شكلا، انعقدت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية بحضور 124نائبا، ونال فيها الدكتور سمير جعجع 48 صوتا، مقابل 52 ورقة بيضاء و7 أوراق ملغاة و16صوتا لمرشح "جنبلاط" هنري حلو، وصوت واحد للرئيس السابق أمين الجميل. في الشكل أيضًا، أعلنت "14 آذار" أنها ذهبت الى الجلسة بمرشح واحد هو "الحكيم" وصوتت له. وفي الشكل كذلك انسحب بعد التصويت نواب "عون" والحزب الإرهابي من القاعة لإفقاد النصاب منعًا لعقد دورة انتخاب ثانية. هذا في الشكل فماذا عن المضمون؟
مضمونًا، الجلسة لم تخالف التوقعات ولا الحسابات؛ قوى 14آذار لم تتفق على مرشح واحد، فستة نواب منها (من أصل 57) لم يصوتوا للحكيم فضلا عن تغيّب ثلاثة آخرين هم سعد الحريري وعقاب صقر وخالد ضاهر. أما كثافة الأصوات التي نالها الحكيم فهي نتيجة للعوامل التالية:
أولاً: الإحراج الذي سببه "الحكيم" لكل "حلفائه" بإعلانه عن ترشحه مبكرًا وبدعمه الإعلان ببرنامج استقلالي سيادي من الطراز الرفيع لا يمكن لأي استقلالي أو حتى مدعي استقلال رفضه.
ثانيًا: من المرجّح أن الحريري الذي سوّق من خلال صحيفته في 17/4/2014 لمرشح تسوية تحت شعار "تسوية من موقع قوة"...وافق على "جعجع" على مضض، نعم على مضض لأنه لم يتبلّغ بعد الأمر السعودي من جهة، ومن جهة ثانية لأنه يعلم مسبقا أن الأصوات غير كافيه لإيصاله من الدورة الأولى، وأن 8 آذار لن تسمح بدورات تالية طالما أن "جعجع" مرشح 14آذار.
ثالثًا: كما أن "حزب الكتائب" الذي سوّق لمرشحه الحقيقي "أمين الجميل" على أنه يمكن أن ينال أصواتًا من خارج 14 آذار، وافق أيضا على التصويت لـ"جعجع" للسبب الحسابي الأخير نفسه لا أكثر ولا أقل.
انطلاقًا من تلك المعطيات لا شك أن المواقف داخل فريق 14آذار ستختلف بالنسبة للدورات الانتخابية اللاحقة، ففيما ستتشبث "القوات" بترشيح "الحكيم"، سيحاول "الحريري" الخروج من "جعجع" كما ستطرح الكتائب ترشيح رئيسها. والسؤال المطروح هنا، هل يريد سعد الحريري سمير جعجع حقًا رئيسًا للجمهورية؟!
المسألة ليست قراءة نوايا أو ادعاء معرفة ما تُخفي الصدور، لكن بالتحليل المستند الى الوقائع نقول: الحريري لا يريد جعجع في الرئاسة الأولى، صحيح أنه أعلن عام 2012 و2013 أن مرشحه سيكون "الحكيم" لكنه ما لبث أن أحجم عن إعادة تسمتيه بداية عام 2014 عندما وصله الأمر السعودي بالدخول مع حزب الإرهاب في الحكومة، فاكتفى بالقول انه مع المرشح الذي سيتفق عليه المسيحيون، ما يدل على أن تسميته السابقة والتي كانت في عز المواجهة مع 8 آذار لم تكن جدية، بل ربما فرضتها ظروف المعركة، أي كانت بغرض "المُآجرة" بالفريق الإيراني الذي يرعبه مجرد سماع اسم "الحكيم"، وإلا لو كان جادًا في تسميته الحكيم لكرر دعمه له دون التفاف، ولحضر الجلسة ومعه عقاب صقر شخصيا، ولما سوّق عبر صحيفته للمرشح التسووي ولا انتظر حتى قبل الجلسة بيومين ليعلن عن دعمه "جعجع" بعدما اتضح الى أين وكيف ستسير الأمور... وبالتالي بات بإمكان الحريري بعد جلسة 23 نيسان أن يقول: لقد أدّيت قسطي للعلى ونفّذت وعدي لكن تبين أن طريق بعبدا مقطوعة أمام الحكيم، وبالتالي سيبدأ خطة التملص من ترشيح الحكيم تحت ذرائع وحجج هو ضليع بها كما عودنا في انقلاباته وقفزاته خلال السنوات الماضية.
الحريري يريد رئيسا يدخل في التحالف الرباعي (2005) ولا يبقى خارجه؛ رئيسا يوقّع على اتفاق الدوحة المخالف للدستور (2008) لا رئيسا يوقّع مع التحفّظ؛ رئيسا يوافق على حكومة ما يسمى "وحدة وطنية" بعد فوز 14آذار بانتخابات 2009 النيابية، لا رئيسًا يطالب بحكومة أكثرية خالصة؛ رئيسًا يصوّت لنبيه بري لرئاسة البرلمان (2009) لا رئيسا يمتنع عن التصويت؛ رئيسا يقبل بإقرار ثلاثية العُهر في البيان الوزاري لحكومته (2009) لا رئيسا يعترض عليها ويُصر على عدم دستوريتها؛ رئيسا يقبل بالاعتراف بوجود شهود زور في التحقيق الدولي ويعتذر من سوريا لاتهامه اياها باغتيال رفيق الحريري (2010)، لا رئيسا معارضا كليا شكلا ومضمونا لما تقدّم؛ رئيسا يقبل المشاركة بجلسات حوار الدجل والتقية (2012 و2014) لا رئيسا يريد حوارا جديا ويرفض تلك المشاركة الصورية؛ رئيسًا يمشي معه في قانون انتخاب مبتدع (2013) لا رئيسا يتمسك بمصلحة المسيحيين؛ رئيسا يقبل مشاركة الحزب الإرهابي في حكومة ائتلافية (2014) لا يتضمن بيانها الوزاري إعلان بعبدا ولا انسحاب الحزب من سوريا، لا رئيسا صاحب مبدأ يبقى خارج الحكومة انسجاما مع مبادئه ومواقفه أيا كانت الأوامر الخارجية.
الحريري يريد رئيسًا من خط "الاعتدال" الذي هو حقيقة انحلال من العهود والوعود والمواقف والمبادئ... وآخر نموذج أتحفنا به "صقر" تيار الحريري وزير الداخلية "نهاد المشنوق" الذي جعل المسؤول الميليشيوي رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الإرهابي "وفيق صفا" يشارك في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية الشرعية في 19/4/2014 فحضره وجلس على طاولة حذف منها الشهيد اللواء "وسام الحسن"!! ولو كان فعلا ثمة تحالف يدعى 14آذار وأمانة عامة فاعلة، لشُنق "المشنوق" سياسيا على باب الأمانة العامة على فعلته المهينة المشينة التي تستسلجب عليه لعنة كل شهداء ثورة الأرز، وذلك بأن يُتخذ القرار بطرده من 14آذار هو والتيار الذي يمثله.
باختصار الحريري يريد رئيسا هيّنا ليّنا مرنًا، هيّنا من حيث انصياعه للتسويات والرياح الخارجية من س-س وس-أ وسواها، ليّنا من حيث خضوعه لضغوط الداخل الارهابي والخارج الاستغلالي، مرنًا من حيث استعداده لتنفيذ القفزات والالتفافات والانقلابات على الثوابت والمبادئ والتضحيات... رئيسًا غير مزعج ولا محرِج، تتماهى صفاته مع الأداء الذي قدّمه الحريري منذ عام 2005 الى اليوم.
من هنا نقول المعادلة باتت واضحة، لقوى 8آذار مرشحان اثنان فقط، الأول مرشح يكمل مشروع إخضاع الدولة للدويلة وهو ما يسمى بالمرشح "التوافقي"، أما المرشح الثاني "الرديف" فهو الفراغ وذلك في حال لم يخضع الحريري "للتوافق"، أما تهمة العرقلة فستُلصَق بدستور الطائف والادعاء أنه أثبت عدم صلاحيته، وصولا الى مؤتمر تأسيسي يأتي بدستور جديد "قابل للتطبيق".
التعليقات (0)