لا أحد ينكر أن فتوراً أصاب المواطن الفلسطيني في متابعته الإعلامية لملف المصالحة الفلسطينية، وربما يأتي عدم الاكتراث بهذا الملف الهام نتيجة تجاربه السابقة، حيث أعلن في أكثر من مناسبة بأن إنهاء الانقسام قاب قوسين أو أدنى ولم يتحقق أدنى شيء، وتعود ريما لعادتها القديمة.
في الجلسات المغلقة الكل يتحدث عكس ما يتحدث به أمام وسائل الإعلام، وهذا يعكس حالة من المجاملة السياسية، ولا نقول نفاقاً سياسياً، فكل طرف حريص على إنهاء الانقسام ، وكل طرف يستثمر تلك التصريحات خدمة لمصالحه الحزبية، فالرئيس عباس يستخدم المصالحة للضغط على المجتمع الدولي وإسرائيل لضمان استمرار تدفق المال على السلطة الفلسطينية، وحركة حماس ترى في استخدامها لهذا الخطاب هو إرضاء للراعي المصري، وإرضاء للمزاج العام الشعبي...الخ.
ولكن السؤال الأبرز لماذا لم تتحقق المصالحة...؟ وما هي أهم الصعوبات التي تحول دون تحقيقها على الأرض...؟
أعتقد أن هناك جملة من الأسباب الموضوعية التي تشكل حجر عثرة في وجه المصالحة وتتلخص في:
1- عقيدة الأجهزة الأمنية: لا أحد ينكر أن المجتمع الدولي ينفق مليارات الدولارات على السلطة الفلسطينية لسواد عيون قادتها، وإنما لدورها الوظيفي المتمثل بضمان أمن واستقرار إسرائيل وحلفائها في المنطقة، وأن عملية التنسيق الأمني هي صمام ديمومة واستمرار بقاء مؤسسات السلطة الفلسطينية على قيد الحياة، في المقابل حركة حماس وجماهيرها تريد أجهزة أمنية تقوم على عقيدة وطنية تشكل رافعة وحاضنة للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهذا أول تحدي لتطبيق المصالحة الفلسطينية، لأن أحلى الخيارين مر، فالأول فيه انتقاص للحقوق والثوابت الوطنية، بل خيانة وطنية، والثاني فيه حصار مالي واقتصادي قد يشل جميع مناحي الحياة في الضفة الغربية على وجه الخصوص لطبيعتها الجغرافية الحبيسة، وأيضاً قطاع غزة.
2- بنية النظام السياسي الفلسطيني: هناك متغير هام لم تأخذه قيادة الفصائل الفلسطينية، وهو قبول فلسطين دولة مراقب غير عضو، وانعكاس ذلك على بينية النظام السياسي الفلسطيني تحت الاحتلال، وعن تعامل نصوص الدستور والقانون الفلسطيني مع مؤسسات الدولة، وتعاطيها مع الاحتلال، وشكل المقاومة المتبعة التي يقرها الدستور الفلسطيني، وموقف الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي منها.
3- أزمة الثقة بين حركتي فتح وحماس: الكلام المعسول بين نخب الحركتين غير كاف، والثقة فيما بينهما تكاد تكون معدومة، وما يدلل على ذلك حرص الأطراف المعنية بكل حرف أو كلمة يتم صياغتها ضمن اتفاق المصالحة، وهذا دليل على أزمة الثقة، وغياب ثقافة العمل المشترك والتداول السلمي على السلطة، وهنا تجدر الإشارة بأن الانتخابات قد تكون حلاً جيداً ولكنها قد تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، من خلال عدم تسليم طرف من الأطراف للسلطة للطرف الآخر، أو العمل على تقويض تجربة الآخر كما حصل بعد الانتخابات التشريعية الثانية في يناير/2006م، وهنا سنكون على موعد مع مجهول.
لا أحد ينكر أهمية المصالحة الفلسطينية، وأنها باتت ضرورة لمجابهة غول الاستيطان والتهويد، ولإعادة القضية الفلسطينية لمكانتها الطبيعية، ولكن يجب أن تبنى المصالحة الفلسطينية على أساس سليم وضمن خطوات مدروسة، ولا تقتصر على المصافحات والكلمات المنمقة، وإنما ضمن خطوات عملية على الأرض، وضمن دراسات بحثية لقراءة المشهد من كل جوانبه حتى نصل بناء أركان الدولة الفلسطينية، لأنه في حال فشلت الفصائل في توقع سيناريوهات المستقبل، فإن ذلك سيعدم الثقة بين الأطراف وستخرج إسرائيل أكثر قوة، وستضعف مكانة القضية الفلسطينية اقليمياً ودولياً.
التعليقات (0)