مواضيع اليوم

هل وردت السلفية في القرآن والسنة ؟

إبراهيم أبو عواد

2013-12-25 19:00:29

0

 هل وردت السلفية في القرآن والسنة ؟

 

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

 

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

 

.....................................

 

     لنرجع إلى كلمة " السلف " ومعناها اللغوي . ( سَلَفَ ) _ سُلُوفاً ، وسَلَفاً : تَقَدّم وسبق ومضى وانقضى ، فهو سالف [انظر المعجم الوجيز ،مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ص 318 .] .

 

     ولنقم الآن باستعراض الجذر " سلف " ومشتقاته في الكتاب والسنة الصحيحة لنُكوِّن فهماً دقيقاً عن الأساس الفكري لبدعة السلفية النجدية البعيدة عن الكتاب والسنة الصحيحة .

     1) قال الله تعالى : ) فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن ربه فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ([ البقرة: 275] .

      ومعنى ) مَا سَلَفَ ( ما مضى . والآيةُ تتحدث عن أكل الربا . فأكلُ الربا قبل تحريمه معفو عنه ، فهو في حُكم الماضي . 

     قال الطبري في تفسيره ( 3/ 101 ) عن معنى ) فَلَهُ مَا سَلَفَ (  : (( ما أكل وأخذ فمضى قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك )) اهـ .

     وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 436 ) : (( قال سعيد بن جبير والسدي : ) فَلَهُ مَا سَلَفَ ( فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم )) اهـ .

     2) قال الله تعالى : ) وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ( [ النساء : 22] .

     ومعنى ) مَا قَدْ سَلَفَ ( ما قد مضى . فاللهُ تعالى عفا عما مضى في جاهليتهم ، حيث كانوا ينكحون ما نكح آباؤهم. وقال الطبري في تفسيره ( 3/ 659 ) : (( وعفا لهم عما سلف منهم في جاهليتهم وشِركهم من فعل ذلك )) اهـ .

     3) قال الله تعالى : ) وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ( [ النساء : 23] .

     ومعنى ) مَا قَدْ سَلَفَ ( ما قد مضى . والآيةُ تتحدث عن حُرمة الجمع بين الأختين ، ومَن فَعلَ ذلك فيما مضى ( الجاهلية ) ، فقد تجاوزَ اللهُ عنه ، وعفا عنه . 

     قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 2/ 90 ) : (( أي وحُرِّم عليكم الجمع بين الأختين معاً في النكاح إلا ما كان منكم في الجاهلية فقد عفا الله عنه )) اهـ .

     4) قال الله تعالى : ) عَفَا اللهُ عَما سَلَفَ ( [ المائدة : 95] .

     والمعنى : عفا اللهُ عما مضى وانقضى ، فلا يؤاخذكم به .

     5) قال الله تعالى : ) قُل للذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم ما قَدْ سَلَفَ ( [ الأنفال : 38] .

     والمعنى : أن الكافرين إذا انتهوا عن كفرهم وضلالهم وأسلموا ، فإن الله يغفر لهم ما مضى أيام كفرهم ، ويتجاوز عنهم ، فالإسلام يَجُبّ ما قَبْله ، أي : يَمحوه .   

     6) قال الله تعالى : ) هُنَالِكَ تَبْلُوا كُل نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ ( [ يُونُس : 30] .

     فكل نَفْسٍ تَعلم ما سلفَ من عملها ، أي ما قَدّمَتْه من خير أو شر .

     قال القرطبي في تفسيره ( 8/ 301 ): (( تختبر كل نفس ما أسلفت أي جزاء ما عملت وقَدّمتْ )) اهـ . وقال ابن كثير ( 2/ 546 ) : (( في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر )) اهـ .

     7) قال الله تعالى : ) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيامِ الْخَالِيَةِ ( [ الحاقة : 24] .

     ) أَسْلَفْتُمْ ( ، أي : قَدمْتُم في الأيام الماضية ( أيام الدنيا ) . 

     قال القرطبي في تفسيره ( 18/ 236 ): (( ) بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيامِ الْخَالِيَةِ ( ، أي قدمتم في أيام الدنيا )) اهـ .

     8) قال الله تعالى : ) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخِرِين ( [ الزخرف : 56] .

     إن اللهَ تعالى قد جعلهم عِبرةً لمن جاءَ بعدهم ، ومَثَلاً يَعتبرون به لئلا يُصيب المتأخرين ما أصاب المتقدِّمين   ( السلف ) من العذاب .

     قال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 165 ) : (( قال أبو مجلز : سَلَفاً لمثل من عمل بعملهم، وقال هو ومجاهد: ومثلاً أي عِبرة لمن بعدهم )) اهـ .

     هذه الآيات الشريفةُ هي التي وَردت في القرآن الكريم ، وتتضمن كلمة " سلف " وما يتفرع عنها ، وهي واضحة لمن له أدنى معرفة باللغة العربية ، ومعناها واضحٌ في تحديد الفترة الزمنية السابقة الماضية لا تحديد مذهب إسلامي أو منهجية عَقَدية أصولية فقهية . فمعناها لا يخرج عن الإطار اللغوي المعروف . وعبثاً حاول البعض إخراج المعنى إلى المجال الديني ، فهذا مضاد لسياق الآيات الكريمة ، وقواعد اللغة العربية . والذين ينادون بما يسمونه السلفية ليس لهم أي حُجّة أو بَيِّنة من القرآن الكريم لتثبيت مصطلحهم البدعي وانتزاع الشرعية الدينية له ، فالقرآن الكريم أورد لفظة " سلف " وما يتفرع عنها ليُظهِر المعنى الزمني لهذه اللفظة وما يتفرع عنها ، فالمعنى القرآني حصرَ هذه اللفظة في المجال اللغوي فقط لا الديني أو التعبدي . فمن ينادون بهذه البدعة لا دليل لهم من القرآن الكريم ، والله تعالى أجل وأعلم . وأولئك الذين كوّنوا مذهباً بدعياً وأسموه السلفية مرجعهم في ذلك إلى أهوائهم ، فالسلف الصالح لم يكن لهم مذهب محدد لهم ، فالصحابة   _ رضوان الله عليهم _ اختلفت اجتهاداتهم ومذاهبهم ، والتابعون كذلك ، ومن تبعهم بإحسان كذلك ، والإسلام يتسع لاجتهادات مختلفة ويعترف بها ما دامت ضمن المنهج الإسلامي المبني على الكتاب والسنة الصحيحة .

     أمّا المعاني الواردة في السنة النبوية الشريفة حول لفظة السلف فمختصة بالمعنى اللغوي فحسب، وهو معنى التقدم والسبق دون وجود أية إشارة لمعنى ديني أو مذهب إسلامي . والذين لم يجدوا في القرآن الكريم ما يؤيد بدعتهم المذهبية انطقلوا إلى السنة النبوية فلم يجدوا سوى المعنى اللغوي المعروف في لغة العرب ، لكنهم احتجوا بهذا الحديث النبوي الذي يُعتبَر عمدتهم في هذا السياق بعد أن فهموه فهماً خاطئاً ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة الزهراء _ عليها السلام _ : (( فإني نِعْمَ السلف أنا لكِ )) .

[متفق عليه. البخاري( 5/ 2317 ) برقم ( 5928) ، ومسلم ( 4/ 1904 ) برقم (2450) .] .

     ومن العجيب أن يُحمَل هذا الحديث الشريف على شرعنة بدعة السلفية استناداً إلى فهم مغلوط لمعنى كلمة " السلف "، ولنعد إلى تفسير الحديث فقد قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 7 ) :     (( والسلف المتقدِّم ، ومعناه أنا متقدِّم قُدّامك فَتَرِدين عليّ )) .

     وقد تبيّن لك عدم وجود مرجعية من القرآن أو السنة لما يسمى بالسلفية ، فليست هي بأكثر من مذهب بدعي حزبي غير منقّح فلا أصول قاعدية معتمَدة له ولا فروع ، يستند إلى كثير من الأفكار المنحرِفة لابن تيمية قديماً ومحمد بن عبد الوهاب حديثاً ، ومن هنا كانت التسمية الحقيقية لهذه الفئة السلفية التيمية النجدية ، فابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب هم سَلَف من يقول بهذه البدعة، والأمر لا علاقة له بالسلف الصالح _ رضوان الله عليهم _ في كثير من الأمور التي يعتنقها من يسمون أنفسهم بالسلفية .   

     وفي هذا الصدد سنحاول فهم أهم العقائد والأفكار التي يعتنقها محمد بن عبد الوهاب ، وذلك من خلال نقد كتابه المسمى بالتوحيد ، علماً بأننا سننقد عقائد ابن تيمية في هذا الكتاب لاحقاً ، وبعض العقائد التي روّجها مجسِّمة الحنابلة الذين أساؤوا إلى الإمام أحمد وشَوّهوا مذهبه ، وصار _ للأسف _ لا يُقال حنبلي إلا قيل عنه مُجَسِّم ، بعد أن أداروا ظهورهم لعقائد الإمام أحمد المستقيمة المبنية وفق الأصول الشرعية ، وأكثر من يتحمل المسؤولية هو ابن تيمية لما له من الشهرة وسعة العِلم، حيث نشر عقائد التجسيم وكثير من العقائد المنحرِفة ونسبها إلى السلف الصالح وهم منها براء . وقد نقل الزمخشري في الكشاف ( 2/ 573 ) طبع مصر عام 1307 ما يؤيد تلوث الحنابلة بالتجسيم وانتشار ذلك بين العلماء فقال :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به        أكتمه  ، كتمانه لي أَسْلــمُ

وإن حنبلياً قلتُ قالوا بأنـني         ثَقيلٌ  حُلُولِي  بغيضٌ  مُجَسِّمُ

https://ar-ar.facebook.com/abuawwad1982

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !