هل مصر بحاجة إلى ديمقراطية
.. عندما خرجت مجموعات من الشباب المصري المثقف في الخامس والعشرين من يناير في تظاهرات, كانت شعاراتهم التي يطالبون بها هي (عيش حرية عدالة اجتماعية).
لم يهتف أحد مطالباً بديمقراطية, لا حينها ولا بعدها حتى سقط مبارك, ولكن بعد تنحية مبارك رفعت كل الجماعات والتجمعات والأحزاب السياسية وكل من (هب ودب) كما نقول بالمصري, راية الديمقراطية خفاقة عالية في سباق محموم لإعلاء شأنها, أي والله شأن الديمقراطية, وظلت تعلو وتعلو حتى وصلت إلى مستوى الأعناق وأدارت الديمقراطية رحاها لترفع أعناق وتطيح بأعناق أخري.
ومن المضحكات المبكيات للديمقراطية المصرية, نجد أن كبار مشايخ السلفية المصرية بادئ ذي بدء, لم يداروا أو يخفوا رأيهم في الديمقراطية بكونها (كفر بواح) فالديمقراطية تعني حكم الشعب, وما الحكم إلا لله (طبقاً لرؤيتهم) إذا فهي كفر بالله, ثم مالبثوا حتى أصبح لهم حزب سياسي وخاضوا الانتخابات البرلمانية بالديمقراطية وحصدوا نسبة كبيرة من مقاعده!!!!
وجماعة الاخوان المسلمون تركت الميدان وهرعت إلى الشارع وتمكنت من إقناع رجل الشارع بأنها وحدها من تستطع قيادة قاطرة الديمقراطية وحصدت النسبة الغالبة من مقاعد البرلمان, ثم عندما جاء دور لجنة تأسيس الدستور حنثت بديمقراطيتها فكل الأوراق يجب أن تكون بيد من له الغلبة (الأغلبية), ورفضت الاستماع لأحد كان, وسارت في طريق وضع الدستور بمفردها حتى أوقفها حكم القضاء,
ليس هذا فحسب, ولكن عندما ظهر للعلن اللواء عمر سليمان كمرشح رئاسي منافس لثلاثي مرشحيهم كشرت الجماعة عن أنيابها الديمقراطية, وفي ثمان وأربعين ساعة استصدرت (قانون سليمان) أو قانون الفلول لمنع ترشحه في الانتخابات الرئاسية بدعوى حظر ترشح مبارك ورجاله ونسوا أو تناسوا أن الديمقراطية تعني حكم الشعب ولا وصاية لأحد على الشعب ولا أحد يحدد له ما يجب أو ما هو متاح للاختيار, والشعب يختار من يشاء ولو اختار مبارك نفسه, أليست هذه هي الديمقراطية؟
أما على باقي المستويات ممن هم ليسوا وكلاء حصريون للاسلام, نجد أن الديمقراطية بالنسبة لهم لها 90 مليون مفهوم, بدءاً من سائق الميكروياص الذي يفهم الديمقراطية بأنها السير بسيارته في الاتجاه المعاكس, ومروراً بكل من يرى أن الديمقراطية تعني قطع الطريق العام وخطوط السكك الحديدية لأن زوجته تركت البيت غاضبة إلى بيت أهلها, ولن يفتح الطريق مرة أخرى حتى تعيدها الحكومة إلى عصمته في بيت الزوجية, ومروراً بجماعة 6 ابريل والاولتراس الذين وجدوا أن الديمقراطية تعني وجوب اقتحاب مبنى وزارة الداخلية لهدم كبرياء رجال الشرطة في موقعة محمد محمود, ثم إغلاق مدخل رئاسة الوزراء ومنع الجنزوري رئيس الوزراء المعين لمدة ستة أشهر من آداء عمله في موقعة مجلس الوزراء, ومروراً بالجماعة الجهادية التي أعلنت عن استقلال إمارة سيناء الاسلامية, ومروراً بالبدو الذين حاصروا وهاجموا ميناء نويبع من أجل الافراج عن شحنة المخدرات خاصتهم التي تم ضبطها هناك.
ومرورا بغزوة الصناديق, وسلفيو قنا اللذين طبقوا شرع الله (حد قطع الأذن) في المدرس المسيحي, ومروراً بأهل السلوم الذين أحرقوا مبني المخابرات العامة هناك بعد اشتباك مهربيهم مع الجيش والشرطة الذين يقفون بالمرصاد لعمليات التهريب من ليبيا.
ولا يتسع المقام هنا لذكر كافة مآثر الشعب المصري وذكرياته مع الديمقراطية خلال عام ونيف, ولكن أقول في نهاية السرد:
لو كانت هذه هي الديمقراطية التي نبغي ونريد كشعب, فسحقاً لتلك الديمقراطية, لا نريدها ولا نريد الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وسايكس بيكو أمريكا الجديدة, مما تراه أعيننا نرى أن ما يصلح لنا هو ديكتاتور يحكمنا ويتسلط علينا ويقمعنا بالحديد والنار فالله جل جلاله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, ونحن شعب نحتاج إلى قرون طوال حتى نغير ما بأنفسنا, والفوضوي لا يصلح معه سوى الكرباج, وإن كان بيننا أناس على أعلى قدر من الثقافة والتحضر والرقي ومنا من هو زينة المحافل الدولية وسراج للكثير من دول العالم ولكن للأسف القاعدة الشرعية تقول درء الفوضى والغوغائية مقدم على جلب الديمقراطية..
بقلم مجدي المصري
www.youtube.com/watch
هذه ديمقراطيتنا ..
التعليقات (0)