منذ استيلاء حرکة طالبان على الحکم في أفغانستان عام 1996، و لغاية سقوط دولتها الدينية في عام 2001، عاشت أفغانستان في شبه عزلة و کانت معظم دول العالم تتحاشاها و تتجنب الاعتراف بها و إقامة علاقات مختلفة معها ماعدا باکستان و المملکة العربية السعودية و دولة الامارات العربية المتحدة، والتي کان لکل واحدة منها شأن محدد مع هذه النظام السياسي المتطرف و المتخلف، لکن، في المقابل، لم تسعى أي من هذه الدول لإستخدام نفوذها و علاقاتها لدفع دول أخرى للإعتراف بدولة طالبان، مما کان يعطي إنطباعا بأن هذه الدول الثلاثة کانت تدرك خطورة تلميع و تجميل الوجه البشع لهذه الدولة الهمجية و التداعيات و الاحتمالات بالغة السلبية التي ستنجم عنها، ولذلك إکتفت بتأطير شرعيتها بين هذه الدول الثلاثة، لکن الجمهورية الاسلامية الايرانية التي کانت تراقب عن کثب الامور المتعلقة بدولة طالبان، نجحت کثيرا في الاستفادة من جهود تلك الدول الثلاثة و إستغلال عملية سقوط هذه الدولة على يد القوات الغربية المهاجمة بقيادة الولايات المتحدة الامريکية عام 2001، و وظفته لتقوية دورها في المنطقة و ترسيخ المزيد من دعائم نفوذها فيها، غير أنها و في الوقت الذي کانت تلعب دورا مميزا لإسقاط هذه الدولة، کانت في ذات الوقت تمد أياديها في الظلام لإقامة مايشبه علاقة"ميکافيلية"و"براغماتية" بمعنى الکلمة مع حرکة طالبان، کما فعلت نفس الشئ مع تنظيم القاعدة الارهابي و هي سعت و تسعى لإستخدام هذه العلاقة المشبوهة و الاجرامية من أجل مآرابها و أهدافها و أجندتها الخاصة، ويبدو واضحا أن رجال الدين الحاکمين في طهران، وجدوا أنه من مصلحتهم الخاصة أن تبقى الحرکتين(طالبان و القاعدة)، کسيف ديموقليس مسلطا على الغرب و المنطقة لإلهائهم بصراع طويل و مجهد و منفق معهما و ذلك"بحسب رأي النظام الديني المتطرف في طهران"، سوف يساهم بإشغالهم و إبتعادهم عنها الى حين، مثلما تدفعهم للتوجس من التورط بالمواجهة و المجابهة معها.
ولئن کان نظام ولاية الفقيه قد توفق في توظيف الحالة العراقية بعد سقوط نظام البعث العراقي لصالحه، فإن المسألة لم و لن تکون بتلك البساطة التي قد يتصورها البعض، ذلك أن هذا الدور الطائفي"المشبوه"للنظام الايراني في العراق و الذي يجعل من العراق مجرد بيدق يلعبه هذا النظام لصالح أجندته و أهدافه الخاصة و يحجم من دوره و تأثيره و يجعله محددا و مؤطرا بالکمية و الکيفية التي تشائها طهران، يعي المجتمع الدولي و يدرك تماما ان فکرة الهلال الشيعي المسيس و الذي تکمن قواعده و رکائزه الاساسية في عمق النظام الايراني، لن يتوقف مطلقا عند حد الهلال وانما ستکون المرحلة القادمة التي تلي ذلك تهديد الامن الاجتماعي لدول المنطقة من خلال إطلاق العنان لحملة تشيع مکثفة يجد النظام الايراني نفسه ملزما بها کواجب ديني و طائفي"مقدس"، وهو أمر بدأ النظام بالاعداد لنقله من مجرد نظرية الى عالم التطبيق، ولعل مافعله في دول عربية نظير السودان و مصر و تونس و المغرب، تعطي إنطباعا قويا بأن إبتدائه من هناك يخبئ بين ثناياه غايات في منتهى الخبث ، ذلك أنه لم يبدأ من دول الخليج المجاورة له"والتي هي استراتيجية بالنسبة للعالم برمته"، وانما بدأ من دول فقيرة نوعا ما و لها کثافة سکانية، ويبدو أن الخطة الايرانية تهدف الى محاصرة و خنق هذه الدولة بستار شيعي مسيس عقائديا تدفعها بالنتيجة الى أحضان إمبراطوريتها الدينية الشيعية"القادمة"، ويقينا أن هذا التصور ليس بمجرد فرضية او احتمال ثانوي، وانما هو جزء من مخطط استراتيجي خاص و بعيد المدى لهذا النظام وانه استفاد لحد الان من توظيف العامل الزمني لصالح وجوده و بقائه اولا و من ثم لصالح تنفيذ مخططاته ثانيا، وان النظام الديني المتطرف في طهران بهذا السياق"الاستراتيجي"، يختلف تماما الاختلاف عن دولة طالبان التي کانت اساسا محصورة ضمن حدودها الجغرافية و لاتعترف بها غير ثلاثة دول من بين دول العالم کله، إذ أن هذا النظام أثبت للعالم أجمع انه يشکل رقما صعبا في عملية صراع النفوذ و الادوار في المنطقة بشکل خاص، وانه لن يکتفي مطلقا بالبقاء في حالة معينة مثلما يرفض البقاء في إطار شبه ساکن و مستقر، لأن وجوده سوف يکون مهددا وان بقائه و استمرار وجوده کان و لايزال رهين بدوره في تصدير الارهاب و التطرف و إثارة القلق و عدم الاستقرار و تهديد الامن في المنطقة و العالم وهو بذلك يسعى لتقليد الدول العظمى في لعبة ترسيخ نفوذها من خلال سعيها بين مرحلة زمنية و اخرى لإعادة خلط الاوراق و رسم الخرائط خدمة لنفوذها، غير أن التقليد الايراني مشوه و غير آمن بالمرة ذلك أن الذي يخطط لذلك ليس اساسا برجل سياسة فعلي وانما هو مجرد رجل دين مهووس بالحالة الطائفية أساسا، وهو تماما مثل وضع زر صاروخ نووي بيد طفل!
ان مشکلة النظام الايراني المتطرف ليس مطلقا في إبرام إتفاق تقاسم نفوذ بينه و بين دول الغرب"کما يرى الکثير من الکتاب و المحللين في المنطقة و العالم"، وانما هو أبعد و أوسع من ذلك بکثير، وان کتاب الحکومة الاسلامية للخميني الذي هو اساسا نظرية ولاية الفقيه، لو بقي محصورا في الحدود الايرانية فإنه محکوم بزوال حتمي لامناص منه لأسباب مختلفة أهمها العمق الحضاري للشعب الايراني و الذي يرفض التحجم و البقاء اسير نظام ديني ينتزع منه کل مقومات الحرية و المدنية، ولذلك فإن استمرار وجوده و تکفيل اسباب بقائه مناط بتمدده السرطاني في المنطقة و العالم، وان التصادم الاکبر بين هذا النظام و العالم بصورة عامة و المنطقة بصورة خاصة لم يحصل بعد وانه في الطريق فيما لو خرج هذا النظام من المحنة الحالية بسلام و نجى برأسه من مقصلة التأريخ التي تقف له بالمرصاد.
التعليقات (0)