المهام الوزارية وجسامتها إلا أن فريقا آخر من نفس الطبقة السياسية بالبلاد، يرى في استمرار استفادة الوزراء السابقين شكلا من أشكال الاستفادة غير المشروعة كونهم يتقاضون أرقاما مالية تصل إلى 40 ألف درهم شهريا عن مهام لا يقومون بها، بمعنى أنهم يأخذون رواتب شهرية عن خدمات قاموا بها منذ سنوات خلت، خاصة وأن هذه المنحة غير مبررة قانونيا، وتصرف في الظل وخارج الحسابات التي تعرضها الميزانية العامة للدولة أمام مجلس الشعب، أي أنها لا تصرف بشكل واضح وشفاف يجعل منها امتيازات مقرونا بتبرير علني، الشيء الذي جعل منها حصة مالية تصرف من المال العام في ظروف تلفها الضبابية والغموض ويطبعها الكتمان والسرية، خلافا لمعاشات البرلمانيين التي وإن كان فيها نظر حسب رأي الفعاليات السياسية نفسها، إلا أنها مشرعنة من قبل المجلس التشريعي رغم الانتقادات التي صاحبت عمليات تمريرها من طرف نواب الأمة، كما أن المنحة المخصصة للوزراء السابقين إضافة إلى عدم قانونيتها، فهي ليست مرتبة في أي صندوق من الصناديق الحكومية، فقط تصرف تطبيقا للأمر الملكي الصادر في مطلع التسعينيات من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وأصبحت بموجب هذا الأمر تقليدا شهريا تستخلص بموجبه عشرات الوزراء حصصا مالية متفاوتة من خزائن وزارة المالية، في حين ذهبت فئة أخرى في تحليلها لنفس الاستفادة المتعلقة بمنح الوزراء السابقين، إلى كون النظام السياسي القائم بالبلاد يغازل خدامه من النخب التي توالت على تدبير شؤون البلاد، عن طريق امتيازات يبررها على طريقته دونما الحاجة إلى إعطاء التفاصيل لمؤسسات الأمة، ولنواب الشعب أنفسهم، الشيء الذي يجعل هذه النفقات المخصومة من أموال الشعب في نظر تلك الفئات مجالا لتقوية رصيد الولاءات لفائدة النظام السياسي، ونفخ أرقام الجهات الموالية له، من ذلك تجده ـ أي النظام ـ يحافظ على مستوى عيش تلك النخبة طالما أنها تحافظ على ألسنتها داخل أفواهها، وتمسك عن الانتقاد خاصة وأنها مارست تدبير الشأن العام من الداخل، الشيء الذي يؤهلها لمعرفة بعض الأسرار التي من شأنها خلق الشوشرة والتشويش على نظام السير العادي بالبلاد، هذا المنحى يمكن الأخذ به واعتباره الأقرب إلى الصواب، طالما أن مبرر استمرار استخلاص هؤلاء الوزراء لحصص مالية بعد إعفائهم من مهامهم، لا يملك أي سند مقبول، ويبقى بعيدا إلى حد كبير عن منطق المعقول، لأن الراتب أو المنحة تسلم بناء على مهام سارية المفعول، وليس على مهام انتهت منذ سنوات، الشيء الذي يجعل من هذه الاستفادة لغزا كبيرا، يصعب فك طلاسيمه وتشفير رموزه، لما يلفها من تعقيد وضبابية، وما تعتريها من أبعاد سياسية ترتبط بتوسيع دائرة الأعيان والمريدين حول النظام السياسي. إضافة إلى أن المستويات المالية التي تعرفها الميزانيات المغربية، أصبحت مقرونة بالتقشف في ظل التراجع الاقتصادي الذي عرفته البلاد في العقد الأخير، مما يجعلها في حاجة ماسة إلى ترشيد وعقلنة وتدبير مركز، ويبعث على التدقيق في كل النفقات التي تشكل عبئا عليها، وفي مقدمتها هذه الأقساط المالية الضخمة التي تحصدها فئات الوزراء السابقين، دون وجه حق وبدون أي خدمة في المقابل، مما يجعلها مصاريف غير مبررة تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة، وترفع الكثير من الاستفهامات حول حقيقة وجودها في كنانيش وزارة المالية.
كما ارتفعت من قلب المجتمع المدني المغربي مجموعة من الأصوات المدنية تدعوا إلى حماية المال العام الوطني من مظاهر العطاءات والهبات التي تمنح لفئة من المغاربة بغير وجه حق، أو تلك التي يمكن اعتبارها مجرد امتيازات شكلت على اختلاف أشكالها وأرقامها عبئا ماليا على الميزانية العامة، وظلت على امتداد وجودها تنخر جسم المالية المغربية وتستنزف قدراتها، مما يستوجب معها حسب تقدير تلك الفعاليات فتح الملفات القديمة المتعلقة بالاستفادات غير المشروعة، على اعتبار أن استنزاف المال العام لا يختلف في شيء عن الاغتيالات والتصفيات وأشكال التعذيب التي عاشتها زنازن مخافر البوليس أيام سنوات الجمر وأثناء ما سمي بزمن الرصاص بالمغرب، وأن هيئة وطنية يجب أن تحدث خصيصا للتحقيق في ملفات الامتيازات والهبات والمنح التي ظلت تغدق على أصحابها ثروات بغير حساب، راكموا بواسطتها أرصدة ضخمة فاحت روائحها في الأبناك الدولية، في حين تعرف البلاد أزمات مالية خانقة، دفعت بالحكومة المغربية إلى بيع الكثير من القطاعات العمومية، تحت يافطة الخوصصة أو تفويت تدبير القطاعات، واستفادة الوزراء السابقين تدخل ضمن هذه الخانة، كونها مجرد منحة تقدم دون مبرر قانوني أو شرعي يحدد ملامحها وأوجه وجودها، إضافة إلى أن مستويات عيش هؤلاء الوزراء قبل استوزارهم كانت لا بأس بها، لأن النظام السياسي أثناء تعيينهم وزراء لم يكونوا عاطلين عن العمل أولا يعيشون على دخل شهري محترم يضمن لهم ماء الوجه، بمعنى أنهم لم يفقدوا عملهم أو دخلهم بسبب مهامهم داخل دواليب السلك الحكومي المغربي، مما يلزم هذا الأخير بصرف تعويضات لهم عن الضرر الذي لحقهم جراء تواجدهم بين ظهرانه، على العكس من ذلك فالأطر المغربية مطالبة بخدمة وطنها داخل دائرة اختصاصها ودونما مطالبتها بإكراميات أو منح أو هدايا وما شابه من ميزانية الدولة التي هي في الأصل أموال عمومية.
في حين ترى فئة من هؤلاء الوزراء السابقين أن استفادتها من المنح المقدمة لها من ميزانية الدولة، تدخل في باب الرعاية المولوية السامية التي خصهم بها الراحل الحسن الثاني، وأنه من الضروري في ظل العهد الجديد أن تتم شرعنة هذه المنحة بموجب مقرر من مجلس النواب، خاصة وأن هذه الفئة من المغاربة قدمت خدمات وطنية على مستوى الحكومة من ذلك فهي تستحق أن تصرف لها هذه المنحة لأن الغاية تبرر الوسيلة، إذ لا يعقل في نظرها أن تتنكر الدولة لأناس قدموا خدمات جليلة لوطنهم دون أن تنتبه لأوضاعهم وأن تساهم إلى جانبهم في الحفاظ على مستويات عيش كريم نظير ما قدموه من خدمات.
تباين الآراء داخل الأوساط السياسية المغربية وفعاليات مجتمعها المدني، يشير إلى أن المستوى الديمقراطي الذي تعيش عليه البلاد، لا يؤهل أطرها للإيمان بأن الخدمة الوطنية والدفاع عن المصالح العليا للبلاد أمر ضروري يغذيه الحس الوطني وارتفاع درجته في النفوس المغربية، وأن المهام الوطنية الكبرى لا تحتاج إلى صرف تعويض أو منحة أو هدية أو ما شابه لأنها واجب وطني قد يموت لأجله الوطني دون أن تراوده فكرة التعويضات أو المقابل.
الأستاذ إسماعيل العلوي/ وزير سابق
الدولة تقدم لكل وزير سابق منحة حتى يصبح دخله الشهري يعادل 39.000 درهم
- هل هناك قانون مغربي ينص على استمرار استفادة الوزراء من رواتهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية ؟
+ لا. كل ما هناك أن الدولة تقدم لكل وزير سابق منحة حتى يصبح دخله الشهري يعادل 39.000 درهم .
فإذا كان للوزير السابق دخل يجعله يستغني عن هذه المنحة فلا يصرف له أي شيء، إذا كان له دخل لا يصل إلى 39.000درهم في الشهر فتقدم له منحة لتعويض الخصاص. إذا كان أستاذا جامعيا مثلا يتقاضى راتبا يصل إلى 20.000 درهم شهريا فتقدم له تكميلة تعادل 19.000درهم.
لضبط هذا الأمر يتطلب من كل وزير سابق أن يدلي بتصريح بالشرف مقرون بتصريحه المتعلق بالضريبة العامة على الدخل مما يمكن المصالح المختصة من ضبط الحساب.
- هل يستفيد الوزراء السابقون من أجورهم مدى الحياة، أم لمدة زمنية محددة، وهل تورث رواتبهم؟
+ يستفيد الوزراء القدامى من هذه المنحة أو من جزء منها، حسب المنوال الذي أشير إليه سابقان طيلة حياتهم لكن – و هذا أمر طبيعي – لا تورث هذه المنحة.
- إذا تم الإستوزار مرتين، هل يتم صرف الأجرة عن مرة واحدة أم عن الاثنين، أم ماذا؟
+ إذا تم الاستوزار مرة ثانية يتوقف صرف هذه المنحة قبل أن يعاد صرفها بعد مغادرة المهمة. لكن في الحدود المشار إليها أي أنها لا يمكن أن تتجاوز 39000 على أكثر تقدير.
- هل ميزانية الدولة تتحمل هذا العبء المالي خاصة مع كثرة الوزراء السابقون؟
+ يجب توجيه هذا السؤال لمن يضبط ميزانية الدولة من برلمان و وزراء المالية .
مومن الشباري
المنح أو الامتيازات المخولة للوزراء السابقين تنزف الاقتصاد المغربي
مومن الشباري الأول على اليمن
أعتبر شهريات الوزراء السابقين، ليست رواتبا إنما تدخل في خانة المنح أو العطايا أو ما شابه، ولا يجب أن يستمر هذا الفعل كما لا يمكن أن نقبل به، لأننا نعتبره شكلا من أشكال استلاب المال العام واستنزافه، على اعتبار أن الوزارة أو الاستوزار ليس وظيفة تندرج في إطار الوظيفة العمومية، إنما هي مهام تقتضي تعويضات أو غير ذلك مما يطلق عليه "مصاريف" التي تنتهي بانتهاء مزاولة هذه المهام، لكن الذي يمكن أن نفتح به هذا اللغز أو سر استمرار هذه العطايا والمنح، مرجعه إلى ما هو سائد بأن النظام السياسي المغربي منذ زمان يحاول إدماج النخب بشكل مستمر، عن طريق الهدايا والعطايا والمنح، والهبات، والمال وعن طريق خلق مناصب وهمية لضمان استمرار ارتباطها به، لأنه في هذه الحالة يلعب دور الحامي لهذا النظام بمختلف قيمه، إضافة إلى أن هذا الشكل من المنح أو الامتيازات يبقى غير مبرر لا من الناحية السياسية ولا الأخلاقية، خاصة وأن المغرب يعيش نزيفا اقتصاديا، إضافة إلى الديون المتراكمة عليه والتي يمكن القول بأنها تثقل كاهله، ومع هذا نلاحظ استمرار مثل هذه المنح غير المبررة، واستمرار مسلسل العطايا والهدايا والإكراميات يؤكد في المقابل هدر الأموال العمومية بدون طائل أو بتعبير أدق بدون وجه حق.
مع الأسف الشديد أن عملية استمرار منح الوزراء السابقين غير مقننة داخل إطار قانوني يحددها، كما أن هناك تعتيما عليها حتى لا تتسرب للرأي العام، وهي مسترسلة ومتواصلة دون مسوغ أو مبرر قانوني لدرجة أن نقاشات الميزانية العامة للدولة، لا تمسها سواء من قريب أو بعيد، ولا تسلط الضوء على الأرقام المالية المخصصة لها، أو الخانة التي تترتب فيها هل هي تعويضات أو رواتب أو معاشات.
لذلك أقول بأن هذا الكم الهائل من الوزراء السابقين والذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام عبر الحكومات السابقة يشكلون رقما كبيرا يتطلب رصيدا ماليا ضخما ما أحوج بلادنا إليه، لتوظيفه في قطاعات تعيش نقصا أو المهددة بالخطر أو تلك التي تحتاج لدعم من ميزانية الدولة، لأجل الرفع من مستوى مردوديتها ولا أعتقد أن الدول التي تحترم نفسها وتقدر مسؤوليتها في تدبير المال العام تقوم بنفس الفعل الذي تأتيه الدولة المغربية، وإذا ما قررت تلك الدول فعل ذلك من المال العام فإنها تقرره في الوضوح وبنوع من الشفافية ولا يكون هكذا اعتباطيا إنما تبرره وتحدد إطاره في قانونها، بمعنى أن تدرجه في إطار صرف تعويض لخدمة عمومية ارتبطت بالمجتمع. للأسف بالمغرب لا تسير فيه الأمور على هذا المنوال إنما تسير بشكل غير معلن ومادام الأمر كذلك فهو يؤكد بأنه لا يقف على مبررات معقولة ومقبولة والتي يمكنها توضيح اندراج هذا العمل ضمن الخدمات العمومية إضافة إلى أن هؤلاء الذين يتلقون هذه التعويضات لا يعبرون عليها، وهذا الأمر يفسر أن كل الذين تعاقبوا على السلك الحكومي بالمغرب، يبقون مرهونين للسياسة العامة بالبلاد، دون أن يدلوا بأي نقد أو يكشفون عن وجهات نظرهم بخصوصها، وهذا يفسر إلى حد كبير أن الوزراء بمجرد انتهاء مهامهم الوزارية ودخولهم ضمن خانة الوزراء السابقين، يلعبون دور العراب الذي يروج للسياسة العامة التي تحكم البلاد وللنظام السياسي القائم بالمغرب.
محمد طارق السباعي /الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب
الأجور الممنوحة للوزراء بعد انتهاء مهامهم تعتبر غير شرعية
- هل هناك قانون مغربي ينص على استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية؟
+ لا يتصور في الدول الديمقراطية أن يستمر الوزراء في تسلم رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية، إذا كانت للوزير وظيفة سابقة،ولذلك فالأمر بالمغرب يخضع للمزاج لا للقانون، فهناك رواتب دورية تمنح دون موجب مشروع، ولا يشار إليها بوضوح بالميزانيات السنوية، ولذلك فهذه الرواتب الممنوحة بعد انتهاء الخدمة لا تخضع حتى لمفاهيم التعويض، فلا يتصور الحصول على التعويض إلا مقابل الجبر الكامل للضرر ويكون ذلك من اختصاص المشرع أو القضاء الذي يقدر ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب وكذلك يحتسب معه التعويض عن الضرر المعنوي .
والتعويض عن الضررين المادي والمعنوي يكون بالاستناد إلى ما ينص عليه القانون إعمالا لمبدأ جبر الضرر بالكامل بحيث لا يزيد أو ينقص عن قدر الضرر الذي وقع فإذا زاد التعويض عن الضرر اثر المضرور على حساب المسؤول بغير سبب وان نقص مقدار التعويض عن الضرر اختلت العدالة .
ولذلك فالأجور الممنوحة للوزراء بعد انتهاء مهامهم تعتبر غير شرعية وتضر ضررا كبيرا بمالية الدولة وتعتبر هدرا لها لسبب بسيط هو أن الوزير كانت له وظيفة سابقة والمفروض أن يعود إلى عمله السابق ويستفيد من معاشه بعد انتهاء الخدمة،حتى لا نقع في ازدواجية الراتب .
صحيح أن الوزير الذي فقد الوزارة وقام بالتصريح بممتلكاته بعد انتهاء الخدمة ولم يكن قد نهب مالا عاما وفقد عمله وبالتالي لا يتوفر على دخل أو راتب مشرف يوفر الحد الأدنى للعيش الكريم فمن حقه الاستفادة من راتب محترم ولكن طبقا للقانون .
والتساؤلات المطروحة والمحيرة:
هل استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية يدخل في إطار التعويض عن البطالة؟
هذه البطالة الناتجة عن الإقالة أو السقوط نتيجة الفشل في المهام كعقاب انتخابي فهل يحتاج هذا الوزير لتعويض؟
وهل أن استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم يعتبر مقابل شراء صمتهم كما هو الشأن بالنسبة للنخب المشتراة والتي تم الإغداق عليها بالعديد من المناصب المالية دون اللجوء لمعايير الكفاءة والجدارة ؟
والتساؤل المشروع هو أننا نريد معرفة طبيعة عمل الوزير، أنني لا أتصور الوزير إلا متطوعا ويقدم خدمة لوطنه ولذلك فمفهوم المتطوع هو أن يقدم شخص خدمة بإرادته الحرة، دون أن تكون له نية في الحصول على أي تعويض مالي أو امتياز من الامتيازات بعد انتهاء العمل التطوعي .
وأسوق هنا مثالا مغربيا حيا هو أن وزيرا للفلاحة السيد الدمناتي ظل يرفض راتب وزير لأنه ميسور ويعتبر نفسه متطوعا وقدم خدمة لوطنه وما اعتقد أنه يتقاضى حاليا راتب وزير كما يفعل غيره ...
- هل ميزانية الدولة تتحمل هذا العبء المالي، خاصة مع كثرة الوزراء السابقين؟
+ طبعا أن ميزانية الدولة تتضرر نتيجة العبء المالي الكبير لهذه الرواتب وهي مفروضة وخارج الشرعية لأن هذا الأمر لم يسبق للبرلمان أن ناقشه ولا قرر فيه ولا طالب بمراجعته لان ذلك يدخل في باب الخطوط الحمراء والتي لا يمكن تجاوزها، وهذه مسؤولية البرلمان الذي لم يكن فالحا إلا بالزيادة في أجور البرلمانيين وقام بتحسين معاشاتهم رغم أن أغلبهم يدعي التطوع لخدمة البلاد .
علما أن كل برلماني يكلف خزينة الدولة 90.000 درهم شهريا .
عبد الله أزماني / وزير سابق
المنحة تدخل في إطار العناية الملكية السامية بشكل عاطفي فقط
بعد أربعين سنة من استقلال المغرب، برزت إلى السطح ظاهرة بعض الوزراء السابقين الذين شاركوا في الحكومات التي تعاقبت على تدبير الشؤون المغربية أنهم لم يجدوا ما ينفقونه على أسرهم، الشيء الذي خلف أثرا عميقا في نفسية الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، ودفع به إلى التعجيل باتخاذ قرار بهذا الشأن ويتلخص في تخصيصه منحة معاشية لهذه الفئة من الوزراء أي خدام العرش العلوي مقدارها في سقف 40 ألف درهم شهريا بصورة جزافية، شريطة ألا يستفيد منها الوزراء الذين يتجاوز دخلهم الشهري هذا السقف، وإذا ما كان بعضهم دخله لا يصل إلى هذا السقف، فإن المنحة التي تقدم له تمثل فقط فارق الدخل، ولا يشترط أن يرتبط الدخل بالراتب الشهري إذا ما كان الوزير السابق أستاذا أو غير ذلك، فإن المنحة ترتبط بالدخل الشهري مهما كان مصدره سواء كان الوزير يشتغل بالقطاع الخاص أو العمومي فالأمر سيان.
طبعا هناك وزراء سابقون يتجاوزون هذا السقف من خلال موارد دخلهم الشهرية لا يستفيدون من المنحة ذاتها في حين يتواجد بين ظهران هؤلاء الوزراء السابقين من لا يتوفر على أي دخل، فتصرف له المنحة عن آخرها.
ولا تزال هذه المنحة تدخل في إطار العناية الملكية السامية بشكل عاطفي فقط، إلا أنه في اعتقادي أن الوقت قد حان لنقلها من إطارها العاطفي إلى نطاق التشريع، لتحقيق نوع من التوازن بين الرعاية المولوية الشريفة لخدام العرش، ومصالح الخزينة العامة، وبما أن هذه المنحة تصرف في إطار الاعتمادات العامة بميزانية الدولة، فإن البرلمان المغربي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى، للنظر في حركات المساعدات والمنح والهبات التي تصرف للمستفيدين عامة، ويجب على البرلمان عند دراسته للميزانيات العامة أن يتناولها بشيء من التحليل والفحص لأجل وضع هذه المنح في إطارها التشريعي، خاصة وأن المغرب عرف إحداث مجموعة من الصناديق وجملة من الحركات ووسائل المساعدات، إلا أنها تتم على شكل هبات أو صدقات، لذلك يجب أن تقنن هذه العملية حتى لا تدخل في خانة الجانب الإحساني، وذلك بوضع ضوابط لهذه المساعدات التي تضخمت على حساب الملزم بالضريبة مؤخرا، ويمكن القول بأن هذه المنح تدخل ضمن الميزانية العامة للدولة وأنها تشكل عبئا ماليا على ميزانية الدولة، كغيرها من الرواتب والأجور التي تدخل في إطار الاعتمادات المرتبطة بالميزانية.
بن يونس المرزوقي أستاذ باحث كلية الحقوق وجدة
تخصيص تعويضات للوزراء السابقين مسألة غير مقبولة
أولا: فيما هو كائن
أعتقد أن تخصيص تعويضات للوزراء السابقين مسألة غير مقبولة لأسباب متعددة. فلا يُمكن أن نتصور شخصا يتقاضى عن عمل مارسه سابقا إلا في إطار الوظيفة العمومية ومن قبيل التقاعد، أما أن يستفيد آخرون خارج هذا النظام، فإن ذلك من باب المخالفة الصريحة لما يتضمنه الدستور من خضوع للقانون (الفصل 4)، ومن مساواة بين جميع المغاربة (الفصل 5). بل إن الدستور في الفصل 12 تحدث عن الوظائف والمناصب العمومية دون تمييز، مما يفرض أن نتعامل معهما بنفس المنطق.
كما أن هذا السلوك مخالف لكل الأعراف والتقاليد المعمول بها والمتمثلة في تقاضي التعويض عن عمل قائم وليس عمل سابق. ويمكن أن نذهب أبعد من ذلك لنقول أنه مخالف حتى للقيم والأخلاق الحميدة، إذ لا يعقل أن يتقبل شخص مالا دون عمل يقوم به اللهم إلا إذا كان في ذلك حكمة سنحاول الوقوف عندها.
إن البحث في خلفيات هذا التعويض، ستجعلنا أمام أحد الاحتمالات الثلاثة التالية: فإما أنه من باب ضمان استمرار ولاء المعنيين للنظام، وهذه مسألة بيع وشراء؛ وإما أنه من قبيل المحافظة لهم على مستوى معيشي تعودوا عليه، وهذا ليس مفروضا على الدولة؛ وإما أنه من باب ضمان الدولة لمحافظتهم على أسرارها، والعذر هنا أقبح من الزلة.
إن الوزراء السابقين بمختلف أصنافهم، إما أن يحصلوا على هذه الصفة بوصفهم محايدين أو تقنوقراط، وهم بهذا يعودون إلى أماكن عملهم السابقة والجميع يعلم أن جلهم ليس في حاجة إلى راتب وزير فبالأحرى إلى تعويض عن مهمة؛ وإما أنهم ممثلون لأحزاب سياسية، فالأفضل أن يُمنح هدا التعويض لأحزابهم لتتمكن من الاستمرار في ممارسة مهمتها التأطيرية وإنتاج المزيد من النخب القادرة على تحمل أعباء المسؤولية.
ثانيا: فيما ينبغي أن يكون
إن الأنظمة الديموقراطية قد أنتجت تقاليد راسخة في مجال التمثيل الحكومي، يستلزم أن نعتمدها، حتى لا نسقط في فخ التطاحنات الحزبية الداخلية للوصول إلى منصب يكون فيه الراتب والتعويض هو العامل الحاسم. فالوزير في الدول الديموقراطية يتقاضى راتبا عاديا ويؤدي عنه الضرائب اللازمة، وينتهي الأمر بانتهاء ولايته. وبما أن الأحزاب السياسية هي المسؤولة عن اختياراتها فهي تنحاز إلى اختيار الكفاءات القادرة على تحمل المسؤولية بامتياز وليس أشخاصا لهم ارتباطات معينة أو مكانة خاصة لمكافئتهم. وهنا بيت القصيد.
إن التقليص من أجرة الوزير، وحذف التعويض اللاحق، سيحول هذا المنصب إلى حجمه الحقيقي الذي يجعل الاختيارات تقع على الأشخاص ذوي الكفاءات فقط. وفي ذلك دفعة قوية لترسيخ الديموقراطية
اسماعيل بوقاسم أسبوعية المشعل
التعليقات (0)