الحمد لله الذي أنعم علي بنعمة عدم زيارة ليبيا لمدة اربعة عقود تقريبا وحتى الأن ،عشت فيها منفيا مخيرا ولست مجبرا تجنبا من التعامل مع فئة جاهلة ضالة من حكام العسكر الذين زرعهم الأستعمار من وراء ستار لأهدار ثروة ليبيا حتى لا تكون في ليبيا دولة عربية متحضرة تخدم شعبها وأمتها في أهم موقع إستراتيجي في العالم قلب بحر الابيض المتوسط مهد حضارات الأنسان ومنفذ العالم إلى افريقيا القارة الخام المليئة بالثروات . والحمد لله إني لم أعرف شخصا واحدا مما كا نوا يسمون بأعضاء مجلس الثورة أو الضباط الأحرار أوأعضاء اللجان الثورية . كان يوم الواحد من ستمبر1969 يوم شؤم وحزن لليبيين جميعا قامت فيه فئة ضالة من ضباط الجيش الليبي الفتي الذي أعدته وسلحته حكومات الادريس ليكون درعا لليبيا وتقدمها وحضارتها فاستخدم لدمار ليبيا وخرابها . أذكر ذلك اليوم المشئوم الذي إستيقضنا فيه على تهريج البيان العسكري وعلى السلاح يملأ شوارع مدن ليبيا الأمنة الهادئة . لقد كان الأنقلاب مخططا بدقة من خبراء الدول التي لا تريد الخير لليبيا وبترتيب من إسرائيل ، فتم في سرعة وبهدوء وسخرت له كل الفرص والأمكانيات لنجاحه . لم يكن أحد في ليبيا يتخيل أن تسخر إسرائيل أحد أبنائها اللقطاء المحسوب على الليبيين ليكون زعيم الأنقلاب وحاكم ليبيا لفترة 42 عاما كاملة . لقد سخرت للأنقلاب خبرات رجال المخابرات في مصر والعراق و الدول الغربية فتوالت أحداثه على نسق منظم ومرتب . كان المخطط هو ألقاء القبض على كل المسئولين الحاليين والسابقين كل الوزراء ووكلاء الوزارات والمدراء وضباط الجيش ورجال الامن من درجة مقدم فما فوق ومساعدي هؤلاء جميعا من صغار الموظفين والضباط بحيت تتعطل أعمال الحكومة تعطيلا كاملا ، وتحل إدارة جديدة لا علاقة لها بالماضي ، ورسم سياسة الحكومة كما يشاء ضباط الثورة وإختيار العناصر المعروفة بعدائها للحكم الملكي والخونة المرتدين من الحكم الملكي . وقام ضباط الأنقلاب المجرمين برمي كل المسئولين في العهد الملكي ومساعديهم جميعا دون رحمة ودون مراعاة لصحة كبار السن منهم في أوسخ سجون البلاد مع المجرمين واللصوص والقتلة . ففي طرابلس رموا بهذه الفئات جميعها في سجن بورتا بينيتوا الذي بناه زعيم الفاشيشت الدكتاتور موسليني لليبيين تنكيلا وأنتقاما منهم والقضاء على أية مقاومة لحكمه لليبيا . رأيت شيوخ ليبيا وعلمائها وأعيانها وكبار السن يساقون إلى هذا السجن الوضيع بكل قسوة لا تليق بالحيوانات ، وأمتهانا لحقوق الأنسان وكرامته. وأذكر بعض هؤلاء الضباط الأوغاد وهم يزوروننا في السجن ليضحكوا علينا وتجرأ من يسمى بعبد السلام جلود فجمعنا جميعا في ساحة السجن وأهاننا ووصفنا بالفجار المستهتيرين ومدمني الخمر وعشاق الصور العارية للعاهرات وكل الأوصاف الرديئة التي كانت تتمثل فيه ورفاقه . وكذلك عاملنا المسمى أحمد موسى الذي كان وزيرا للداخلية بنفس الأسلوب ونفس الطريقة وتوعدنا بالموت وبئس المصير . ولم يكن يعرف أن من أعان ظالما عليه سلط فبعد ثلاثة أشهر رمي به في السجن متهما بمحاولة الأنقلاب على الانقلابيين . وهكذا عومل رجال العهد الملكي جميعا وعذبوا نفسيا وصحيا ، ووضعوا في سجون رديئة كعلب السردين وخصص لكل سبعة منهم في حجرة مخصصة لسجين واحد ، يشربون من حنفيات المراحيض ويقضون حاجاتهم البشرية أمام أبصار وأسماع بعضهم البعض دون إحترام لمراكزهم الأجتماعية أو كبر سنهم أو مرضهم . وكان كل من يغمي عليه من شدة المرض ينقل إلى المستشفى ويعاد في نفس اليوم الى جنزانته بعد ساعات.
والشئ الذي كنا نستغربه كيف قبل شباب الجيش من الجنود والضباط معاملة مواطنيهم بهذه المعاملة الدنيئة . فلقد كانت الدعاية الناصرية وصوت العرب ورجال المخابرات من الدول المجاورة يصوروننا كخونة نستحق كل هذا . وقد إستمر السجناء في السجن شهورا وبعضهم سنينا والأخرون عشرات السنوات ، وقدم معظمهم ألى محكمة هزلية سميت بمحكمة الشعب , وأجبروننا جميعا على توقيع إقرارات بكل ما نملك من عقار ومال وقليل من كان منا يملك غير راتبه ، وأعتبروا من عندة مئات الدنانير في حسابه المصرفي رأسماليا مستغلا وحوكم بعض الوزراء وأرسلوا إلى السجون لفترات طويلة لمجرد أخذ علاوة 30 دينارا او سلفة 70 دينارا على حساب مرتباتهم . وعدل قانون تقاعد اصحاب المناصب العامة الذي يجيز لهذه الفئة تقاعدا كاملا مبكرا نظرا لطبيعة عملهم كما يعاملون في العالم المتحضر. كما حرمونا من مستحقات التقاعد وخدماتنا في الدولة بحجة إستلامنا لعلاوت سفرلم تسوى، ومعظمنا هاجر فقيرا أكتسب رزقه بكفاحه الشخصي ومؤهلاته . بالأضافة إلى الأهانات اليومية التي واجهناها وأضطررنا إلى غسل ثيابنا في السجن بأيديدنا والجنود ينظرون إلينا وبستهزئون بنا كأننا في حديقة الحيوانات ويتضاحكون ، ووزعت علينا صحون وأكواب وسخة من حديد يعلوها الصدأ لنتقلي فيها كالمتسولين ما يعطونه لنا ما يسمونه قهوة وشاي أو ما يطبخه السجناء المحترفين لنا من مكرونة وخبز في براميل كبيرة . وقد توفي في السجن بعض كبار السن مثل السادة محمود المنتصر وحامد العبيدي وسالم لطفي القاضسي ومحمد سيف النصر وغيرهم غابوا عن الذاكرة . وكان الكثير منا يتمنى الموت بدلا من هذه المعاملة المهينة . وبعد خروجنا من السجن أجبرونا على توقيع إقرارات بعدم القيام بأي عمل ضد الثورة أو معارضة سياستها وأوامرها التي تصدر إلينا , ومنعونا من الخروج من بيوتنا لشهور وسنوات حتى حضور جنازات أقاربنا كان الخروج لها بأذن من الجيش . ثم كانت معاملاتنا خارج السجن وزيارات رجال المخابرات لبيوتنا ومطالبتنا بتسليم أية جوازت سفر او أية وثائق بعد ما أخذوا كل أوراقنا الخاصة من بيوتنا يوم أخذنا الى السجون تحت الحراسة المسلحة وضاعت أوراقنا الخاصة وحتى شهاداتنا الدراسية حتى اليوم . وبمرور السنوات سمح لنا بالسفر وكانت معاملتنا في المطار كالكلاب لا توصف , فكنا نوقف عن السفر ونرجع أحيانا من المطار تعسفا وتعذيبا نفسيا ، وكان يطلب منا الوقوف أمام مدخل الطائرة حتى تراجع أوراقنا من جديد وأخذ الأذن لنا من جديد من المدعي العام لمحكمة الشعب للتأكد إننا غبر مطلوبين للمحاكمة . ورغم أن بعضنا لم يقدم لمحكمة الشعب إلا أننا جميعا خضعنا لتحقيق المدعي العام ومسائلته فيما قامنا به من أعمال . وعند طلب تأشبرة الخروج كانت الأستخبارات تطلب منا تعبئة أستمارات يضحك الأنسان من قرأتها مثلا من تعرف في الخارج ومن هم أصدقاؤك الأجانب وعلاقاتك وأي مكان في الخارج زرته من قبل وأين ستعيش وماذا تحب أو تكرة وتفاصيل حياتك وعائلتك . ومن إشتغل منا بعد ذلك في القطاع الخاص ، لأن العمل الحكومي كان محرما عليناألى الأبد ، كان معرضا للمتابعة من طرف المخابرات وزيارات رجال المخابرات في مكاتبنا يحملون بطاقات خاصة تتضمن أمرأ من وزير الداخلية يطلب من جميع الموظفين في الدولة أو القطاع الخاص تقديم أية معلومات يطلبها حاملوا هذه البطاقات ومن يخفي شيئا يتعرض لأقصى العقوبات مما شجعنا على الهروب للخارج وترك بلادنا وأقاربنا وأحبابنا وحتى حضور جنازات أمهتتنا وأباءنا وأقاربنا وأصدقائنا حرمنا منها. ومن عاش منا في الخارج كان يتابع من طرف المخابرات وفرض الرقابة عليه وفي بعض المراحل كان يتوقع الأغتيال في شوارع عواصم اوربا ، وكان الحصول على جواز سفر أو تمديد صلاحيته في الخارج مغامرة قد تعرضك لمشاكل لا تحصى وكان دخول القنصليات الليبية في الخارج تضحية خوفا أن لا تخرج منها حيا أو ميتا .
ذكرت أعلاه هذا النذر اليسيرمن بعض جوانب معاملة ضباط إنقلاب ستمبر لرجال العهد الملكي لمن لا يعرف ماذا حصل لنا وكيف تصرف هؤلاء المجرمين ضباط إنقلاب ستمبر مع ضحايهم الشرفاء الذين كانوا يخدمون بلادهم بأخلاص . وكان كل المسئولين من وزراء ومن في درجتهم يؤدون واجبهم في العهد الملكي ويعايشون الناس في حياتهم العادية دون حراسة شخصية في أعمالهم وفي بيوتهم ، وكان الناس يعاملونهم بأحترام ولا يوجد من يعاديهم أو يتهمهم وهم بين أيديهم في الشوارع وفي البيت . حتى رؤساء الحكومات وولي العهد لا يوجد من يحرس بيته أو تجواله سوى جندي غير مسلح أحيانا .
و قد شجعني على كتابة هذا التعليق معاملة رجال حكم الطاغية القذافي اليوم من طرف المجلس الأنتقالي وكتائب الثوار ، فأزلام القذافي ومسئولي عهده أطلق سراحهم ويعيشون في بدخ بألأموال التي نهبوها من أموال الشعب المحروم بالبلايين ويتمتعون بقصورهم ومزارعهم وسفرياتهم كأن شيئا لم يحدث . وقد أخبرني صديق كان مسافرا من طرابلس إلى إبطاليا هذا الأسبوع وقال لي لما كنت في مطار طرابلس فوجئت بأحد رؤساء اللجنة الشعبية العامة السابقين الذي عرف بالأخلاص للطاغية حتى أخر لحظة من عمره وكان يوجه النداءات ألى الثوارفي بنغازي للوقوف مع الطاغية في وسائل الأعلام في أواخر أيام الطاغية ، وهو يسافر بحرية بالطائرة يالدرجة الأولى من طرابلس وتفتح له حجرة الضيوف في المطار وكان هذا المسئول السابق يودع حتى سلم الطائرة . أهذا تصرف يليق بحكومة ثوار ثاروا على الطاغية وأزلامه ؟ وهل كان القذافي يقوم بقمع المواطنين الليبيين وقتلهم وسلب أمواملهم بمفرده واولاده . ؟ حتى أولاده وأزلامه الكبار تركوا يهربون خارج ليبيا بموافقة رسمية وعن قصد , ولا زالت الحكومة تعامل حكومات الدول التي إستضافتهم باحترام وتعاون عسكري وأقتصادي وثقافي وتقديم المساعدات ، حتى إستنكار مثل هذا العمل لم يقم به المجلس الأنتقالي بل وجد لهم رئيسه عذرا بأنها حالات إنسانية . و سواء كان ذلك بأرادة ليبية أوبإيعاز من جهات خارجية تورطت في صفقات ومؤامرات مع القذافي ونظامه فهو تهور وتفريط وخيانة لدماء الشهداء والثوار والشعب الليبي . الألاف من أزلام الطاغية الذين شاركوا في أي نشاط يدعم حكمه هو مجرمون يجب محاسبتهم وحرمانهم من كل حقوقهم السياسية لسنوات عديدة قادمة ، وتحديد حريتهم في السفر أو حتى الخروج من بيوتهم حتى تتبت براءتهم وهي نظرية ثورية نفذتها كل الثورات في العالم . أن الدعوة بأن ليبيا بلد صغير ونعرف بعضنا البعض وأن الصلح والعفو من شيمتنا خرافة و كلام يقال ترضية لأصحاب المصالح والمتسلطين في الدولة ومن أنصار القذافي الموزعين في كل دوائر الحكومة ومجالس السلطة . الصلح والعفو يتمان بين المواطنين العاديين الشرفاء الأبرياء من دماء الشهداء وليس مع أزلام القذافي وأنصاره ومن خدمه ودافع عن حكمه الملوثة بالدماء سواء كانوا افرادا أو قبائل أو مدنا باكملها ويجب أجتناب التعميم فالذي يجب أن يلاحق هو من أرتكب جريمة او نشاطا قمعيا أو خدم الطاغية ودافع عن حكمه الدكتاتوري بالبندقية أو بالقلم او بالقول . ولا يمكننا تقليد ما يجري في مصر وتونس من التصالح مع المسئولين السابقين في نظام مبارك وبن علي ، فالثورتان المصرية والتونيبة كانتا إنتقاضة اشعبية أنتهت بتسليم مبارك السلطة للمجلس العسكري للقوات المسلحة وهروب بن علي ألى الخارج وبقى النظام في كلا البلدين بكامله والجيش ورجال الأمن دون مساس باستتناء نفر قليل عرفوا بالفسادالسياسي والمالي المفضوح ، أما في ليبيا فقد حارب القذافي وأزلامه وانصاره وكتائبه ثوار ليبيا بقسوة وعنف لم يسجلا في التاريخ ولاحق الثوار منطقة منطقة ومدينة مدبنة وشارع شارع وزنقة زنقة وبيت بيت وفرد فرد كما توعد ولم تتوقف كتائبه وأنصاره وأزلامه عن ملاحقة الثوار وقتلهم دون رحمة حتى هزموا فأندسوا بين جماهير الشعب طلبا للحماية من قبائلهم وأنصارهم أمام أبصار وأسماع المجلس الأنتقالي والثوار الشباب الذين عاملوهم بالتصالح ووعدهم بالعفو عل جرائمهم . ومن فوض المجلس الأنتقالي بمثل هذا العمل المهين للثورة وخيانة لشهداء ثورة 17 فبراير ؟ . إننا لن نتصالح ولن نعفو حتى يحاسب كل أولاد القذافي وعائلته وأزلامه وأنصاره جميعا ورميهم في السجون وحرمانهم من كل حقوقهم السياسية والمدنية وكذلك نجزي الكافرين والمنافقين .
.
التعليقات (0)