إن بحثي قد انصب دائما على النجاعة التاريخية للتراث و مدى اسهامه في بناء الحضارة الإنسانية الراهنة ... أما بحثك فالظاهر أنه قد انصب على أهمية التراث في حياة الشعوب... و الفرق شاسع جدا .. "فالقيمة المعينة " للتراث الذي كنت قد أشرت إليها أنت لا تخرج عن إطار التسلية
و الإخبار بما كان يعيشه شعب من الشعوب ... فإذا ما أراد عالم تطوير صاروخ حربي مثلا في العصر الحديث فهل يهمه مثلا معرفة كيف كان أجداده يحاربون ؟ حتما سينصب اهتمامه على معرفة آخر ما توصل إليه العقل البشري في هذا النوع من الصناعات الحربية و سيصبح خبر الآلات العسكرية التي وظفها الأجداد في حروبهم من قبيل التسلية لا غير... ؟ فالمنجز الحضاري المستقبلي لأي أمة إنما ينطلق دائما و أبدا من المنجز الحضاري الإنساني الراهن و ليس من المنجز الحضاري الإنساني القديم.
"أما النصوص القرآنية و ما قدمه الأولون من تفسيرات و ما استنبطوه من أحكام .. فإنها يا سيدي الفاضل من أرقى ما وصل إلينا من فكر و حضارة و تمازج عقلي بين الأمر الإلهي و الفهم و الإدراك الإنساني." ؟؟؟ - كلام أبو فانوس –
و أنا أقول لك سيدي الكريم : إن آيات القرآن المجيد ما هي إلا بصائر للناس و هدى و رحمة للعالمين ... و معايير يعير الله بها سلوك عباده في هذه الحياة الدنيا و سيحاسبون طبقا لتلك المعايير يوم يقوم الناس لرب العالمين...
فما الذي يهمني : كيف أبصر أبو حنيفة القمر في عصره و هل زاد ذلك في إيمانه أم لا ؟ أم أن إعجابه بالقمر جعله يشرك بالله و يتخذ من الشمس و القمر و النجوم ... آلهة له يسجد لها من دون الله ؟؟
و ما الذي يهمني من صلاته و صيامه و قيامه ؟ هل كانت حسب ما يرضي الله أم كانت عباداته جالبة لنقمة الله ...؟ أنا أملك كل المعايير الصحيحة لمختلف أنواع السلوك البشري في كتاب معجز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ... فما الذي يهمني من حكايات متناقضة ، متضاربة ... تصور لي زيدا ملاكا حينا و شيطانا مريدا أحيانا أخرى ... فكما قال الله عز وجل في محكم آياته " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون ". فالله الذي يهمني رضاه و غضبه قد أنزل لي من الآيات البينات التي توضح لي " كل ما يرضيه و كل ما يغضبه ".
إن التراث الإسلامي / التراث الإنساني هو الذي لا يزال يقف حجرة عثرة أمام أي تقدم حضاري للعرب و المسلمين في العصر الحديث.. حتى إننا لا نزال " نعتمد على الغرب من الإبرة إلى الصاروخ " كما صرح أحد دراويش الإسلام .
بل إن التراث الفقهي و الذي كنت قد أشرت إليه أنت بأنه " أرقى ما وصل إلينا من فكر"
هو الذي لا يزال يساهم بقسطه في تقسيم واقع العرب و المسلمين الراهن إلى فرق و أحزاب متناحرة ، و دويلات ضعيفة متخلفة على كل الأصعدة الحضارية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية و غيرها ، مما جعلنا أضعف الأمم على الإطلاق في العصر الحديث و أكثرها تخلفا حضاريا ... كما أن هذا الفقه هو الذي لا يزال يفرخ مهازل رجال الدين في عصرنا الحاضر و فتاويهم التي حولتنا إلى أضحوكة العالم المتقدم .. ؟؟ و تقبل اعتذاري لتأخري في الرد على مداخلتك. أخوك : محمد بن عمر – تونس
التعليقات (0)