ولكي نتمكن من الاجابة عن مدي تأثير الخطاب الديني في التوجه السياسي في الاستفتاء الأخير، هناك نقطتان محوريتان علي المحلل ان يلتفت اليهما، فاذا كنا قد اتفقنا ان الخطاب الديني الحالي قد استطاع ان ينفذ الي الغالبية العظمي ممن تأثروا بذلك الخطاب من باب الدفاع عن المادة الثانية من الدستور فإن من الواجب أن نبحث في السؤالين الآتيين أولا: ما هو مفهوم المادة الثانية عند أصحاب الخطاب الديني؟، ثانيا: ما هو مدي تطابق هذا المفهوم بين أولئك وغالبية الشعب المصري؟ وأنا هنا لا أستطيع أن أجد هذا التطابق كاملا أو حتي قريبا من الكمال، فالمفهوم السلفي للمادة الثانية من الدستور أنها المادة الوحيدة فوق الدستورية والتي يجب أن تتمحور حولها كل القوانين وباقي أجزاء الدستور وهم لا يلتفتون كثيرا لكلمة مبادئ التي تسبق الشريعة الإسلامية في المادة، وعلي هذا فهم يقرأونها الشريعة الإسلامية (وليس مبادئ الشريعة الإسلامية) هي المصدر الاساسي للتشريع وهم بهذا يحكمون النص وفقا لضوابط ورؤية كل فصيل منهم في كل مناحي الحياة سواء السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية، او غيرها وهم يغلبون هذه الرؤية علي اي علم او مصلحة، وربما استزاد البعض بأن يضع تصوره الشخصي فيما ليس فيه نص وربما تواضع البعض الآخر وترك الرأي فيه للمختصين والمشكلة هنا بالتأكيد ليست في النص ولكنها في الرؤية او المنهج الذي يتبعه كل فصيل والذي قد يتشدد بعضه او يتخفف البعض الآخر في بعض الأمور، ولكنهم في النهاية يتشبثون بآرائهم وبالعنف إن لزم الأمر.
والمشكلة أيضا أن الرؤية الواضحة والمنهج السائد في رأي أعلام التيار السلفي المهيمن علي الساحة هو منهج فقهاء الفكر الوهابي المستورد بحذافيره ـ حتي في طريقة كي الغطرة ـ ممن تعلم هؤلاء في مدارسهم وعلي ايدي علمائهم وبدون اعتبار للاختلافات العديدة بين المجتمعين وأولها غياب اصحاب الديانات الاخري من نسيج المجتمع السعودي وثانيها توفر ثروة البترول التي تكفل رفاهية المنع علي اوجه عدة من انشطة الحياة لا تتوفر للمجتمع المصري كثير العدد قليل الموارد غير البشرية.
هذا علي المستوي النظري، فماذا عن المستوي العملي وعلي مستوي الشارع؟ فبغض النظر عن القلة المتبعة والمتحمسة والتي توقف عمل العقل عند حدود فهم ما يلقي عليها من مشايخ هذه الطريقة فهناك الاغلبية التي تحكم العقل فيما يأتيها من خطاب وقد تتأثر بهذا التوجه او بغيره فيما لا يتعارض مع مصلحتها اولا واسلوب حياتها ثانيا، وهي مجموعة منفتحة علي الواقع والمتغيرات ويجمعها الرابط الوطني. وهؤلاء بالتأكيد قادرون علي ان يعطوا الغلبة للتوجه الذي يراعي لهما هذين الأمرين، المصلحة وأسلوب الحياة، وهذا بالتأكيد هو التحدي الحقيقي لكل من يحمل في صدره رغبة حقيقية في نهضة هذا الوطن.
التعليقات (0)