كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب اندلاع انتفاضة ثالثة ضد إسرائيل، مما دفع مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو لوضع سيناريوهات للتعاطي مع هذا الخيار.
إن ما تتعرض له الضفة الغربية من استيطان وجدار فصل عنصري ابتلعا أكثر من نصف أراضيها، وحواجز عسكرية تفصل بين مدنها وقراها، وأوضاع اقتصادية سيئة، واعتقالات ومداهمات، واعتداءات متواصلة من قبل مليشيات المستوطنين ضد البشر والحجر والشجر، وأفق سياسي مغلق، وغلاء أسعار سببه اتفاقية باريس الاقتصادية، وهي اتفاقية سياسية وقعت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يتم بموجبها ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، كل ما سبق هي أسباب ومقومات كافية لانفجار الضفة الغربية في وجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وانطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة.
إسرائيل من جانبها رأت في الهبة الجماهيرية التي انطلقت في الضفة الغربية أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة أخطر من صواريخ المقاومة التي ضربت تل أبيب والقدس، لأنها كانت تراهن على نجاح الجنرال كيث دايتون بصناعة الفلسطيني الجديد، ومع لحظة خروجهم أدركت إسرائيل أن الفلسطيني الجديد على المقاس الغربي لم يعد له وجود، وأن الحس الثوري والنضالي لدى شباب الضفة الغربية لا يختلف عن الحس الثوري لدى الشباب الغزي، وأن مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة على ذلك باءت بالفشل.
ولكي تنجح الانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية لابد لها من ركائز هامة تتمثل فيما يلي:
أولاً: موقف السلطة الفلسطينية من خيار الانتفاضة الثالثة.
السلطة الفلسطينية تعيش أسوأ مراحلها، وهي لا تعرف ماذا تفعل أو ماذا تقول، وما يدلل على ذلك تصريح السيد محمود عباس لصحيفة هآرتس والذي جاء فيه "إذا لم يتحقق أي تقدم بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة "سأرفع سماعة الهاتف واتصل برئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وسأقول له "اجلس مكاني على هذا الكرسي واستلم المفاتيح وستكون أنت المسئول عن السلطة الوطنية". وهذا التصريح يعكس حجم التخبط الذي تعيشه القيادة الفلسطينية، فالرئيس عباس يتعامل مع كينونة السلطة وكأنها سيارة استأجرها ويريد أن يعيدها لمالكها، وهذا يناقض العقد الاجتماعي بين الرئيس والشعب، وهنا كان ينبغي على الرئيس عباس أن يعيد السلطة للشعب وفصائله، لتقود انتفاضة تتحمل من خلالها إسرائيل وحلفائها المسئولية الكاملة لإنكارهم الحقوق الفلسطينية.
ومن هنا فإن موقف السلطة الفلسطينية من خيار الانتفاضة بالغ الأهمية، بمعنى هل سستتبناها أم ستستثمرها كورقة للضغط على إسرائيل لتحسين شروط التفاوض في المستقبل، وخصوصاً بعد تصريحات صائب عريقات الأخيرة التي دعا فيها الجانب الإسرائيلي لاستئناف المفاوضات على أسس سليمة، من هنا ينبغي التوافق الوطني من قبل القيادات الوطنية والإسلامية على هذا الخيار، وأن توضع أهداف سياسية للانتفاضة يتعهد الجميع على تحقيقها مثل إنهاء الاحتلال على كل أراضي الدولة الفلسطينية.
ثانياً: مدى قدرة القيادات الفصائلية في حشد الجماهير الفلسطينية.
تعبئة الجماهير الفلسطينية بالضفة الغربية تحتاج لقيادات قوية تمتلك كاريزما تؤهلها لقيادة هذه الانتفاضة وتحمل أعبائها، والسير بها نحو تحقيق أهدافها الوطنية، وحشد الرأي العام العربي والإسلامي وأحرار العالم للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني وانتفاضته المشروعة.
خلاصة القول: لابد من إعادة اللحمة الوطنية بين شطري الوطن، والتوافق على إستراتيجية وطنية موحدة، تكون الانتفاضة الأداة الأبرز لانتزاع حقوقنا الوطنية من قبل الاحتلال، وأعتقد أن البيئة الإقليمية والدولية مناصرة لقضيتنا العادلة، وأن الانتفاضة الثالثة يجب أن تقوم على أساس ما تحقق من انجازات سياسية وعسكرية سواء ما أنجز في أروقة الأمم المتحدة بمنح فلسطين دولة مراقب غير عضو، وكذلك انتصار المقاومة في قطاع غزة وفرض شروطها في اتفاق التهدئة.
التعليقات (0)