مواضيع اليوم

هل نحن فعلاً نقتدي بالرسول الأكرم؟!

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 13:48:55

0

 

هل نحن فعلاً نقتدي بالرسول الأكرم ؟ !!

بقلم: سلمان عبد الأعلى

منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى رسوله الأكرم محمد بالرسالة الإسلامية، وكل من آمن بها ودخل تحت مظلتها - إلى يومنا هذا - يدعي الانتماء له والانتساب إليه، في فكره، في سيرته، في عبادته، وفي كل جوانب حياته، لأن الرسول الأكرم هو محور الرسالة ونموذجها الأمثل، فهو مؤسسها وهو خير من مثلها وعمل بها، ولهذا نرى الحث الإلهي في القرآن الكريم بالتأسي بالرسول الأكرم قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ الأحزاب21.

من هنا نجد أن المسلمين وعلى الرغم من اختلافاتهم يدعون الإقتداء برسول الله مع أنهم اختلفوا فيما بينهم حتى في أبسط الأمور وأوضحها، كالممارسات العبادية الظاهرية للرسول الأكرم كالصلاة مثلاً، إذ أنه مع كونه صلى الله عليه وآله موجود في وسط المسلمين ويصلي أمام أعيونهم في المسجد خمسة مرات يومياً على الأقل إلا أنهم قد اختلفوا بعده في كيفية صلاته، وكأنه لم يكن يصلي إلا سراً، فكل مذهب من المذاهب الإسلامية يعتقد بأنه يتعبد في صلاته بنفس الطريقة التي كان يؤديها رسول الله مع أن هناك عدة فروق بين كل مذهب وآخر في هذا الشأن، وهكذا شأن الكثير من القضايا والأمور الأخرى.

في الحقيقة لا أريد أن أطيل الحديث في هذه الخلافات التي بين المسلمين، فأنا لا أشك في أن غالبية المسلمين مخلصين في اعتقادهم بالإقتداء بالرسول في هذا المسألة، وإنما جاء ذكر مثال الصلاة لبيان الخلافات التي تقع بين مختلف المذاهب والأطراف والفئات والأفراد التي يكون فيها كل طرف يعتقد بأنه يقتدي برسول الله على الرغم من التعدد والاختلاف .. هذا من جانب.

ومن جانب آخر وهو الأهم، أنه إذا كان الفرد المسلم حريص على الإقتداء برسول الله ويتعب نفسه في سبيل ذلك حتى في المسائل والقضايا المختلف حولها، فمن باب أولى أن يكون حرصه على الإقتداء به في القضايا المتسالم حولها والمتفق عليها، فنحن ندرك بأن هناك في الشخصية النبوية معالم متفق عليها بين جميع المسلمين سنة وشيعة، وبين جميع الأطراف والتيارات والتوجهات داخل هذه المذاهب أيضاً، لذا من المفترض أن يكون التركيز عليها والاهتمام بها والحرص على الإقتداء به فيها أكثر من غيرها .

ومن المواطن التي أتفق عليها عموم المسلمين في شخصية الرسول الأكرم هي مكارم أخلاقه وعلو نفسه، وهذا ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. فالآية القرآنية الشريفة أكدت على مكارم أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على الرغم من كونه بحر متلاطم من الفضائل والكمالات اللامتناهية، ولكن التركيز والتأكيد القرآني على هذه الصفة يدلل على أنها السمة الأبرز في شخصيته، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم في مقولاته دائماً ما يحث ويركز على مكارم الأخلاق، ويروى عنه في حديث مشهور قوله: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وفي رواية أخرى قوله: ((الدين المعاملة)) وغيرها من الروايات الأخرى.

وهذا الأمر –أي مكارم الأخلاق- واضح وجلي حتى في سلوكياته وتصرفاته (سمة واضحة في شخصيته) وليس فقط في كلماته وما الرسالة الإسلامية التي أطلقها من مكة المكرمة وتحمل ما تحمل في سبيل إعلاء ذكرها إلا ثورة على الرذائل والمساوئ التي كانت موجودة في زمن الجاهلية، فالتعاليم المحمدية استبدلت وثارت على كل القيم السلبية في الجاهلية، من وأد البنات، وعبادة الأصنام .... وغيرها، حيث استبدلت بقيم إنسانية وبفضائل أخلاقية .

ولقد عرف رسول الله في ذلك الزمن المظلم وفي تلك الأجواء المشحونة والمليئة بالرذيلة بأنه صاحب الفضائل، وكان أهل الجاهلية يسمونه "بالصادق الأمين"، لأنه مورد ثقة عندهم قبل البعثة، فقد عرف بالصدق والأمانة وحسن الخلق قبل أن يأتي بالرسالة أو قبل أن يُعلنها، وقبل أن يؤكد ويحث الإسلام عليها، وفي هذا يقول الشهيد الصدر الأول كما ينقل عنه: ((نزل القرآن عملياً في سلوك الرسول صلى الله عليه وآله قبل أن ينزل نظرياً)).

ولهذا نتساءل ونقول: إذا كانت مكارم الأخلاق سمة واضحة وأساسية وبارزة في ملامح شخصية الرسول الأكرم – حيث أنها من الأمور المسلم بها والمتفق عليها بين جميع المسلمين - فلماذا نجد خطاباتنا واهتماماتنا لا تركز عليها بالشكل المطلوب على الرغم من أن شخصياتنا تفتقر إليها ؟؟

إننا وبصراحة لم نولي هذا الجانب حقه، ولم نعره العناية الكافية، فاهتمامنا به هزيل جداً، لأن أغلب اهتماماتنا تنصب على الجوانب التشريعية التفصيلية والجزئية البحتة في الحياة النبوية أو على الارتباطات والجوانب الغيبية كما هو ملاحظ من بعض خطبائنا .. إذ أنهم دائماً ما يتحدثون عن أمور مجهولة وغير واضحة، فتارة نراهم يتحدثون عن مقامات الرسول الأكرم، وتارة أخرى عن ما يسمونه بالأسرار النبوية، وثالثة عن المعاجز والكرامات وغيرها من العناوين التي تعتمد على الجانب الغيبي من حياة الرسول الأكرم والتي يعترف الكثير من هؤلاء الخطباء بأنهم يجهلونها ولا يعرفون حقيقتها، بل من المستحيل أن يتوصل أحد إليها كما يقول بعضهم .. ولكنهم مع ذلك نراهم يكررونها ويكثرون من تداولها !!

لهذا ينبغي أن نركز على الجوانب الواضحة والأساسية في الحياة النبوية (غير الإعجازية) حتى يمكننا الإقتداء به فيها، إذ كيف يمكننا أن نقتدي برسول الله في مقاماته الغيبية أو في أسرار شخصيته أو في معاجزه وكراماته ؟ !!

بالطبع بأننا لا نستطيع أن نقتدي به في هذه الأمور، وحتى من يتداولها ويُكثر من ذكرها يؤكد على هذه الحقيقة ولا ينكرها .. ولذلك كان من الأولى بنا أن نستعرض سيرته صلى الله عليه وآله وسلم بشكل طبيعي –إن صح التعبير- وغير إعجازي حتى يمكننا الإقتداء والتأسي به صلى الله عليه وآله، وهذا ما أكدته الآية القرآنية في قوله تعالى: ﴿ولكم في رسول الله أسوة حسنة﴾.إذ كيف يكون أسوة إلا في المواطن التي يمكننا فيها التأسي به، وهذا غير متاح أو غير واضح ومُتيسر إلا في الأمور غير الإعجازية، والتي أبرزها الجانب الأخلاقي الذي يؤكد عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾.

وعجباً من أولئك الذين يصرون على الاقتصار في حديثهم على النواحي الغيبية في الشخصية النبوية مع أنهم يؤكدون باستمرار بأنها أمور نجهلها ونحار فيها على حد تعبير بعضهم، ولكنهم مع ذلك يركزون عليها ويهملون الجوانب غير الإعجازية، وكأنهم إجتازوا مرحلة الإقتداء والتأسي به في أخلاقه بمراحل كبيرة ولذلك انتقلوا لما بعدها !

وإن من يدقق في سلوكيات بعض هؤلاء يجد العجب العجاب، إذ أنهم مع كونهم يتحدثون باستمرار عن معاجز الرسول الأكرم وكراماته ومقاماته الغيبية، إلا أنهم بعيدين كل البعد عن الشخصية النبوية في الجانب الأخلاقي، فأساليبهم وسلوكياتهم في كثير من الأحيان يغلب عليها القسوة وخشونة الطباع، والشدة والحدة، والغلظة والجلافة .. ناسين أو متناسين رأفة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ورحمته وتودده ومكارم أخلاقه التي هي محور رئيسي في رسالته وفي طريقة دعوته، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

فالرسول الأكرم هو رحمة من الله أو هو رحمة الله، ولهذا لا ينبغي أن يستغل اسمه تحت أي شعار أو هدف أو دعوة إذا كانت فاقدة للرحمة ولحسن الخلق، وللأسف أن بعض الذين يدعون الدعوة إلى الرسالة المحمدية لا يتركون طريقة ولا أسلوب إلا واتبعوها للوصول إلى أهدافهم، وكأنهم يؤمنون بمقولة: ((الغاية تبرر الوسيلة))، فنراهم يستخدمون القوة والإجبار، والإساءة والعنف بكافة أشكاله وأنواعه لمخالفيهم، ومع ذلك يدعون الإقتداء بالرسول الأكرم وبالتمسك بطريقته وبمنهاجه، مع أنهم لم يقتدوا به صلى الله عليه وآله في أسلوبه وفي طريقة دعوته، وكأنهم لم يسمعوا بقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً الرسول الأكرم في قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. سورة آل عمران أية 159 فإذا كان هذا وهو رسول الله، فكيف إذا بغيره ؟ !!

ولعلي لا أكون مخطئاً إذا قلت أن استعراض الحياة النبوية بجانبها الغيبي فقط هو مما أسهم في ابتعادنا عنه في حياتنا العملية، لأننا لا نستطيع أن نقتدي به في ارتباطاته الغيبية، ومن الصعب بل من المستحيل أن نصل إلى المراتب والارتباطات الغيبية للشخصية النبوية، ولهذا ينبغي التركيز على الجوانب الطبيعية غير الإعجازية لكي نستلهم منها الدروس والعبر لنقتدي به صلى الله عليه وآله في حياتنا، لأن هذا الأمر أوضح وأولى وأهم.

وحتى وإن حاول بعضنا الالتفات إلى الجوانب غير الإعجازية في الشخصية النبوية فإن إقتداءه به يكون بشكل ظاهري فقط، كأن يقتدي به في طريقة أكله، كأن يبدأ الطعام بالملح كما كان يفعل صلى الله عليه وآله وسلم، أو أن يظهر ويبرز لحيته ويهين شاربه كما ورد عنه صلى الله عليه وآله، أو أن يبكي على الإمام الحسين كما فعل في بعض الروايات، أو قد نراه يرغب بتعدد الزوجات ويدعي في ذلك الإقتداء بالرسول الأكرم .

وبعضنا نجده يتمسك ويقتدي برسول الله في لباسه ومظهره الخارجي، ولذلك نراه يرتدي العمامة والعباءة الرجالية ويصفها بأنها عمامة الرسول ولهذا هو حريص على ارتدائها إقتداءً بالرسول الأكرم، بل وصل الأمر ببعضهم من شدة حرصه على الإقتداء والارتباط بالرسول الأكرم أن أخذ يقلده ويقتدي به حتى في نوعية نعله التي يلبسها !!

وبعضنا الآخر نراه يدعي أنه يقتدي برسول الله ولكن إقتداءه إقتداء سلبي، حيث أنه يقوم بتعطيل كل شيء لم يرد فيه نص صريح عن الرسول صلى الله عليه وآله، فهو حريص على أن لا يفعل أي شيء لم يفعله الرسول الأكرم .. ولهذا نجده يُجيب على كل من يستنكر عليه هذا بكل بساطه بقوله : بأن هذا لم يرد عن النبي !!

إن صدق على ما ما ذكرناه سابقاً أنه إقتداء بالرسول فهو لا يعدوا كونه إقتداءً شكلياً ظاهرياً، لا يؤثر في السلوك ولا يتغلغل في أعماق الشخصية، فعلى فرض أن بعضنا كان يلبس فعلاً نفس عمامة الرسول وردائه، فإن هذا لن يغير منه شيئاً إلا إذا إتبع الرسول وسار على هداه فعلياً لا ظاهرياً، لأن عمامة الرسول لا تعطي العصمة ولا القداسة النبوية ولا تقدم ولا تأخر بحد ذاتها !!

للأسف بأننا مع كوننا نمتلك تفاصيل دقيقة عن حياة الرسول الأكرم إلا أننا لم نتمسك إلا ببعض الأمور الهامشية غير الأساسية والتي لا تلامس ولا ترتبط بشخصيته إلا بشكل سطحي وظاهري وهذا غير صحيح، فنحن لا نحتاج الرسول صلى الله عليه وآله في مظهره وشكله ولباسه وطريقة أكله وشربه، وإنما نحتاجه في أخلاقه وصفاته وعلمه وحكمته وصبره وجهاده وإصلاحه ورأفته ورحمته وطريقته وأسلوبه وتعامله ... وغيرها من الكمالات والصفات النبوية .

لذا علينا أن نعيد النظر في تعاطينا مع السيرة النبوية لكي نقتدي بها بشكل فعال لا بشكل ظاهري فقط، ولكن للأسف أننا نحب الإقتداء الشكلي فقط، وحتى من نراهم يتظاهرون بالإقتداء بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ويكثرون من ذكره ومن الاستشهاد بأقواله وبمواقفه، فإن كثيراً منهم يذكر ما يناسبه منها ليدعم بها آرائه أو أفعاله وتوجهاته، وهذا تبرير أكثر من كونه إتباع وإقتداء .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !