يبدو أن الفرنسيين يتجهون نحو ترجمة فعلية للشعار الذي اختاره مرشح اليسار " فرانسوا هولاند" لحملته الإنتخابية، وذلك بعدما منحته صناديق الإقتراع في الدور الأول من الإنتخابات الرئاسية مقعد الصدارة بأكثر من 28 بالمئة من الأصوات المعبر عنها، ليتقدم على منافسه الأول الرئيس "نيكولا ساركوزي". هولاند الذي رفع شعار " التغيير الآن" أصبح قريبا من الفوز بمقعد الرئاسة و" إسقاط" ساركوزي الذي عرفت ولايته تراجعا كبيرا للنفوذ السياسي الفرنسي دوليا، كما شهدت على المستوى الداخلي عددا من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي جرت عليه سخط قطاعات كبيرة من المجتمع الفرنسي.
يمكن القول أن فرنسا " ساركوزي" فقدت الكثير من هيبتها الدولية التي اكتسبتها خلال عهد " جاك شيراك" خصوصا في ما يتعلق باستقلال قرارها السياسي في الملفات الدولية، فقد أصبحت سياساتها الخارجية متناغمة إلى حد بعيد مع الإرادة الأمريكية، وباتت فرنسا تلعب نفس الدور الذي لطالما عرفت به بريطانيا خلال العقود الأخيرة... كما أدت السياسات الإجتماعية التي انتهجتها إدارة " ساركوزي" إلى تفاقم المشكل الهوياتي الذي طفا إلى السطح من خلال الحركة الإحتجاجية الواسعة التي عرفتها ضواحي باريس في أبريل 2008 على خلفية مقتل مهاجر من أصول إفريقية عندما سقط في أحد الأنهارهربا من أفراد من الشرطة الذين كانوا يطاردونه في إطار محاربة الهجرة غير الشرعية. وهي الأحداث التي أججها التهميش الإقتصادي والإجتماعي الذي تعاني منه بعض الأحياء المحيطة بالعاصمة الفرنسية والمأهولة بالمهاجرين. وقد تحولت سياسات الحكومة الفرنسية المتشدة في ملف الهجرة إلى قضية رأي عام انقسم بشأنها الشارع الفرنسي، لكنها ساهمت في تنامي تيار اليمين المتطرف الذي تجلت قوته بوضوح في هذه الإنتخابات عندما استطاعت " مارين لوبين" زعيمة حزب " الجبهة الوطنية " الحصول على المرتبة الثالثة بنسبة 18 بالمئة من الأصوات. وهي نسبة تقترب من ضعف ما حصل عليه الحزب المذكور بقيادة عراب التطرف " جون ماري لوبين" في استحقاقات 2007.
أما على المستوى الإقتصادي والإجتماعي فقد تضررت فرنسا كثيرا في عهد الرئيس ساركوزي وارتفعت نسبة البطالة إلى أرقام قياسية،اقتربت من 10 بالمئة مع نهاية سنة 2011. حيث لم تفلح المبادرات التي قامت بها الحكومة من الحد من تأثير الأزمة الإقتصادية التي ضربت العالم بأسره خلال السنوات الأخيرة. كما أن اتجاه الحكومة نحو إعادة النظر في نظام الرعاية الإجتماعية خصوصا في ما يتعلق بالتعويض عن عدم الشغل زاد من مخاوف الفرنسيين. حيث يتجه ساركوزي في برنامجه إلى إصلاح جذري في هذا النظام من شأنه أن يهدد الأمن الإقتصادي لشريحة واسعة من المواطنين. ولابد أن يكون هذا التخوف حاسما في منح أغلب الأصوات في الجولة الثانية من الإنتخابات المقررة يوم 6 ماي المقبل لصالح المرشح اليساري الوفي للإختيارات الإجتماعية التي دأبت عليها سياسات الإشتراكيين الفرنسيين. وبالنظر إلى النتائج التي أسفر عنها الدور الأول فإنه من الواضح أن رهان ساركوزي سيتجه نحو استمالة أصوات اليمين المتطرف. وهو ماعبر عنه عندما قال " إن الوقت قد حان للاستماع لهذه الفئة من الفرنسيين". ولايبدو أن أصوات " الأزمة" كما سماها ساركوزي نفسه قادرة على إنقاذه من خسارة مقعد الرئاسة حتى ولو سلمنا جدلا بأنها ستكون لصالحه. وهو ما ليس مرجحا على كل حال لأن اليمين المتطرف يوجه نقدا لاذعا لسياسات ساركوزي. وقد لا يحظى إلا بنسبة محدودة من أصواته. أما الذين صوتوا للمرشحين الآخرين الخاسرين في الجولة الأولى فإنهم سيتجهون إلى دعم المرشح "هولاند" حسب أغلب التوقعات.
قد تكون فرنسا ابتداء من 06 ماي المقبل على موعد مع مرحلة جديدة يعود خلالها الإشتراكيون إلى السلطة بعدما فقدوا ثقة الناخبين منذ نهاية عهد " فرانسوا ميتران". ولابد أن نجاح " فرانسوا هولاند" المرتقب في الدور الثاني سيكون له تأثير بالغ على السياسات الفرنسية سواء في الداخل أو الخارج. فهل سيدفع ساركوزي ثمن أخطائه السياسية؟. واضح أن الأمر يسير في هذا الإتجاه: نهاية الساركوزية.. محمد مغوتي.24/04/2012.
التعليقات (0)