هل كسرت غزة حصارها؟؟ |
كتب د. رمضان عمر | |
09/11/2012 | |
"قاوم" خاص - جاءت زيارة أمير دولة قطر لقطاع غزة، وما تبعها من تداعيات على المستويين السياسي والاقتصادي والأمني، فارقة في معادلات السياسة المحتملة عبر سناريوهات التحرك العربي باتجاه فك الحصار عن غزة؛ اذ مثلت هذه الزيارة سابقة نوعية من حيث أنها أول زيارة من النوع الثقيل دون تأشيرات من الجانب الصهيوني تصل غزة وتستقبل بصورة رسمية.
فهل حملت هذه الزيارة دلالات سياسية معينة؟ وهل حملت ظروف الاستقبال -أيضًا- قراءات عميقة لطبيعة المرحلة، وما بعدها إثر ثورات الربيع العربي؟
إن أية قراءة لمشهد سياسي متكامل تستدعي استخدامًا ذكيًا لقراءة ثلاثية الأبعاد، تسكشف جوانب الصورة وتستحضرها مجسدة للدلالة، وهنا يمكن الوقوف على ثلاث زوايا لهذه الزيارة، تحدد –متكاملة- القيم الدلالية الممكنة لتداعيات هذه الزيارة؛ ذلك أن المقارنة بين القراءة الصهيوينة لهذه الزيارة من نحو وقراءة السلطة لها من نحو آخر ثم قراءة حماس لها من نحو ثالث سيحدد وجه المقاربة المرجوة لدلالات أبعاد هذه الزيارة.
الموقف الصهيوني:
جاء الموقف الصهيوني عمليًا من خلال القصف العنيف المتواصل منذ ليلة الزيارة حتى كتابة هذه السطور، وفي هذا الصدد علق القيادي في "حماس" الدكتور صلاح البردويل -في تصريح له-: "إن هذا التصعيد انعكاس لحالة الغضب التي انتابت العدو بسبب هذه الزيارة التاريخية والناجحة"، لافتًا إلى تهديد رئيس وزراء الكيان الصهيوني (بنيامين نتنياهو) بأنه سيؤلم أهل غزة.
ونحن نعلم بأن "إسرائيل" لها منطقها الواضح في التعامل مع القضايا التي ترفضها أو تستاء منها؛ فهي تضرب في السودان وتقرصن في البحر، وتعبث بالأمن في كافة الأقطار العربية، لإحداث إرباك شامل، وزعزعة المنطقة، والحيلولة دون إنجاز مشروع التحرر العربي القائم عبر ثورات الربيع المشتعلة.
و"إسرائيل" كما يرى الدكتور فوزي برهوم -المتحدث باسم حركة حماس- "لم يرق له التعاطف القطري مع أهل غزة الذين يريدون أن يعيشوا بلا قصف وعدوان"، مضيفًا "إن العدو يعيش حالة ارتباك جراء هذا الانتصار الكبير لحركة "حماس"، وللشعب الفلسطيني في صبرهم وصمودهم".
ولذلك لجأت إلى هذا العنف تعبيرًا عن موقف واضح لا يسره أي انفراج ممكن لتعيش غزة بأمن وأمان.
بل إن الخارجية الصهيونية قد انتقدت هذه الزيارة بشكل واضح وصريح، وقالت إن أمير قطر قد "ألقى بالسلام تحت عجلات الحافلة، وإن الزيارة تعد تدخلاً في الخلافات الفلسطينية الداخلية".
وفى نفس السياق، حمل (أفيخاي أدرعي) الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيوني حركة حماس مسؤولية إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وقال "إن المستوطنات الإسرائيلية في النقب الغربي جنوب إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية منذ ساعات صباح اليوم".
وأضاف -في بيان نشرته الصحف الصهيونية اليوم- "إنه تجرى حاليًا في القيادة العسكرية مشاورات لتقدير الموقف" وتابع؛ "بالطبع سنرد بحزم على استمرار الاعتداءات الصاروخية انطلاقًا من القطاع". مع العلم أن الخروقات الصهيونية مستمرة، وليس لها علاقة بإطلاق الصواريخ من غزة، ولكن الجانب الصهيوني يستخدم هذه الصواريخ ذريعة لإرباك مناهضيه، وصرف الأذهان عن نواياه الحقيقية، والأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا التصعيد أو ذاك.
الموقف القطري:
مع أن تاريخ السياسة القطرية (الخارجية) الحديث يحمل في ثناياه تساؤلات كبيرة حول طبيعة هذا الدور الكبير المخترق لجغرافيا الدولة، العابر إلى أعماق البحار، المتجاوز للحدود الصحراوية الخليجية، المعقد والمختلط إعلاميًا وعسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا؛ إلا أن الحقيقة الأخرى هي: أن قطر؛ دولة وشعبًا كانت داعمًا أساسيًا لفلسطين عبر مواقفها في الأمم المتحدة وغيرها، وعبر مالها الموزع بين غزة والضفة، وبين رعايتها لتفاهمات المصالحة وغيرها.
ومن هنا؛ فإن خطوة قطر المتمثلة في هذه الزيارة تعد من الناحية العملية تتويجًا لحالة دعم متواصلة لم تبخل بها قطر عبر عقود، وهذا يحمد لهذه الدولة ويجعلها متقدمة على غيرها من دول الجوار التي لم تكن فاعلة في هذا السياق، بل إن بعضها كان جزءًا من الحصار وركنًا أساسيًا فيه.
موقف السلطة الوطنية:
دأب الخطاب السلطوي على اعتبار حماس كيانًا معاديًا، وواقعًا يجب محوه، فلم يعد في إعلام السلطة إلا أن تقزم منجزات المقاومة، وتشكك في شعبية الحركة، وتهزأ من جهود غزة لفك الحصار، فالسلطة كانت وما زالت جزءًا من الحصار الذي خنق غزة، وأي خلخلة في ذلك الجدار الخانق تغيظ السلطة، وتعتبرها تهديدًا مباشرًا لشرعيتها، ومن هنا فقد جاءت ردودها على زيارة أمير قطر لغزة غاضبة، فهي تارة تتحدث عن دور مشبوه لقطر هدفه تكريس الانقسام، ثم تراها تنتقل إلى مربع آخر يتمثل في التقليل من الأثر الإيجابي المتوقع لهذه الزيارة، وأحيانًا تزعم أن هذه الزيارة تمثل مؤامرة قطرية بإيعاز من المحتل لضرب صمود السلطة وحماية مشروع حماس (الأمريكي) على حد تعبير أكثر قادة فتح.
ومن هنا فقد رفضت فتح المشاركة في استقبال أمير قطر، حيث جاء على لسان رئيس اللجنة القيادية العليا لفتح في غزة يحيى رباح، الذي سبق أن صرّح بأن "حماس لم توجه لنا أي دعوة لاستقبال الوفد القطري، وفي حال وجهت لنا دعوة سندرسها ولا يمكن استباق الأمور"، ومع أن حماس وجهت دعوة، بل إن أمير قطر صرح بذلك ودعا أبا مازن ليشارك هذا الحفل إلا أن فتح رفضت الدعوة بعد توجيهها، لأن فتح في نظرهم أكبر من الجميع، ولا ترى أحدًا غيرها، حيث قال رباح: "إننا في فتح بحجمها ودورها في الساحة الفلسطينية لكونها صاحبة المشروع الوطني، لا تُدعى للوقوف في طابور استقبال، وإنما تدعى للمشاركة في تقرير كل تفاصيل هذه الزيارة من الألف إلى الياء، حيث لا يليق بفتح أن تتواجد فقط لاستقبال الأمير حين نزوله من سيارته. ولذلك نحن رفضنا، وكان يجب على الحكومة القطرية والحكومة في غزة أن تتصل معنا منذ البداية لمشاركتنا جنبًا إلى جنب لتوصيف هذه الزيارة وتحديد أهدافها وكيف ستكون، وليس مجرد التقاط صورة عند الاستقبال".
وأضاف "ما من شك أن هذه الزيارة ربما توجه ضربة قوية جدًا للمصالحة، وتثير الطموحات والأوهام من جديد"، وهو الأمر الذي يثبت عقلية الإقصاء والسيطرة التي تتمتع بها فتح، بل وحالة التفرد والغيبوبة، ودس الرؤوس في الرمال التي يعيشها محمود عباس وفريقه، حين يعتبرون أنهم وحدهم دون غيرهم الذين يقررون مصلحة الشعب الفلسطيني، وهو ما أوضحه رباح في تصريحه السابق بقوله "كان يجب الاتفاق مع الرئيس محمود عباس منذ البداية، واستشارته أولاً، لأنه رأس الشرعية وهو من يقرر أين تقع المصالح الفلسطينية العليا.. كان يجب سؤاله كيف تتم الزيارة"!
الزيارة ومستقبل الحصار:
كانت مصر في عهد مبارك الحامي العملي لمشروع الحصار وكانت السلطة المستفيد الثاني من هذا الحصار، وكانت حماس اللاعب المنفرد ضد هذه الجيوش المجتمعة، لكن إسقاط النظام المصري أحدث فرجة في الجدار أحدثت تفككًا نوعيًا في منظومة القيم الراعية لهذا الحصار، ومن هنا فإن تاريخ 25 من يناير هو فاتحة فك الحصار الفعلية وهذا ما نبه له أمير قطر، والحقيقة الفاعلة في سياق أي تحليل سياسي تصل إلى أن نجاح الثورات العربية في محيط فلسطين سيفكك هذه الجدر المجتمعة وسيكسر هذا القيد، وأنا أتوقع زيارات نوعية كثيرة ومتتالية وصولًا إلى استقرار غزة وخروجها منتصرة فاعلة، وهذا مرتبط بشكل كبير بتغيرات الواقع العربي المحيط.
كاتب وباحث فلسطيني. "حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
|
التعليقات (0)