مواضيع اليوم

هل هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن ؟

 

                                       هل هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن ؟
 

هناك أحداث تقع ويمر الزمان.. لكن أحداثا معينة ينبغي ألا ندعها تمر دون تأملها وأخذ العبر منها، واليوم ألتقط حدثين مما طفا على ذاكرتي في لحظات تأمل وتفكر اقتنصتها من الزمن الصعب، فأبيت إلا أن أشيعها علها تجد من يواصل التأمل فيها وفي غيرها ليعيد للذاكرة ما أضاعه اليومي القذر، يوميات الخبز والبرد والطحين الذي يطحننا معه فلا نلتفت لبعضنا...
الحدث الأول كان حدثا رسميا شاع خبره وعلا في الآفاق، نظرا لطبيعته وخصوصيته، والحدث الثاني كان عملا في المستور وفي الظل.
أما الحدث الأول : أن يزور صاحب الجلالة الملك محمد السادس إقليم تاونات في يوم مطير ويقف جلالته في تحية العلم الوطني لحظات تاريخية مشهودة تحت أمطار الخير، وآلاف من المواطنين من سكان تاونات وما جاورها يقفون جميعا أمام هيبة الوطن والعلم الوطني يرفرف عاليا وشامخا، في مشهد يرسم أكثر من لوحة، ويكتب أبلغ رسالة لكل مسئول سولت له نفسه العزلة عن الناس وعن همومهم... أن يصر الملك نصره الله على لمس أيدي وأكف مواطنين بسطاء.. في لقاء مباشر والقلوب قبل الألسنة تلهج بالدعاء له بالتمكين والنصر والعزة.. في عفوية وتلقائية وحب.. أن يتم هذا اللقاء الحميمي بين شعب محب وملك محبوب دليل على أن هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن..
أما الحدث الثاني: منذ سنتين زار مجموعة من التلاميذ الذين يدرسون بمعهد جسور المعرفة بإقليم تاونات رفقة بعض أطرها، زاروا إحدى المدارس الإبتدائية الواقعة في عمق جبال جماعة بني وليد (مجموعة مدارس القلعة)، وذلك في يوم مطير ... وقام هؤلاء التلاميذ بتوزيع كمية كبيرة من الملابس والأغطية على تلاميذ تلك المدرسة النائية وباقي أطفال الدوار، في جو من التضامن والتآزر يعيد للذاكرة مغرب الثمانينات حين كان الأخ الأكبر يترك لأخيه الصغير كتبه وملابسه ولعبه وإن لم يوجد له أخ استفاد أبناء الجيران..
يمكن إدراج هذا السلوك البسيط ظاهريا في سلسلة الخدمات التي يقدمها المجتمع المدني لباقي أفراد المجتمع المعوزين، لكن هذا يصدق على مجتمع الكبار، أما أن يتبرع تلاميذ وسط حضري ببعض ألبستهم الصالحة ويتخلوا عن بعض أغطيتهم الدافئة ولعبهم المحببة فيسلمونها بحب لأطفال يعيشون في وسط قروي معزول لا يعرفون اللباس الجديد إلا في عيدي الفطر والأضحى ولا يشعرون بالدفء إلا في الصيف ولا يلعبون إلا بأشياء من صنع أيديهم... أن يتم اللقاء المباشر بين أطفال آباؤهم ينتمون لمهن المحاماة والطب والهندسة وموقع المسؤولية والقرار بأطفال آباؤهم يعيشون من مهن الفلاحة المعيشية والرعي والتجارة البسيطة في الأسواق الأسبوعية التي يحفل بها إقليم تاونات... أن يتم هذا اللقاء التاريخي الذي يشبه لقاء الشمال بالجنوب في لغة السياسة والمؤتمرات.. دليل على أن هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن.
والحدثان معا وقعا في جو مطير، طبعا لا مقارنة بين الحدثين، لكن أثارني المطر وما يوحي به مجرد النطق بهذه الكلمة من إحساس بالبرد والارتجاف والخوف والحاجة للدفء النفسي قبل المادي.. إحساس لا يعرفه إلا من جربه بل ذاقه وتجرعه.. وأنا أقرأ اليوم مقال الكاتب يوسف السطي (في موقع تاونات بريس) حول القافلة الطبية التي زارت المناطق النائية بإقليم تاونات وقامت بالفحوصات وتوزيع الأدوية والألبسة... استبشرت خيرا وقلت في نفسي: هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن..
ونحن مقبلون على دخول فصل الشتاء رسميا بحلول يوم 21 دجنبر 2010، وإن كنا هذا العام قد بدأناه مبكرا... أهمس، لا.. بل، ألتمس وأرجو من كل من يقدر على أن يفكر في أبناء هذا الوطن ألا يبخل "بتفكيره"، أن يمنحنا لحظة من وقته، ودفئه.. أبناء الفقراء في أمس الحاجة لمن يشعرهم بالدفء قبل العطاء المادي.. هناك، في كل مكان حولك من يحتاج لدفئك و"تفكيرك"... اصعدوا الجبال لتروا العجب... تلاميذ المدارس في أمس الحاجة لمن يدعمهم في تمدرسهم، بأحذيتهم المطاطية التي لا تقي بردا ولا طينا، بألبسة لم تعد بمقاس أحجامهم قد زخرفتها إبرة أم أو أخت.. أما الطعام... فأغلب المطاعم المدرسية –خلال هذه الفترة- قد نفذ مخزونها وتنتظر الدفعة الثانية من الإطعام المدرسي الذي لايكفي، مع أنه "تفكير في أبناء هذا الوطن"..
لقد أنعم ملك الفقراء نصره الله على تلاميذ جماعات عدة من إقليم تاونات في زيارته التاريخية بسيارت نقل مدرسي وإطعام وإسكان... وأكرم نصره الله سكان تلك المناطق بعتاد طبي مشرف جدا..، فضلا عن الدفء النفسي والعاطفي الذي أغدقه جلالته على جهات الإقليم..
لقد خففت القافلة الطبية التي نظمتها عمالة تاونات مؤخرا وطأة الشتاء على مناطق عدة من إقليم تاونات وأبنائها..
لقد ساعد تلاميذ معهد جسور المعرفة بإقليم تاونات إخوتهم في الإنسانية من أطفال دواوير جبال بني وليد وغيرها.
وآخرون في الظل يقومون بمبادرات فردية مستورة يفكرون من خلالها في أبناء هذا الوطن..
فصل المطر قد طرق الأبواب.. والصقيع والبرد قادم بدرجة ملحوظة ومتزايدة.. وأطفال المناطق الجبلية لا يعرفون أسواق "الخردة" من اللباس الذي تكتض به المدن وبأسعار زهيدة.. وخزانات ودواليب ألبسة أطفال المناطق الحضرية لم تعد تحتمل المزيد من اللباس الإضافي والاحتياطي استعدادا لفصل المطر.. بينما الأطفال الفقراء في الجبال ما زالوا يلبسون لباس الصيف، ليس لأن أنهم يرغبون في ذلك، بل لأنهم لا يملكون لباسا خاصا بفصل البرد والمطر... فهل هناك من يفكر في أبناء هذا الوطن.؟
توقيع: ذ خالد التوزاني   Touzani79@hotmail.com  

ملاحظة: نشر المقال بمواقع عدة منها موقع تاونات بريس ودفاتر وغيرهما




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات