لاهاي، هولندا (CNN) -- يبدو أن زعيم حزب الحرية المتطرف في هولندا، غيرت ويلدرز، لن يوفر فرصة للتعبير عن تطرفه ومعاداته للأجانب والإسلام، رغم أن استطلاعات الرأي الهولندية كشفت تراجعاً في تأييد حزبه في أوساط الهولنديين، باستثناء زيادتها بين اليهود. ففي أحدث "مغامراته" المعادية للإسلام، اقتنص ويلدرز، خبراً لاذعاً تناقلته وسائل الإعلام السعودية حول إعادة عروس في العاشرة من عمرها إلى زوجها البالغ من العمر 80 عاماً، وطالب بمساءلة الحكومة حول هذه المسألة، وأساء كثيراً للرسول وتفوه بإهانات غير لائقة له. وطلب ويلدرز من وزير الخارجية الهولندي، مكسيم فريغاهين، توضيحاً بشأن حالة الزواج بين الثمانيني وابنة العشرة أعوام، التي قالت صحيفة "عرب تايمز" السعودية إنها هربت من بيت زوجها المسن، إلا أن والد الطفلة أعادها إليه. وطالب ويلدرز الوزير فريغاهين باستدعاء السفير السعودي للتعبير عن اشمئزازه، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الهولندية "داتش نيوز
arabic.cnn.com/2009/world/8/31/dutcj.wilders_prophet/index.html
يبرز هذا الخبر حقيقتين مهمتين أولاهما هو أن تدخل النائب الهولندي غير المفهوم وغير المبرر في شؤون قضائية لدولة أخرى مهما كانت , يثبت أن العلاقات الدولية لا تحكمها الأخلاق والعدل . فلم نرى من قبل أي دولة في العالم , أستدعت سفير أي دولة غربية شرعت زواج الرجل بالرجل أو المراة بالمرأة للتعبير عن تقززها وأشمئزازها من هذه القوانين والأحكام المبنية عليها . بالرغم من أن هذا الزواج أن لم يكن أكثر أجراما وبشاعة من تزويج القاصرات فهو لا يقل بشاعة عنه بأي حال من الأحوال .
وأذا كانت حجة الغربيين في ذلك هي أن الميثاق الدولي لحقوق الأنسان , لايجرم جريمتي اللواط والسحاق . فأن هذا دليل آخر على ما ذهبنا اليه وما ذهب اليه غيرنا , بأن هذا الميثاق قد كتبه الأقوياء وفرضوه على الضعفاء رغما عنهم . في تطبيق عملي لمقولة (( الدول القوية تفرض ثقافتها على الدول الضعيفة )) بغض النظر عن أخلاقية هذه الثقافة أو عدم أخلاقيتها .
وهذا يثبت بدوره أن الله عندما شرع للمسلمين الأستعداد بالقوة ما أستطاعوا , فليس لتقنين شريعة الغاب . بل لصد الأذى والقيم الفاسدة عن المؤمنين اولا , وثانيا للتدخل في رفع الظلم عن الشعوب المستظعفة بحكام ظلمة لايؤمنون بقيم السماء العادلة والرحيمة اللتي نزلت في التوراة والأنجيل والقرآن . تماما كما فعل رسول الله (صلواة الله وسلامه عليه) وخلفائه الراشدون . و كما تفعل الدول الغربية الآن , واللتي تتدخل في شؤون الدول عسكريا وسياسيا بحجة حقوق الأنسان . ولكن الفرق في الحالتين يكمن بالقرآن . ميثاق حقوق ألأنسان الأسمى والأعدل والأقوم من الميثاق الدولي الحديث . فهو يشتمل على فضائل الميثاق الدولي كلها دون أستثناء , ويضيف عليها فضائل غيرها لاتعد ولا تحصى . كما ويمنع كل رذيلة رضي بها هذا الميثاق اللذي كتبه العلمانيون تحت بند الحرية الشخصية .
ولكن عندما يكون حكام المسلمين أفسد وأظلم من الكفرة , فلا عجب أن الله يسلط عليهم هؤلاء الكفرة لتخليص الناس من ظلمهم . فهذا عهد قطعه رب العزة على نفسه حتى لا تفسد الأرض بالظلم ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ)) البقرة 251 . ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ َ)) الحج 40 .
هذا أولا . أما ثانيا فأن هذا الخبر يبرز أهمية وحتمية تنقية النصوص الدينية من أحاديث نبوية وأحاديث واحكام نقلت عن السلف . وكذلك أهمية فتح باب الأستنباط والأجتهاد بالنسبة للمذاهب اللتي أغلقت هذين البابين بحجج ما انزل الله بها من سلطان .
بالتأكيد أن القاضي السعودي قد بنى حكمه في هذه القضية على حديث جاء في البخاري يقول.
"حدثنى فروة بن أبى المغراء حدثنا على بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت: "تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة .. فأسلمتنى إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين".
يقول المفكر الأسلامي التنويري الكبير جمال البنا ( وهو اخ لحسن البنا مؤسس جمعية الأخوان المسلمين ) في هذا الموضوع مايلي .
((أن البعثة النبوية استمرت 13 عاماً فى مكة و10 أعوام بالمدينة، وكانت بدء البعثة بالتاريخ الميلادى عام 610، وكانت الهجرة للمدينة عام 623م أى بعد 13 عاماً ، وكانت وفاة النبى عام 633م والمفروض بهذا الخط المتفق عليه، أن الرسول (ص) تزوج عائشة قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أى فى عام 620م. وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحى، وكانت تبلغ من العمر 6 سنوات، ودخل بها فى نهاية العام الأول للهجرة أى فى نهاية عام 623م، وكانت تبلغ 9 سنوات، وذلك ما يعنى حسب التقويم الميلادى، أنها ولدت عام 614م، أى فى السنة الرابعة من بدء الوحى حسب رواية البخارى، وهذا وهم كبير.
ونقد الرواية تاريخياً بحساب عمر السيدة عائشة بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبى بكر ــ ذات النطاقين): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن أسماء كانت تكبر عائشة بـ10 سنوات. كما تروى ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها أن أسماء ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ 27 عاماً ما يعنى أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610م كان 14 سنة، وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة 13 سنة وهى سنوات الدعوة النبوية فى مكة، لأن ( 27 ـ 14 = 13 سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من عائشة بـ10 سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن عائشة كان 4 سنوات مع بدء البعثة النبوية فى مكة، أى أنها ولدت قبل بدء الوحى بـ ٤ سنوات كاملات، وذلك عام 606م.
ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة، أن الرسول عندما نكحها فى مكة فى العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها 14سنة، لأن (4 + 10 = 14 سنة) أو بمعنى آخر أن عائشة ولدت عام (606م) وتزوجت النبى سنة (620م) وهى فى عمر (14) سنة، وأنه كما ذكر بنى بها ـ دخل بها ـ بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أى فى نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية عام (624م) فيصبح عمرها آنذاك (14 + 3+ 1 = 18 سنة كاملة) وهى السن الحقيقية التى تزوج فيها النبى الكريم عائشة.
تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن أسماء توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهى مقتل ابنها عبدالله بن الزبير على يد الحجاج الطاغية الشهير، وذلك عام (73 هـ)، وكانت تبلغ من العمر (100) سنة كاملة، فلو قمنا بعملية طرح لعمر أسماء من عام وفاتها (73هـ) وهى تبلغ (100) سنة كاملة فيكون (100 ـ 73 = 27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كلياً مع عمرها المذكور فى المصادر التاريخية فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات، وهى السنوات التى تكبر فيها أختها عائشة يصبح عمر عائشة (27 ـ 10 = 17 سنة) وهو عمر عائشة حين الهجرة ولو بنى بها ـ دخل بها ـ النبى فى العام الأول يكون عمرها آنذاك (17 +1 = 18 سنة)، وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة عائشة عند الزواج من النبى. وما يعضد ذلك أيضا أن الطبرى يجزم بيقين فى كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد أبى بكر قد ولدوا فى الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمنى الصحيح ويكشف ضعف رواية البخارى، لأن عائشة بالفعل قد ولدت فى العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية)) .
بغض النظر عن آرائنا في أفكار البنا , ماذا كانت آراء الكثير من المسلمين حول هذا البحث العلمي والتاريخي ؟ .
لقد قرأت أستغاثات لا منتهية لتخليص المسلمين من أفكار هذا المفكر وأمثاله ممن يحاولون أثبات أن أمثال هذه الأحاديث لا تستقيم مع القرآن أولا ولا مع العلم والمنطق ثانيا . والمصيبة أن بعض هؤلاء اللذين انبروا لتكذيب البنا هم ممن يسمون انفسهم بالمثقفين والأزهريين .
فهل من المنطق أن نؤمن ونحن المسلمون بأن أعظم البشر على الأطلاق دخل على طفلة في الثامنة من عمرها فقط لأن حديثا كهذا قد ورد في البخاري ؟ . وهل أصبح البخاري أصدق من القرآن اللذي يصف رسول الله بأنه على خلق عظيم .
عندما نحترم كتاب الله ونحترم نبينا صلواة الله عليه وعلى آله وسلامه . وعندما لا نرضى على نبينا جرائم يشمئز حتى الكافر من القيام بها مثل هذه الجريمة ,وعندما نطبق آيات التراحم والتوادد بين المؤمنين , وعندما نفعل آيات الشورى اللتي تعطي الشعوب حق التحكم بمصائرها . عندها سوف لن نقع في مصائب مثل أحكام هذا القاضي اللذي أمر بأرجاع هذه الطفلة المرعوبة الى هذا الشيخ المسخ .
وألا فلنتوقع تدخل امم الأرض كلها في أمور قضائنا وحياتنا ليدفع الله الظالمين بالظالمين كما وعد في كتابه . مادام المؤمنون يغطون في سبات جهلهم العميق . ألا من رحم ربي .
التعليقات (0)