مواضيع اليوم

هل يؤدي موقف إيران السياسي من إسرائيل إلى تقوية خط الاعتدال العربي ؟

نزار يوسف

2009-05-28 09:56:03

0

 

إن المتابع للأحداث السياسية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط و بالذات الأحداث السياسية و العسكرية في لبنان و العالم العربي و التي كانت إسرائيل طرفاً فيها ، قد يصل إلى نتيجة مفادها أن محور المقاومة العربي أو ما يدعى في الدوائر السياسية الأمريكية و غيرها .. محور التطرف العربي أو المحور المتشدد . هو الممسك بزمام المبادرة و هو الأكثر بروزاً و صدارة و حتى شعبية في الشارع العربي و الإسلامي ، و ربما العالمي ( على الأقل لناحية الشهرة ) .


في الواقع إن هذه الرؤية قد تكون مقاربة للصواب إلى حد بعيد . فمما لا شك فيه أن محور المقاومة العربية للأفعال السياسية و العسكرية الإسرائيلية خصوصاً في الآونة الأخيرة ، قد أثبت نجاحاً مهماً و لاقى قبولاً و استحساناً كبيرين لدى الرأي العام العربي . كما أن هذه الرؤية و على مستوى المراقبين السياسيين ، قد دعمت الموقف القائل بأن محور الاعتدال العربي قد انكمش إلى حد ما و تضعضع فكرياً و إعلامياً و على وجه الخصوص بعد حرب تموز 2006 بين إسرائيل و حزب الله و من ثم أحداث غزة العسكرية الأخيرة . و أصبح هذا المحور في وضعية الدفاع عن النفس بعد أن كان في وضعية الهجوم منذ الدخول الأمريكي إلى العراق و اغتيال رئيس الوزار اللبناني رفيق الحريري ، يضاف إلى ذلك تضعضع مفهوم و فكرة الاعتدال بحد ذاتها مع إسرائيل نتيجة للأحداث الآنفة الذكر بالنسبة للمواطن العربي . و بالتالي انكفاء محور الاعتدال العربي بالمواجهة الإعلامية مع منهج المقاومة .


و لكن ما يمكن ملاحظته بالتزامن مع سياق الأحداث السياسية و العسكرية و المواجهة الإعلامية بين طرفي الصراع العربي المعتدل و المتشدد ، هو الطرف الإيراني في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي الحالية . و بالذات المعركة الإعلامية و السجالات الكلامية و التصريحات السياسية بين الدولتين و بالأخص ، الطرف الإيراني ، و ذلك بدءا من مستوى قمة الهرم السياسي و مادون و هو الأمر الذي وجد ذروة تجليه في التصريحات السياسية للرئيس الإيراني محمد أحمد نجاد العنيفة ضد إسرائيل و التي أثارت الرأي العام في دول مختلفة من العالم و الرد الإسرائيلي الإعلامي عليها . ما يمكن ملاحظته هو أن هذه المعركة الكلامية العنيفة هو في النهاية قد تصب في صالح خندق الاعتدال العربي للأسباب الآتية :


1 ) - اللهجة الكلامية العنيفة ضد إسرائيل خصوصاً و اليهود عموماً سواء بالإزالة من الوجود أو التصفية ( لجهة إسرائيل ) أو إنكار المحرقة النازية أو ما يسمى بالهولوكوست ضد اليهود و التي تراها إسرائيل و اليهود في العالم كله كارثة إنسانية بحقهم ( من وجهة نظرهم ) على الأقل . و هو كلام لم يصدر من أي جهة عربية و لن يصدر ( على مستوى النبرة القاسية فيه ) و ذلك باعتبار أن الخط السائد الآن هو خط السلام و النهج الذي تم تبنيه منذ مؤتمر مدريد ، هو نهج السلام . و باعتبار الأعراف الدبلوماسية و مقررات و دساتير هيئة الأمم المتحدة . و بالتالي يؤدي ذلك إلى خطف إيران الأضواء في معرض الصراع العربي الإسرائيلي حتى و لو لم تشارك فعلياً و عملياً و عسكرياً في ذلك الصراع كونها تتبنى الآن المشروع النووي السلمي و الذي أثير حوله الضجيج الذي وصل إلى حدود نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق و المدى. و بعدها عملياً عن مسرح الصراع الجغرافي العسكري ، قياساً للدول العربية و بالذات الدول المجاورة لإسرائيل و التي دخلت في أكثر من حرب إقليمية معها على مدار الثلاثين سنة المنصرمة ( و المقصود هنا سورية ) بدءاً من حرب تشرين 1973 ( سورية و مصر - إسرائيل ) مروراً بحرب الاستنزاف أو حرب الثمانين يوماً التي خاضتها سورية منفردة مع إسرائيل و هي الحرب المعتم عليها إعلامياً لسبب غير معلوم . و حرب 1987 ( سورية – إسرائيلية منفردة ) و حرب لبنان 1982 ( سورية – إسرائيلية منفردة ) . هذا كله غير حرب 1967 ( سورية و مصر – إسرائيل ) و حرب 1947 .


2 ) - باعتبار إيران دولة غير عربية ( دولة فارسية ) صاحبة حضارة تاريخية كبيرة ممتدة عبر التاريخ و منذ أقدم العصور بل ربما بداياتها . يؤدي ذلك إلى تحويل الصراع من ( عربي – إسرائيلي ) إلى ( فارسي - إسرائيلي ) أو ( إيراني – فارسي ) . و تصبح النظرة العربية الشعبية السائدة ، هي صراع إيران مع إسرائيل خاصة و أن المواطن العربي سريع التأثر بالكلام أكثر منه بالأفعال ، سرعة تأثر الكيروسين بالنار .


أمام هذه الصورة ... صورة خطاب إيراني شديد اللهجة و عالي المستوى لدرجة الغليان ضد إسرائيل متخطياً كل الخطوط الحمر في العلاقات و الأعراف الدبلوماسية زائد خط اعتدال عربي عالي شديد الليونة و عالي التساهل لدرجة التطبيع الكامل و الواضح دونما خجل أو مواربة مع إسرائيل . لا يبقى أمام خط المواجهة العربي إلا أحد ثلاثة حلول ، إما النحو إلى المنهج الإيراني و تصعيد التوتر مع إسرائيل ما يعني خرق كل منهج و مسار السلام و هو أمر مستبعد كون الحرب العسكرية ليست بالسهولة التي يمكن تخيلها و الحديث عنها ، للأطراف كافة حتى الإسرائيلية التي تحسب لها ألف حساب . أو النحو إلى منهج الاعتدال و التطبيع و الاستسلام مع و لإسرائيل و هو أيضاً أمر مستبعد أكثر من الأول . أو البقاء كما هو في مكانه بين المحورين ، و هو الأرجح مترقباً الأحداث السياسية و منتظراً إلى ماستؤول إليه عملية السلام برمتها القائمة منذ مؤتمر مدري و إلى الآن ، وبعدها يقرر . هذه الصورة سالفة الذكر تعطي محاور ثلاث جديدة : محور التصعيد الذي تمثله إيران حالياً بلهجتها الكلامية و برنامجها النووي– محور الممانعة الذي تمثله الدول العربية الرافضة للسلام مع إسرائيل حتى تحقق شروط السلام كاملة – محور التطبيع الذي تمثله دول ما يسمى ( الاعتدال ) . و أمام هذه المحاور الثلاث التي يقف فيها تيار الممانعة بالوسط ، لن يثبت في مخيلة الإنسان العربي سوى المحورين المتطرفين ( ليس بمعنى التطرف المقصود إياه ) المحور التصعيدي و المحور التطبيعي . و السبب في ذلك هو أن ذهنية الإنسان العربي اعتادت الثنائية التنافرية في النظر إلى .. و التعامل مع .. المفاهيم أياً كانت ، فهو منذ الجاهلية اعتاد أن لا يرى إلا أقصى اليمين أو أقصى الشمال بغض النظر عن المصداقية و الموضوعية المنطقية الواقعية للاتجاهين . المهم التطرف أما فوق و إما تحت .. إما مغطى بالسواد أو مزلط تزليط .. إما باب الحارة أو وادي الذئاب .. المهم أن يكون شيء متطرف . و بما أن التصعيد و لو كلامياً هو الآن لإيران الفارسية ، فلن يبقى في الساحة سوى منهج الاعتدال أو التطبيع العربي . و المواطن العربي سيستكين للاعتدال لا محالة و يعتاده و يقبل به نهاية الأمر لسببين لا ثالث لهما :


الأول : هنالك من أخذ عنه حمل الصراع مع إسرائيل و لو بالكلام ( فإيران بالنهاية لا يمكن لومها على أي موقف تتخذه بالنسبة لإسرائيل بالرغم من مواقفها المشرفة تجاه القضية الفلسطينية في هذا الخصوص و التي لا يمكن المزايدة عليها ) فيمكن و الحالة هذه القبول بالاعتدال طالما وجد البديل حتى و لو كان غير عربي .


الثاني : إن بقاء منهج الاعتدال أو التطبيع موجوداً إلى الآن بالرغم من كل الضربات المعنوية التي كيلت له ، سيحوله إلى أمر واقع لا محالة . و الأمر الواقع سيتحول مع مرور الزمن إلى حالة قبول و رضى و في أدنى حالاتها حالة اعتيادية .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !