مرة أخرى تثبت الدول العظمى أن منطق المصالح والقوة ، هو القانون اللذي تسير عليه البشرية اليوم ، كما كانت تفعل منذ أن قتل قابيل هابيل ، وأن الكلام عن التطور البشري ومواثيق حقوق الأنسان وميثاق الأمم المتحدة.. كلها صياغات كلامية جهنمية تفتقت عنها أذهان الساسة ورجال القانون في الدول العظمى لتضمن لنفسها الغطاء القانوني والأخلاقي عندما تفترس الشعوب الضعيفة والغير قادرة على الدفاع عن نفسها كما تفترس الضباع ، الشاة الصغيرة .
لم تجدا روسيا والصين غضاضة من ترك الشعب السوري اللذي يعاني بطشاً وحشياً وأنتهاكاً مستمراً لآدميته وحقوقه الطبيعية فريسة للأسد على شعبه ، فأموال السلاح اللذي تبيعه له هاتين الدولتين العظمتين ، ورائحة النفط السوري ، أعمت عيون الساسة الروس والصينيين عن مناظر الأطفال اللتي تقتل ، وأزكمت أنوفهم عن رائحة الدم الطاهر اللذي يسيل أنهاراً على يد الشبيحة والجيش السوري البطل على شعبه !.
الحكومات الغربية اللتي أستشاطت غضباً من الفيتو المزدوج ، جائت ردات فعلها سريعة .
وزير الخرجية الفرنسي وصف يوم التصويت بانه يوم حزين في تاريخ الأمم المتحدة ، واعتبر المندوب الفرنسي ان اللجوء إلى الفيتو يظهر "ازدراء بالمصالح المشروعة التي يتم النضال من اجلها في سوريا" منذ بدء الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد .
وجاء في بيان اصدره وزير الخارجية الالماني "ان فشل الجهود التي بذلت لاصدار قرار حول سورية امر مؤسف حقا. لم يرق مجلس الامن لمسؤوليته في حفظ الامن والسلم في العالم."
أما الولايات المتحدة فقد عبرت عن غضبها على لسان المندوبة الامريكية لدى الامم المتحدة سوزان رايس اللتي قالت ان واشنطن "مستاءة جدا" لاسقاط مشروع القرار اللذي يدين الحكومة السورية بسبب استخدام الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) .
وانتقدت رايس ضمنا الصين وروسيا بالقول ان الدول المعارضة لمشروع القرار "تفضل بيع السلاح للنظام السوري" بدل دعم الحريات التي يطالب بها الشعب السوري .
الحقيقة أن الحق ماقالته رايس وما قاله المندوب الفرنسي والألماني ، ولكننا نتلهف أنتظاراً لمواقف وكلمات هؤلاء جميعاً عندما تدق ساعة الأمتحان لهذه المواقف المبدئية النبيلة ، عندما سيصوت العالم بنعم كبيرة لحق الفلسطينيين في العيش بكرامة وحرية في وطنهم اللذي أغتصبه الصهاينة بطريقة همجية ودموية لم يرى التأريخ مثيلا لها .
تعتزم مجرمة الحرب تسيبي ليفني زيارة بريطانيا في وقت لاحق من الاسبوع الجاري، وذلك بعد ان عدلت السلطات البريطانية قانون جرائم الحرب الذي كان يسمح باعتقال المسؤولين الصهاينة الذين يشتبه باقترافهم جرائم حرب في حال وصولهم الى الاراضي البريطانية .
وكان القضاء البريطاني قد اصدر في عام 2009 مذكرة القاء قبض بحق ليفني التي كانت تشغل منصب وزيرة خارجية اسرائيل ابان مجزرة غزة اواخر عام 2008 اللتي استخدم فيها الصهاينة من الأسلحة الوحشية ذات الدمار الشامل ، واللتي لم يستخدم مثلها حتى المجرمين بشار والقذافي .
نشرت الجارديان في وقت سابق رسالة وجهها نواب ولوردات ومحامون يعارضون فيها بشدة محاولة الحكومة اصدار مثل هذا القانون .
وجاء في الرسالة التي حملت تواقيع اكثر من 90 شخصية ان "بريطانيا لا يجب بأي شكل ان تتنازل عن التزامها بالاتفاقات الدولية في مجال ملاحقة المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وفق ما نصت عليه معاهدة جنيف الرابعة بغض النطر عن هوية او جنسية او منصب المشتبه بهم".
ودعت الرسالة الحكومة البريطانية الى عدم التأثر بالضغوط التي قد تمارسها عليها أي قوة خارجية تحثها على تغيير قانونها بشكل يمس باستقلالية القضاء.
ألا أن كل هذه الحواجز الأخلاقية والقانونية لم تمنع الحكومة البريطانية من تعديل القانون يوم أمس أرضاءً لمجرمي حرب الكيان الصهيوني ، لذا فأن التشاؤم لابد وأن يصبغ أي تبوء مسبق بما سيحدث في مجلس الأمن عندما سيصوت لنصرة الحق والأخلاق وحقوق الأنسان والعدالة اللتي تتمثل في طلب الفلسطينيين بوطن يضمهم ، أسوةً بشعوب العالم .
قالت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة عقب الفيتو الصيني الروسي . "اليوم يرى الشعب السوري الشجاع من في هذا المجلس يدعم رغبته في الحرية وحقوق الانسان، ومن لا يدعم"، في اشارة مبطنة الى موسكو وبكين .
لذا فأن على الولايات المتحدة أن تتذكر كلام مندوبتها رايس هذا عندما ستستخدم الفيتو لأحباط قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ، لأن حينها " سيرى الشعب الفلسطيني الشجاع من في هذا المجلس يدعم رغبته في الحرية وحقوق الانسان ، ومن لا يدعم " .
كما سترى البشرية أنها لازالت تحتكم الى قانون الغاب ، بالرغم من كل قوانين ومواثيق حقوق الأنسان اللتي يأكل بموجبها القوي الضعيف عندما تواتيه الفرصة .
التعليقات (0)