يقول المستثمر الشهير وارن بفيت(Warren Buffett) أنه لو أتيت بكل الذهب في العالم ووضعته في حجرة أو مكان واحد فإنه لن يكون إلا كتلة كبيرة من معدن لامع بدون أي إحتمال لتوليد دخل أو ناتج إقتصادي. أنا شخصيا أختلف معه في ذالك فالذهب لم يوجد ليوضع في مكان واحد وقد يختلف البعض على أليات تداول الذهب وتحويله إلى قيمة إقتصادية ولكن أن يقال أنه بدون قيمة بذاته فتلك مسألة المختلفون حولها أكثر من المتفقين عليها. كما أنه هناك أنباء يتم تداولها على أن المستثمر الشهير نفسه يقوم بتكديس السبائك الذهبية حيث يقوم بشرائها بدون إثارة الكثير من الضجة ويقوم بشراء أسهم في شركات التنقيب عن الذهب, فإذا كان ذالك رأيه في المعدن الأصفر فماهي مصلحته في تكديس كميات من الذهب قد تثير شهية البعض والكثير من الأسئلة. الكلام العلني عن الذهب أو العودة للمعيار الذهبي بين صفوة المستثمرين يعد موضوعا يفضل عدم الخوض فيه وتشائما غير مبرر وعدم إحترام لمرونة النظام الإقتصادي القائم وخصوصا طرق توفير السيولة التي هي عماد ذالك النظام وأساسه. المؤيدين لنظرية المعيار الذهبي أو النظام المالي والإقتصادي المستند على الذهب ينظرون للطرف الأخر الذي تشكل البنوك الكبرى والمضاربين ومكاتب البورصة بنيته الأساسية على أنهم مجموعة من السحرة الذين يخلقون النقود من الهواء أو كما يقولون من العدم بهدف سرقة المدخرات التي تجمعها الطبقة العاملة بجهدها وعرقها. الكثيرون لايعتبرون الذهب عبارة عن سلعة أو إستثمار بل هو Money Par Excellence(نقودا بإمتياز). يقاال أن كمية الذهب المستخرجة منذ إكتشاف المعدن الأصفر تعادل مساحة مبنى صغير أبعاده 20م * 20م وإن كنت أشك في صحة تلك الأرقام والإحصائيات. كمية الذهب المستخرجة تنمو بمعدل 1.5% كل سنة بما يفسح المجال لتضخم لايكاد تذكر نسبته, في الحقيقة فإن ذالك سوف يؤدي إلى مايطلق عليه الإنكماش الحميد. الذهب شديد الكثافة من الممكن أن يشغل أقل مساحة ممكنة بأكبر وزن كما انه معدن طيِّع يسهل تشكيله مما يجعل إستخدامه كعملة نقدية ممكنا مقارنة بالمعادن الأخرى حيث يرجع تاريخ إستخدام الذهب كعملة إلى 5000 سنة. الذهب يتميز بخواص ثابتة حيث أن رقمه الذري هو 79 على جدول العناصر كما أنه من المستحيل أن يتأكل أو يقفد قيمته أو يتم تدميره إلا بإستخدام مواد كيميائية خاصة. على الرغم من كل تلك الخصائص التي يتمتع بها الذهب فإن المختصين إقتصاديين ورجال مال وأعمال وبنوك لايأخذون الذهب على محمل الجد كنقود بسبب الأزمات التي مر بها الإقتصاد العالمي خلال الحرب العالمية الأولى والثانية والكساد الكبيروإنهيار إتفاقية بريتون وودز. باري إيخرين(Barry Eichengreen) والكثير من المختصين الإقتصاديين المعارضين للمعيار الذهبي يستشهدون بالتعافي الإقتصادي السريع للدول التي تخلت عن الذهب وقامت بتعويم عملتها قد تعافت من أزمة الكساد الكبير سنة 1933 بسبب قدرتها على توسيع قاعدتها النقدية والتحكم بأسعار صرف عملتها بطريقة أفضل من الدول الأخرى التي عانت من الإنكماش الإقتصادي. المشكلة أنه بينما يتم إلقاء اللوم على الذهب في الأزمات الإقتصادية فإن السبب الحقيقي هو السياسات المالية المتبعة والتي لاعلاقة لها بالذهب من قريب أو من بعيد. ففي ردة فعل بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أزمة 1933 فقد قام بتقليص الكتلة المالية بدلا من توسيعها إعتمادا على كميات الذهب التي كانت بحيازته والتي كانت تسمح له بذالك بضعفين ونصف. كما أنه لم يقم بشراء عملات أجنبية بالدولارات المطبوعة حديثا بما كان سوف يسمح له بتوسيع الكتلة المالية حتى بأكثر من تلك التي تسمح له بها القاعدة الذهبية. لم يقم البنك بأي من تلك الخطوتين الإعتماد على الذهب كأساس للتعاملات المالية ينقسم إلى مجموعة أقسام. أول تلك الأقسام هو القاعدة الذهبية التقليدية التي لا تسمح إلا بالكتلة النقدية التي تعادل قيمتها الذهب الموجود بحوزة البنك المركزي أو وزارة الخزانة. وحيث أن الزيادة في كمية الذهب المستخرجة هي 1.5% والإقتصاد من الممكن أن يتوسع بنسبة 3.5% على سبيل المثال فسوف يكون هناك إنكماش إقتصادي(حميد) حتى تتساوى النسبتان فإما زيادة كمية الذهب عبر الإستخراج أو الشراء أو تقلص الإقتصاد حتى تكون الكتلة المالية المتوفرة أكثر فعالية في ظل زيادة نسبة إستخرج الذهب الممكنة. من الممكن في ظل تطبيق المعيار الذهبي التقليدي إستخدام خطوط الإئتمان وسندات الدين ولكن لايمكن بأي حال من الأحوال تجاوز الكتلة النقدية التي تسمح بها كمية الذهب المتوفرة. باقي تلك الأقسام على إختلافها يمكن إطلاق إسم القاعدة الذهبية المرنة(Flexible Gold) تتفرع إلى طريقتين رئيسيتين, فالأولى تسمح بخلق الدين بالزيادة عن كمية الكتلة النقدية التي تسمح بها كمية الذهب المتوفرة. الثانية تسمح بإستخدام وسائل أخرى كحقوق السحب الخاصة وخطوط المقايضة لزيادة الكتلة النقدية بدون أن يكون للمخزون الذهبي أي تأثير على تلك العملية بالسلب أو بالإيجاب. إن إتباع السياسة الذهبية المرنة يتوجب طرح مجموعة أسئلة اولها الحد الأدني من كمية الذهب المتوافرة مقارنة بالكتلة النقدية المتداولة؟ هل هي 20% أو 40% وهي النسبة التي تاريخيا كانت بحوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي؟ حاليا تلك النسبة إنخفضت إلى 17.5% وبقيت على حالها منذ فترة طويلة نسبيا. السؤال الثاني متعلق بتعريف النقود وذالك مهم لحساب نسبة الكتلة النقدية إلى الذهب. هناك قاعدتان لذالك وهما مايعرف بإسم (M1) و (M2). هناك مصطلح القاعدة المالية أو (M0) والتي تشمل الأوراق المالية والعملات النقدية المعدنية بالإضافة إلى إحتياطي القطع الأجنبي الذي تحتفظ به البنوك المركزية. مايعرف بإسم (M1) تشمل (MO) بإستثناء إحتياطي القطع الأجنبي. تعريف موسع لها سوف يشمل الحسابات الجارية والشيكات السياحية بالإضافة إلى (MO). أما بالنسبة لمايعرف بإسم (M2) تشمل بالإضافة إلى (M1) الحسابات الإستثمارية(Saving Accounts) والإيداعات يتم حسابها أحيانا. وحتى نعلم أهمية تلك النقطة فإنه في سنة 2011 فقد بلغت كمية (M1) في الولايات المتحدة 1.9 تريليون دولار مقارنة بكمية (M2) والتي تبلغ 8.9 تريليون دولار حيث نعلم الأن تأثير ذالك على سعر الذهب في حالة إتباع (M1) أو (M2). نفس المشكلة بالنسبة للكتلة النقدية تبرز عند حساب كمية الذهب الداخلة في المعادلة. هل كمية الذهب الرسمية تعتبر طريقة عادلة أم يضاف إليها كمية الذهب في حيازة المواطنين والشركات أم كمية الذهب التي في حوزة الدول الأخرى؟ سعر الذهب مقارنة بالدولار يجب ان يؤخذ في الحسبان لأنه السعر الخاطئ قد يتسبب بأزمة إنكماش تتحول إلى كساد إقتصادي. في سنة 1925 كان سعر أونصة الذهب 20.67 دولار ولكنه كان سعرا إنكماشيا تسبب فيما بعد بموجة كساد بسبب تضخم الكتلة النقدية مقارنة بكمية الذهب المتوفرة بينما سعر 50 دولار للأونصة من الممكن أن يكون سببا فيما يسمى الكساد الحميد. السؤال الأخير المتعلق بما يسمى القاعدة الذهبية المرنة متعلق بالسماح للبنوك المركزية بمخالفة القواعد الصارمة المتبعة في حالات محددة. هناك مشكلة ثقة تاريخية متعلقة بقابلية تحويل النقود إلى ذهب بين البنوك المركزية والمواطنين. تاريخ البنوك المركزية مليئ بمناسبات خالفت فيها تلك الوعود ففقدت ثقة المواطنين والتي هي مكون أساسي من مكونات النظام الإقتصادي العالمي. شرطان أساسيان لايمكن لأي نظام مالي بناء الثقة بدوهما أولهما هما أساس قانوني متين والثاني سياسات سوق مفتوحة إلزامية تعمل على ثبات الأسعار وخماية السوق من التقلبات الحادة. إذا إجتمع الشرطان فإنه يمكن عندها لبنك الإحتياطي الفيدرالي تجاوز القواعد الصارمة في حال تطبيق القاعدة الذهبية المرنة. هناك إقتراح تم تقديمه في مؤتمر بريتون وودز سنة 1944 بإعتماد عملة عالمية مستندة إلى غطاء ذهبي, ذالك الإقتراح تم تأجيل تنفيذه وليس إلغائه. سعر الذهب بالنسبة للعملة المقترحة يتراوح بين 3500 دولار للأونصة-7500 دولار للأونصة ويعتمد على كون الصين داخلة في نظام العملة العالمي الجديد بكتلة مالية تفوق مالدى الولايات المتحدة حيث لاتخفي على أحد دعواتها لنظام مالي وإقتصادي جديد يتضمن عملة إحتياطي عالمية بديلا عن الدولار. فهل تكون الخطوة التي إتخذها صندوق النقد الدولي بإضافة اليوان الصيني إلى سلة عملاته أولى تلك الخطوات نحو عملة إحتياطية عالمية بديلا عن الدولار؟ مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2015/12/blog-post_6.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة النهاية
التعليقات (0)