هل نحن حداثيون؟.
نحن نعيش زمن الحداثة. لكن، هل نصنع الحداثة؟. هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يتصدى له كل نقاش ثقافي يتعلق بالبحث في واقع الحال في مجتمعاتنا. و يكتسي السؤال أهميته بالنظر إلى طبيعة المواقف المتأصلة في ثقافتنا إزاء كل ما هو عقلي و إنساني و ثوري.
ليست الحداثة انتقالا من حياة الخيام في الصحراء إلى حياة الأبراج و ناطحات السحاب. ليست الحداثة تغييرا في وسائل التنقل و الإتصال من الناقة و الحمام الزاجل إلى أفخر أنواع السيارات و الطائرات و القطارات السريعة و شبكة الإنترنت. ليست الحداثة مجرد وسيلة للإستهلاك. إنها ثقافة مجتمعية وفلسفة في الحياة... لذلك فإن مشروعية السؤال يفرضها الواقع نفسه. لأننا نبدو مستهلكين لقيم الحداثة بشكل كبير في مستوياتها التقنية، لكننا نفتقر إلى الأدوات العقلية التي من شأنها أن تنقلنا فعليا إلى صنع الحداثة. وهذا هو الفرق الجوهري بيننا و بين الغرب. هناك تأسست قيم الحداثة على العقل و العقلانية، أما عندنا فمازالت قوى التقليد و الماضوية تعتبر العقل عدوا رئيسيا، وتستبعده من أية إمكانية للمشاركة في بناء مستقبل الإنسان. بل إن مفهوم الإنسان نفسه لم يتبلور عندنا بعد بدلالته الأنوارية. و مازالت سلاسل الماضي تحكم قبضتها على العقول، وتأبى أن تطلق سراحها، وذلك عبر تكفير الديموقراطية و العلمانية و مواثيق حقوق الإنسان و غيرها من أبجديات فلسفة الحداثة، بدعوى الحفاظ على الهوية و الخصوصية.
في أوربا و قبل الوعي بقيمة الحداثة، كانت عدة مؤشرات تؤسس لتغيير ما. لذلك يمكن القول أن الجذور الأولى للحداثة الغربية انطلقت منذ اكتشاف العالم الجديد من طرف " كريستوف كولومبوس " سنة 1492. و هي لسخرية التاريخ ذات السنة التي عرفت ما يسمى عندنا ب " سقوط الأندلس ". و بعد ذلك توالت المؤشرات مع الإنقلاب الفلكي الكوبرنيكي الذي مهد لتأسيس منظومة جديدة ( منظومة العلم الحديث )، و التي حولها الفيلسوف الفرنسي ديكارت في منهجه العقلي الصارم المؤسس على مقولة الكوجيطو إلى منظومة الذات و هي الأساس الفلسفي لفكر الحداثة.. وفي خضم هذه التطورات التي طالت مختلف الميادين، عرفت أوربا حركة فكرية رائدة شكلت انقلابا حقيقيا على الثوابت الكنسية. و قد كان الإنسان محور هذه الموجة الفكرية و عنوانها الأساسي، وهو ما يبرر تسميتها ب " الحركة الإنسية " التي شكلت النواة الأولى لبداية جديدة أدت إلى سقوط أصنام التقليد الكنسي و بزوغ فجر جديد أهل الغرب إلى تسلق مدارج التقدم و الإزدهار بشكل يثير الإعجاب و التقدير. في هذا الوقت كان العرب و المسلمون في غفلة عما يجري حولهم من تغيرات متسارعة، لأنهم كانوا منشغلين بشعر المديح و المجون و التغني بالبطولات الزائفة.
الحداثة إذن أسلوب حياة تمخض عبر تجارب و تراكمات فكرية أهلت الغرب ليكون موطنها بامتياز. وبما أن الفكر لا يعترف بالحدود الجغرافية فإن الطابع الكوني للعقل البشري يؤهل الجميع للإستفادة من التجارب الغربية. لكن الأمر لا يمكن أن يكون مجرد استنساخ لما حققه الآخرون، فالحداثة لا تنال بالمظاهر، إنها فكر تأسس على القطيعة مع تجربة الماضي في أوربا. وبذلك فقد نبتت في بيئة تراكمت خلالها الإنجازات بالشكل الذي جعلها ثقافة مجتمعية تتجلى في المعيش اليومي للإنسان الغربي... غير أن هذا الماضي مازال يحضر بكامل ثقله في وجداننا العام. و هو يجرنا إليه جرا عبر التفكير بآلياته و أدواته ، وعبر استدعائه باستمرار في كل شؤون الحياة، وذلك باسم تأويل محدد يراد له أن يكون التعبير الصحيح و الأوحد عن الفهم الديني. و هكذا لم ينجح المسلمون حتى الآن في بلوغ مدارك البدايات الضرورية التي من شأنها التأسيس للحداثة كما تحددت في أوربا مع الحركة الإنسية.
إننا نستهلك منتجات الحداثة لكننا أبدا لا نشارك في بناء صرح حضارة الحداثة. إذ لا وجود لأية مساهمة عربية أو إسلامية في العلم الحديث الذي تشكل داخل منظومة الذات الديكارتية. و هذا يعني أننا مازلنا لم نبرح بعد منظومة الموضوع السابقة. أي أننا نعيش خارج التاريخ . وفي أحسن الأحوال نتخلف عن ركب الحضارة الغربية بأكثر من ثلاثة قرون هي العمر الإفتراضي ( تجاوزا ) للحداثة. محمد مغوتي.29/11/2010.
التعليقات (0)