مواضيع اليوم

هل يؤثر اللوبي الصهيوني في صناعة القرار السياسي بالمغرب؟

إدريس ولد القابلة

2009-12-11 02:44:17

0


2007 / 3 / 12

هل يؤثر اللوبي الصهيوني في صناعة القرار السياسي بالمغرب؟

 


تمر صناعة القرارات السياسية بالمغرب، بالإضافة إلى المسلكيات المؤسساتية، عبر عدد من القنوات التي تخضع في جانب كبير منها لثقل بعض اللوبيات الاقتصادية والسياسية، إلا أن الحديث عن اليهود المغاربة بهذا الخصوص، وإن كان يطرح إشكالية تعدد وجهات النظر والمصالح داخل هذه الفئة من المواطنين نفسها، لا يمكن تناوله دون استحضار وزن الصهيونية، التي لا تعني بالضرورة كل اليهود، مغاربة كانوا أو غير مغاربة.


لقد كانت آثار الحركة الصهيونية قوية على جزء كبير من اليهود المغاربة الذين شكلوا أرضية خصبة للترويج لأفكارها، هكذا وبتمويل سخي من طرف "أدموندور ولتشيد" تأسست أولى المؤسسات التعليمية العصرية الخاصة باليهود في المغرب، وذلك بغية تكوين نخبة يهودية مثقفة تخدم القضية الصهيونية، حيث تم تغيير نمط العيش المغربي لهذه النخبة عبر إدماجها في نمط عيش غربي وعبر ربط مصالحها بالثقافية الغربية، وقد نجحت الحركة الصهيونية في مهمتها ولم يتمكن حتى أولائك اليهود الذين ساهموا في حركة الكفاح الوطني من مواجهة وقعها.

 


هكذا أصبح اليهود المغاربة موزعين إلى مجموعتين كثيرا ما يتم التداخل بينهما، فهناك يهود كبقية المواطنين وهناك المتصهينين، وهنا تحديدا يطرح السؤال عن حقيقة اللوبي اليهودي بالمغرب، حيث لابد من التمييز بين اللوبي الصهيوني المرتبط بإسرائيل وأمريكا وباستراتيجيتهما المبنية على التسلل إلى مراكز القرارات السياسية والاقتصادية أو الضغط على هذه المراكز لأجل تبني مواقف تخدم الصهيونية العالمية، والفئة الأخرى من اليهود المواطنين الذين كثيرا ما يتم استثمارهم من طرف الدولة لانتزاع بعض المكاسب الخارجية أساسا، بالنظر إلى علاقاتهم ببقية يهود العالم بما في ذلك إسرائيل واليهود بمراكز القرار الأمريكي.


فالحديث عن اللوبي لا يمكن أن يبتعد عن قوة ضاغطة ومنظمة في أغلب حالاتها، وهو بذلك تعبير عن فعل يمارس في الخفاء، في إطار نوع من المساومة وخدمة مصلحة مقابل مصلحة أخرى.
وبالتالي سنعمل قدر الإمكان، في مقاربتنا لقوة ضغط وتأثير اليهود المغاربة، على توضيح تاريخ وظروف تسلل اللوبي الصهيوني، كما لن نتجاوز إعطاء ملامح هذا اللوبي خلال العقود الأخيرة، احترازا واحتياطا من الألغام المرتبطة بالموضوع.

 

نشأة اللوبي الصهيوني المغربي

 

    إذا كانت اليهودية من أقدم الديانات فإن الصهيونية حركة سياسية عملت على تجميع اليهود في دولة واحدة؛ بدأت الصهيونية حسب بعض المحللين، كرد فعل ضد معاداة السامية، و قد ظهرهذا التوجه العنصري منذ القرون الوسطى في البلاد المسيحية، حيث طورت بعض الحركات السياسية ذات النزعات القومية المتطرفة هذا التوجه في القرن التاسع عشر، الشيء الذي أدى في القرن العشرين إلى ظهور النازية التي اقترفت مذبحة ضد أكثر من 5 ملايين يهودي؛ لليهود مواقف متنوعة من الصهيونية، فهناك يهود صهاينة ويهود غير صهاينة، كما توجد في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعات مسيحية تتبنى الصهيونية وفي إسرائيل آراء سياسية ودينية متضاربة حول الطبيعة اليهودية للدولة العبرية أو عدمها.


شكل وجود أرضية فكرية وسط اليهود المغاربة، المهيئة لاستيعاب الأطروحات الصهيونية وإعادة نشرها في الداخل، مناسبة لبلورة عمل تنظيمي متزايد للصهيونية في المغرب، فرغم تسرب النشاط الصهيوني داخل بلادنا منذ عام 1893 مع قدوم الدكتور زيميغ سبيفاكوف (صهيوني روسي) إلى المغرب، فإن البدء الفعلي في تأسيس خلايا صهيونية محلية كان سنة 1900، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الرابع، عندما وعد "تيودور هرتزل" ببذل الجهد لنشر الدعاية الصهيونية في إفريقيا وآسيا، ففي عام 1900 أنشأ "ديفيد بوحبوط" (يهودي مغربي) تنظيم "أبواب صهيون" بالصويرة، وفي نفس الفترة أسس تنظيم "عودة إلى صهيون" بتطوان على يد الصهيوني الروسي ي.بارليافسكي، وتوالى في نفس السنة إنشاء خلايا صهيونية بكل من طنجة، ومراكش وأعلن في المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901 عن حصيلة إنشاء خلايا صهيونية بالمغرب.


وانخرط في عملية التأسيس للخلايا الصهيونية عدد من الأحبار البارزين وسط اليهود المغاربة، مثل رفائيل أبنسور، ومورد خاي سيرينو شلوم بن دكان، وفيدال سرفاتي، كما أعلن حاخام مكناس يشوع بردوكو عن تأسيس حزب صهيوني وذلك في المركزية الصهيونية المنعقدة بكلوني، وقد احتل هذا الحاخام منصب الحاخام الأكبر للمغرب في الأربعينيات.


صدور وعد بلفور وقرارات مؤتمر سان ريمو أوجدا مناخا محفزا عند اليهود المغاربة، حيث تكاثرت عمليات إنشاء الخلايا الصهيونية بالمدن كما برزت الاستعدادات الميدانية للهجرة إلى القدس، والتي انطلقت فعليا سنة 1919، ونظرا لمعارضة الإقامة الفرنسية للنشاط الصهيوني بالمغرب، بدأ فرع المنطقة الصهيونية بلندن يعمل على إعادة تنظيم العمل الصهيوني بالمغرب، من بينهم الصهيوني المالح سنة 1923 والصهيوني هالبرن في 1925، إلا أن الانعطاف الكبير في النشاط الصهيوني بالمغرب حصل مع استقالة المقيم العام الجنرال ليوطي في شتنبر سنة 1925، ومجيء المقيم الجديد تيدور مسينغ الذي كانت له مواقف مغايرة للمقيم السابق اتجاه الحركة الصهيونية.


على صعيد مواز بدأ اليهود المغاربة يتابعون أشغال المؤتمرات الصهيونية العالمية منذ 1921، إلا أن مشاركة المغاربة كانت سلبية بالنظر إلى أن المناقشات داخل المؤتمر كانت تتم باللغة اليديشية (لغة يهود أوروبا الوسطى) والتي كانت مجهولة من طرف اليهود المغاربة.


ورغم أن الخروج إلى العلنية في النشاط الصهيوني بالمغرب بدأ منذ 1926 فإن البروز الكبير حصل مع أحداث ثورة البراق الشريف عام 1929، حيث كشف جزء كبير من اليهود المغاربة عن انخراطهم القومي في دعم المشروع الصهيوني، حيث أسماها روبير أصراف "بالصدع الأول"، كما أن سلطات الحماية الاستعمارية رخصت للمواطنين اليهود بتنظيم عمليات جمع الإعانات، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه بالرغم من وجود حالات هجرة، فإن أولويات النشاط الصهيوني كانت تحرص على تأجيل موضوع الهجرة والتركيز على قضايا الدعاية والإعلام وتعليم العبرية والتاريخ اليهودي وجمع التبرعات وتوسيع عملية تأسيس الخلايا، وهو ما ظهر بوضوح في قرارات المؤتمرات الصهيونية الثلاثة الأولى بالمغرب (1936، 1937 و1938)، فضلا عن المؤتمرات الإقليمية في نياير 1937.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وصعود المد النازي وما تلاه ضد اليهود بالمغرب، حصل تجميد شبه كلي للنشاط الصهيوني، إلا أن الحركة الصهيونية استأنفت نشاطها بعد ذلك، وقد ساهمت عدة عوامل في انتعاش وإعادة صياغة أولويات وبرامج النشاط الصهيوني المغربي، خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث يمكننا أن نذكر بالإنزال الأمريكي في المغرب، في إطار عملية طورش سنة 1940 وهو إنزال أدخل زخما جديدا للنشاط الصهيوني، فمن جهة شكل بداية تفكك قوانين فيشي التمييزية، ومن جهة أخرى قدم عنصر قوة لصالح اليهود المغاربة في علاقتهم بالاستعمار الفرنسي والمسلمين المغاربة، كما لابد أن نذكر بتحول موقف الإقامة العامة الاستعمارية تجاه النشاط الصهيوني وهو موقف تعود جذوره إلى حكومة الجبهة الشعبية بفرنسا سنة 1936 والتي ترأسها ليون يلوم وهو يهودي فرنسي مؤمن بالمشروع الصهيوني، وكذا الدعم الذي لقيه الجنرال ديغول من اليهود الأمريكيين الذين ضغطوا لصالحه في واشنطن،


وهو ما جعل الفرنسيين يتعاملون مع اليهود كقوة، كماسنرى لاحقا بمناسبة استقلال المغرب،
هذا إضافة إلى المراجعة الشاملة التي قامت بها الرابطة الإسرائيلية العالمية تجاه الموقف من الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث لم تعد تتبنى موقف الاندماج في فرنسا وكان ذلك نتاجا للإرث النفسي والعملي لنظام فيشي، مما أدى إلى انخراط أنصار الرابطة في مدارسها، كما تم وضع البنية التحتية للرابطة الإسرائيلية بالمغرب رهن إشارة المنظمات الصهيونية، حيث كانت تتوفر الرابطة آنذاك على 77 مدرسة حسب إحصائياتها لسنة 1960، فضلا عن 19 مدرسة متنقلة.
وقد كانت حصيلة هذا التوسع التنظيمي بلوغ عدد منخرطي المركز الصهيوني بالمغرب سنة 1956، حوالي 23 ألف أي حوالي 12 في المائة من مجموع الطائفة اليهودية بالمغرب، وهو رقم قياسي عالمي، كما وضعت له توجيهات برنامجية جديدة تركز على الهجرة، خصوصا بعد إعلان الدولة الصهيونية يوم 15 ماي 1948.


وتجدر الإشارة إلى أن اشتداد النشاط الصهيوني خلق حركة معارضة لوجوده بالمغرب، أساسا في صفوف الحركة الوطنية، وكذلك في صفوف معارضة يهودية للصهيونية، خصوصا بعد الاستقلال، وإن كانت محدودة من حيث العدد وغياب زعماء الطائفة والحاخامات عنها مما جعل تأثيرها شبه منعدم في صفوف اليهود المغاربة.

 

الدور السياسي لليهود

   المغرب على المراهنة على سمعة السلطان وسلطته ليبقى حاميا وضامنا لسلامتهم وأمنهم، على هذا الأساس،قد لا يخفى الدور الذي لعبه اليهود المغاربة في مفاوضات "ايكس ليبان" المتعلقة بالاستقلال السياسي للمغرب، كما أن بعض المؤرخين كشفوا عن يهود المغرب في تغيير موقف السلطات الفرنسية في بداية الخمسينات، لاسيما ما يخص رهان فرنسا على تنصيب "بن عرفة" سلطانا على المغرب، حيث كان الأولى عودة محمد الخامس إلى عرشه والذي أبدى استعداده للإعتراف بالمواطنة الكاملة لليهود، بعدما تم ترتيب بعض الأمور المتعلقة بالمستقبل معه ، كما كشف محللون آخرون أن قضية اليهود تمت إثارتها في المفاوضات المتعلقة بالاستقلال السياسي للمغرب.


إن تتبع جملة من المواقف و الممارسات و المهام من شأنه توضيح وجود اللوبي الصهيوني بالمغرب. لقد أكدت "ستيلا" و هي ابنة عم أبراهام السرفاتي أن الشخصيات و الأعيان اليهود المغاربة رفضوا التوقيع على عريضة الاستقلال بإيعاز من اللوبي الصهيوني.


وقد عرفت بداية استقلال المغرب فترة من الحماس داخل اليهود المغاربة، حيث منح الراحل محمد الخامس المواطنة الكاملة لليهود المغاربة، وضمت أول حكومة الوزير بن زاكين وهو من أصل يهودي، وتبوأ في نفس الوقت عدد من اليهود مناصب عليا في الوزارات والإدارات.


مع تربع الحسن الثاني على العرش، وفيما بين 1961 – 1962 أستأنفت عملية تهجير اليهود بحدة، فقرر الراحل الحسن الثاني، الترخيص للوكالة اليهودية بتنظيم عمليات التهجير بأعداد كبيرة وبشكل قانوني، والواضح أن اللوبي الصهيوني نجح في إبرام صفقة بهذا الخصوص بين الولايات المتحدة والمغرب، حيث منحت الولايات المتحدة مقابل القرار المغربي مساعدات من الحبوب لمواجهة آثار الجفاف، لكن بالرغم من ذلك وإلى حدود 1967 ،بقي بالمغرب حوالي 70 ألف يهودي، وجاءت حرب 1967 التي تسببت في هجرة حوالي 40 ألف، حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي وقعت فيها أعمال معادية لليهود في المغرب، وبدأت مرحلة من الفتور استمرت حتى سنة 1975، ووصل الأمر إلى عدم استدعاء الحاخام الأكبر في الاحتفالات الرسمية بعيد العرش لسنوات متتالية، ولعل أهمية اللوبي الصهيوني لم تكن لتبرز بقوة لولا قضية الصحراء، فمنذ 1975، بدأ الحاخام الأكبر في حضور الاحتفالات الرسمية لعيد العرش، مما يعني إعادة الاعتبار لليهود المغاربة، مقابل انخراطهم في الجهود الديبلوماسية لفك النزاع حول الصحراء، وحقيقة الأمر فإن الرهان كان على العلاقات الدولية للوبي الصهيوني المغربي، خصوصا في علاقته بإسرائيل واليهود بالإدارة الأمريكية، وقد انتبه المسؤولون المغاربة لهذه القوة منذ أواسط السبعينيات، وانخرطوا في مساعي الاستفادة منها والانخراط في بعض امتداداتها، حيث يمكننا التذكير، كما جاء في كتاب "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، بأول رسالة حملها الجنرال الدليمي سنة 1976 من رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" إلى الرئيس المصري أنور السادات، وبالمجهودات التي قام بها اللوبي اليهودي المغربي، في شقه الصهيوني، من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي "الجنرال موشي ديان" ومبعوث الرئيس السادات "حسن التهامي" في شتنبر 1977 ومن ملامح فعل اللوبي الصهيوني المغربي، دعوة المغرب لأول مؤتمر اقتصادي بين العرب وإسرائيل سنة 1992 بالدار البيضاء، حيث كان محاولة جريئة لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.


إن تتبع جملة من المواقف و الممارسات و المهام من شأنه توضيح وجود اللوبي الصهيوني بالمغرب.
من معالم قوة اللوبي الصهيوني بالمغرب، زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للمغرب، بعد موقف حكومة عبد الرحمان اليوسفي في 3 أكتوبر 2000، والذي انتهى بإغلاق مكتبي الاتصال في كل من الرباط وتل أبيب بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، فالزيارة التي قال عنها المراقبون إنها "زيارة غير مناسبة في وقت غير مناسب" من تصميم اللوبي الصهيوني، حيث ترجمت رغبة إسرائيل في اعتماد سياسة الأمر الواقع مع المغرب، والدفع بالأمور إلى مداها الأقصى، ثم الالتفاف على مجريات الأحداث في أراضي الحكم الذاتي كحصيلة نهائية، لكن يبدو أن اللوبي الصهيوني لم ينجح في الدفع بالدولة إلى حرج شعبي مفضوح و تحقيق كسر المقاطعة العربية بإضافة المغرب إلى كل من مصر والأردن وموريتانيا، فالموقف المغربي ظهر متحفظا، حيث لم يتردد محمد بن عيسى في القول إن المغرب "غير متلهف لتطبيع علاقاته مع إسرائيل"، لكن بن عيسى ترك الباب مفتوحا لدور مغربي في تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين بما يخدم مسلسل السلام، ويزيد من حظوظ المغرب أمام الولايات المتحدة الأمريكية في انتظار مهمات مستقبلية.


إن وجود أندري أزولاي كمستشار إلى جانب الحسن الثاني ثم محمد السادس، ليبرز إلى حد كبير أهمية اليهود المغاربة في مواقع القرار السياسي المباشر، وهي أهمية لا تنطلق من الرغبة في خدمة مصالح اليهود المغاربة فقط، إنما في خدمة القضايا الوطنية، خصوصا على الواجهة الخارجية، كما أن تعيين سيرج بيريغو، رئيس مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب سفيرا متجولا، لا يمكن إلا أن يصب في نفس الاتجاه، بدليل حضوره رفقة شارل داهات نائب رئيس الفدرالية العالمية لليهود المغاربة وشخصيات أخرى، ضمن الوفد الذي شارك في لقاء بواشنطن يوم الخميس 08 يناير 2007، حيث كانت الإشادة "بالتقدم الذي حققه المغرب على مستوى المسلسل الديمقراطي والإصلاحات والتنمية الاقتصادية مما جعل منه مثلا يحتدى به على صعيد العالم العربي".

 

 

شمعون ليفي/ مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي
لم يكن أغلبية اليهود يتصورون مستقبلهم في مكان آخر غير وطنهم المغرب

 

 

شمعون ليفي في لقاء مفتوح مع "المشعل"، عن حقيقة الهوية المغربية التي لا يمكن إلا أن تكون هوية متعددة المكونات في إطار إنتماء وطني واحد، مميزا بذلك بين الصهيونية والانتساب لليهود، حيث تقدم بتوضيحات حول الانتماء للوطن والهوية، وعن دور اليهود المغاربة في صناعة جزء من التاريخ الاقتصادي والسياسي للمغرب إضافة إلى مواقف بعض مكوناته السياسية.

 

ما هو دور اليهود المغاربة في صنع القرار السياسي؟

اليهود المغاربة مثلهم مثل باقي المواطنين، يتفاعلون مع الواقع السياسي والقرارات السياسية مثل باقي المواطنين، فلا أرى ضرورة لطرح سؤال خاص باليهود المغاربة بهذا الخصوص، صحيح أن لليهود مقامات عباداتهم وبعض المؤسسات الخيرية الخاصة بهم، وهذا كله تحت إشراف لجنة الجماعات للطائفة اليهودية بالمغرب، وهي أمور تخص الجانب الديني والاجتماعي للطائفة، فالدولة من تقوم عبر وزارة الداخلية بالوصاية القانونية عن المجلس، وقد يستشار المجلس أحيانا في بعض القضايا السياسية مثل قضية الصحراء، كما أنه يتقدم أحيانا ببعض المطالب التي قد يستجاب لها وقد لا يستجاب؛ أعتقد أن المهم هو وجود اليهود ضمن الثقافة المغربية المتعددة.


إن اليهود المغاربة الذين هم ورثة وجود قديم بالمغرب امتد على مدى 20 قرنا، يتقاسمون مع باقي المغاربة لغات التداول والتاريخ والاقتصاد والتقاليد والثقافة المشتركة، وهم يحتفظون مع ذلك بخصوصية دينية وثقافية بالمعنى العام للكلمتين.


قدم اليهود المغاربة مساهمة في ميادين الاقتصاد الدولي والتجارة المحلية المتنقلة عبر المناطق القروية والصناعة التقليدية "المعادن الثمينة والحدادة والألبسة ومهن الخشب والجلد... " وفي الثقافة الموسيقية " الأندلسي والغرناطي والملحون والأدب ".


لقد كتب الأدباء اليهود انتاجاتهم الفكرية بالعبرية طبعا، ولكن أيضا باللغة العربية الفصحى " حتى القرنين 13 و 14 " ثم بالعربية الدارجة حتى سنوات الثمانينات، وفي سياق هذا الحديث، يجب التأكيد على أهمية مساهمة الأحبار والأدباء اليهود المغاربة في الإرث العبري المكتوب، المخطوط منه و المطبوع، سواء على مستوى الكم أو الكيف "في القانون و الشعر و التفسير الديني"، وقد كانت لهم أيضا مساهمات مهمة في نفس المجالات بالدارجة المغربية "في ترجمة وشرح التوراة و التاريخ و التربية الدينية..." بل إن هؤلاء الكتاب قد تركوا نصوصا باللغة الأمازيغية كذلك كنصوص دينية مترجمة.


أما اللغة الإسبانية أو بالأحرى لهجتها المحلية "الحاكيتية" فقد استعملت أيضا في إنتاج مخطوطات، خصوصا عند الجماعات اليهودية لمدن تطوان و طنجة و أصيلا والعرائش و القصر الكبير و الشاون.
و في مرحلة متأخرة من هذه السلسلة دخلت المؤسسات التعليمية التي كونتها الرابطة الإسرائيلية العالمية ابتداء من 1862، وقد سمحت ممارسة هذه اللغة لليهود المغاربة في بدايات القرن العشرين من تطوير عدد من المهن مثل صناعة الطباعة و التجارة العصرية.

 

كيف تفسر كون رئيس مجلس جماعات الطائفة اليهودية سفير متجول بالنسبة للمغرب؟

لأن السلطان ربما أراد إرضاءه بعدما حاول إسناد هذا الأمر إلى البعض قبله فلم يستفد منهم شيئا، وربما لأنه رأى في ذلك مصلحة للبلد، وهنا لا يمكن أن أجزم إن كانت المسألة تتعلق بمؤهلاته فقط، أو مؤهلاته إضافة إلى شيء آخر، ومع ذلك أظن أن الأهم هو التعامل معه كمواطن مغربي، وهنا لابد أن نميز بين الوطنية والدين وإلا سنسقط في انزلاقات شهدها التاريخ.
كانت الهوية الوطنية شيئا غامضا في مغرب ما قبل 1912 فقد كانت تختلط بالهوية الدينية،
سياسيا كانت الهوية المغربية تلبس لباس الدين الإسلامي وكانت القبيلة قوية الحضور ، وشكل هذا هيكلا صلبا لمقاومة المستعمرين بين 1920 و 1930.


لكن كان اليهود كذلك جزءا من الأمة، بالنظر إلى التاريخ والجغرافية كقاعدة للإجابة ، وليس إلى المنطق الديني، والحركة الوطنية عبر أول حزب وطني مغربي ( كتلة العمل المغربي ) هي التي حسمت الأمر إبان تأسيسها في 1934 ، إذ التزم هذا الحزب بأن الأمة المغربية متعددة الديانات مفرقا بذلك بين الجنسية والدين في مشروعه الوطني العصري.


حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه الشبيبة اليهودية العصرية تبحث عن مستقبلها في مواجهة الواقع الذي فرضه الاستعمار، وقد كان قوام هذا الواقع التحديث الاقتصادي لولا الأزمة الكارثية لسنوات الثلاثينات إضافة إلى تخريب النظام الاقتصادي التقليدي . وقد كان جو احتقار وكراهية اليهود متفشيا في أوساط المعمرين، فتقوت هذه العنصرية تحت تأثير الحركات الفاشية الفرنسية مع هزيمة فرنسا في 1940 ، حيث ازدهرت السياسة الفاشية الفرنسية مع المارشال بيتان (الذي حكم فرنسا تحت حماية ألمانيا النازية)، الذي سرعان ما وضع بعد ذلك ما يسمى "بقانون اليهود" والذي جعلهم في مرتبة دون الإنسان على غرار ما كان معمولا به في أوربا ، مثل طرد التلاميذ اليهود من المدارس الرسمية ومنعهم من السكن في بعض الأحياء ، وفي سنة 1942 ، ألزمت إدارة الحماية اليهود بالتصريح بممتلكاتهم .... ومن المعروف أن هذا الإجراء كان يسبق في أوربا عملية التهجير إلى معسكرات الموت ومعسكرات النازية للإبادة إلا انه ومع نزول قوات الحلفاء بالمغرب في 8 نونبر 1942 ، تم إخفاق مشاريع حكومة بيتان في بلادنا .


ولن يوقف العمل بالقوانين البغيضة التي أرساها هذا النظام إلا بعد وصول جيوش الحلفاء.
المهم، أعتقد أن كل هذه الاعتبارات لا تتحكم في التعامل مع المواطنين المغاربة كيفما كان دينهم أو عرقهم، فكما لهم جميع الحقوق عليهم جميع الواجبات، كذلك اختيار الأشخاص في بعض المراكز والمهام لا يخضع إلا لمصلحة الوطن.

 

هل يراهن المغرب على علاقات بعض اليهود الدولية والأمريكية؟

من طبيعة الحال، المغرب ليس بلدا منعزلا في المريخ، إنما هو جزء من الكرة الأرضية بمشاكلها وعلاقاتها وكذا توازناتها، فإن كان الشخص قد يسهل بعض العلاقات فهذا جيد بالنسبة للبلد، هل لك اعتراض عن هذا؟

 

ليس لي اعتراض، لكن دور اليهود على المستوى الخارجي ألا يعطيهم القوة للمطالبة بامتيازات أو أشياء أخرى داخليا؟

ليس لليهود بالمغرب بما يطالبون، هم يعيشون واقعهم إلى حد كبير ككل المغاربة، بينهم الفقير كما بينهم الغني، ولا أرى في ذلك خروجا عن واقع المجتمع المغربي وحقيقته، ولتأكيد ذلك لابد أن اليهود المغاربة وجدوا أنفسهم تحت ضغط عمل الحركة الصهيونية العالمية التي كانت تقدم الرحيل إلى إسرائيل كأفق وحيد للإنقاذ، وكحل اقتصادي لبؤس الجزء الأكثر فقرا من 270.000 يهودي مغربي، حيث هاجر حوالي 90.000 شخصا ما بين 1948 و 1956 .


لكن مع ذلك كان هناك أفق آخر أمام اليهود المغاربة وهو أفق النضال الوطني من أجل استقلال المغرب، فقام جزء من الطلبة والنقابيين والمدرسين اليهود بالاصطفاف إلى جانب الأحزاب الوطنية، "الحزب الشيوعي المغربي وحزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال"


لكن يجب التأكيد هنا على الدور السلبي الذي لعبه الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط على الأوضاع ، مما أدى إلى وقوع أحداث دامية ومعادية لليهود ، مثل تلك التي عرفتها وجدة وجرادة سنة 1948 ، والتي سقط فيها عدد من الضحايا، وقد استغلت السلطات الاستعمارية هذه الأحداث الدامية للقضاء على نقابات المناجم واعتقال مسئوليها.


ثم جاء الاستقلال الذي سوف يمنح المواطنة الكاملة لليهود ، وذلك مع أول خطاب ألقاه محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى . قبل سنة 1956 ، كانت تهاجر إلى إسرائيل الفئات الأكثر فقرا من اليهود : منهم ضعفاء عاديين، وكذلك ضعفاء جدد كانوا ضحايا بشكل أو بآخر للتغيرات الاقتصادية التي أحدثها الاستعمار، مثلا هناك بعض الحرف التي اضمحلت نهائيا مثل الصرافة ، وبعض التجار المتنقلين في أسواق البوادي ... الخ


وقد استطاعت بعض الأنشطة الاقتصادية التقليدية مواصلة جزء من نشاطها بفعل الحرب وانعدام استيراد المنتجات الصناعية من أوروبا.


لهذا فان عودة السلم كانت تعني بالنسبة لهذه الفئات العودة إلى الأزمة الخانقة التي عرفها الاقتصاد التقليدي قبل الحرب ، وهي أزمة لم يكن لها من مخرج في ميدان الاقتصاد ونقل البضائع والتجارة الصغيرة سوى اضمحلال الشبكات التقليدية للأنشطة الاقتصادية وتعويضها بأخرى عصرية، وغطت السلطات الاستعمارية الطرف في تلك الآونة عن أنشطة الحركة الصهيونية التي كانت تقوم بتخليصها من جزء من الرعايا اليهود ، وقد خلق ذلك جوا من التوتر غير المعلن بين المغاربة اليهود والمسلمين.
لكن بالرغم من هذا فإن أغلبية اليهود لم يكونوا يتصورون مستقبلهم في مكان آخر غير وطنهم المغرب . . وللإشارة فان عددا مهما من النقابيين كانوا يهودا ، في الوقت الذي كانت السياسة تقام بأشكال سرية مختلفة، وتدل على ذلك بطاقات المقاومين التي حصل عليها عدد من المناضلين اليهود المغاربة والأوسمة التي منحت لهم على عطائهم .وعرف بعضهم السجن مثل يوسف ليفي، والبعض الآخر تعرض للاعتقال بالدار البيضاء في أحداث دجنبر 1952 ، وبعضهم للنفي مثل: جرمان عياش و أبراهام السرفاتي.

 

تتحدثون عن العامة، في حين أتحدث نوعيا وأساسا عن النخبة التي يمكن أن تلعب دورا سياسيا معينا؟

سياسيا، معظم اليهود يعتمدون السلطان كمرجعية سياسية وإن كانت بعد الاستقلال إلى حدود اليوم العلاقة مع الأحزاب على غير ما يرام، ما عدا مع بعض الأقلية اليسارية.


لكن بعض اليهود المغاربة من المنتمين للأحزاب السياسية ومن غير المنتمين إلى عالم السياسة رفضوا الإذعان لهذا القهر، وكانت مناسبة الدفاع عن مغربية الصحراء فرصة سانحة ليعبر هؤلاء عن عمق وطنيتهم وعن انتمائهم للمغرب ، سواء في أرض الوطن أو في المهجر . وبدا اليهود يسترجعون شيئا فشيئا وضعيتهم كمواطنين مغاربة ويتبوءون مكانهم في الحياة السياسية وعبر الانتخابات سواء في الحكم أو في المعارضة القانونية أو الراديكالية ، وتم هذا بالرغم من العدد القليل لأعضاء الجماعة المتواجدين على أرض الوطن .


يوجد حاليا ، حوالي مليون يهودي مغربي عبر العالم منهم جماعة صغيرة بالمغرب حية ونشيطة، وأصبحت جماعات اليهود المغاربة عبر العالم يفتخرون بالقول " نحن اليهود المغاربة لم نطرد أبدا من وطننا الأصلي ، مثلنا مثل الأربعة ملايين من المغاربة المسلمين المهاجرين ، نرجع إلى وطننا كلما أردنا ذلك لنلتقي بأهلنا وجماعتنا الأم " هذه هي العولمة وفعلا هذا صحيح، فعدد سكان المغرب مر في نصف قرن من 8 إلى 30 مليون نسمة منهم 5 ملايين في بقاع الدنيا، وهم يهودا ومسلمين يبقون بشكل من الأشكال مغاربة يحملون جزءا من طريقة عيشنا ويحفظون في قلوبهم حبهم الدائم لبلد لم يترك لديهم في نهاية المطاف سوى ذكرى إيجابية مفعمة بالعواطف الصادقة.

 

ما هو الثقل الاقتصادي لليهود المغاربة؟

الآن ليس هناك ما يمكن تسميته بثقل اقتصادي يهودي، فمعظم أغنياء المغرب ليسوا يهودا، كما أن هناك الكثير من اليهود المغاربة فقراء جدا كغيرهم من المواطنين، وإن شئت معرفة الأهمية الاقتصادية لليهود المغاربة، لابد من العودة إلى بعض الحيثيات التي لعب من خلالها اليهود دورا مهما على هذا المستوى، حيث كان التخصص المهني بالمغرب القديم و الدور التاريخي للأقلية اليهودية.


كان المجتمع المغربي خصوصا في المناطق البدوية يتوفر على تنظيم قبلي، قبل دخول الرأسمالية الاستعمارية، وقد كان أعضاء القبيلة يمارسون نشاطاتهم المهنية في الزراعة أو الرعي تاركين للجماعة اليهودية أنشطة الصناعة التقليدية اليدوية "الحدادة والخياطة و السكافة"، في المدن فقد كان اليهود يشكلون عموما 10 في المائة من السكان وفي بعض الحالات كالصويرة وصفروا ودبدو كان عددهم يصل إلى 50 في المائة فأكثر. وقد كانوا متخصصين في حرف معينة "الصياغة وضرب العملة والخياطة والصفيح والأفرشة " أو في التجارة "ممثلين لدور التجارة الأجنبية أو الصرافة و المعاملات البنكية و النقل...". كانت هاته التخصصات نتيجة لتقليد ترسخ عبر العصور، وقد دخلت بعض الحرف المذكورة أعلاه في أزمة خانقة أدت بها إلى الاضمحلال في فترة الحماية، ولعل اختفاء الصيارفة في كل مدن المغرب باستثناء طنجة ، وبعض شبكات نقل البضائع ، هما المثالان الأكثر وضوحا في هذا الباب، أما صناعة الخيط المذهب " الصقلي " المغربي فقد دخلت في أزمة خانقة بعدما سمحت سلطات الحماية بدخول الصقلي الصناعي للسوق المغربية في سنة 1936، فقد أسقط هذا القرار جزءا من سكان ملاح مدينة فاس في حالة من البؤس الكبير .


وقد تزايدت في هذا السياق البطالة بموازاة مع تزايد عدد السكان، ولم يكن ظهور حرف جديدة كافيا لتعويض اختفاء المهن القديمة .

أسبوعية المشعل المغربية

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات