على عكس الشائع تاريخيا فإن الحرب العالمية الأولى لم تنتهي بهزيمة أحد الأطراف أو إنتصار عسكري كاسح لطرف أخر بل إنتهت بمعاهدة سلام في مؤتمر باريس وتبعها مفاوضات متعلقة بالتعويضات المالية للحرب في مؤتمر فرساي. بحلول عام ١٩١٨ لم يبدو لتلك الحرب أي نهاية حيث كان هناك عدد من معاهدات السلام التي تم قبل ذالك نقضها وكانت الحاجة لمعاهدة دائمة وثابته شيئا ضروريا حيث أن أي طرف من أطراف الحرب لم يكن مستعدا لمواصلة القتال, وقد كان ذالك هو الهدف من وراء مؤتمر باريس سنة ١٩١٩. السبب الرئيسي وراء إستنزاف القوى المتصارعة كان إقتصاديا بحتا حيث أن فرنسا وبريطانيا كانتا تعلمان أن الفاتور الإقتصادية للحرب إقترب موعد التباحث فيها. فرنسا وبريطانيا قامتا بإقراض روسيا مبالغ مالية كبيرة ولكن روسيا أعلنت إفلاسها مع سيطرة الشيوعيين على الحكم. بريطانيا كانت مدينة للولايات المتحدة بمبلغ ٤.٧ مليار دولار وفرنسا كانت مدينة للولايات المتحدة بمبلغ ٤ مليار دولار وكانت مدينة لبريطانيا بمبلغ ٣ مليار دولار. إيطاليا كانت عاجزة عن دفع ديونها. وبإختصار لم تكن أي من الأمم المشاركة في الحرب قادرة على دفع أي دين وكانت حركة المال والتجارة متوقفة. كانت بريطانيا وفرنسا تريان فرصة في مؤتمر باريس للسلام فرصة لفرض إتفاقية على ألمانيا والنمسا تشمل تعويضات ضخمة, وهي مسألة كانت تعد الأكثر تعقيدا والمتعلقة بالمؤتمر. ألمانيا كانت مطالبة بالتنازل عن أراضي ومقدرات صناعية مما كان يجعل مهمة دفعها للتعويضات المطلوبة أكثر صعوبة. كما أن فرنسا كانت تضع نصب أعينها الإستيلاء على إحتياطي ألمانيا من الذهب والذي كان يقدر ٨٧٦ طن متري ويعد رابع أكبر إحتياطي في العالم بعد الولايات المتحدة, روسيا وفرنسا نفسها. كانت هناك حاجة لتحريك عجلة الإقتصاد والتجارة والتي كانت متوقفة بسبب مشكلة الدين بين الدول المختلفة. الإتجاه الأكثر تفائلا كان بأن تقوم الولايات المتحدة بإقراض بريطانيا وفرنسا والدول الأوروبية بينما كان هناك إتجاه أخر إلى أن تسامح الدول بعضها بالديون وتبدأ فصلا جديدا من الإزدهار الإقتصادي الغير مقيد بالدين والفوائد. لم يتحقق أي شيئ مما سبق ذكره فلا الولايات المتحدة قامت بإقراض أورويا ولا تنازلت عن ديونها ولا الدول الأوروبية سامحت بعضها بالديون وقامت فرنسا وبريطانيا بفرض شروط صلح وتسويات مالية على المانيا بطريقة من المستحيل الوفاء بها حيث تسببت تلك الشروط بصعود النازية وقيام حرب عالمية ثانية. كان هناك أيضا إختلاف على طريقة التعويضات حيث كانت فرنسا وبلجيكا تفضل تسلم التعويضات بناء على حجم الدمار الفعلي في المباني والممتلكات بينما تفضل بريطانيا تقديرها بناء على رواتب جنودها وحجم تعويضات التقاعد وإصابات الحرب ولكن في النهاية لم يتم تقدير حجم معين للتعويضات في معاهدة فرساي. حساب تلك التعويضات كان مستحيلا من الناحية التقنية كما أن الإتفاق عليها كانت تعوقه عقبات سياسية. بحلول سنة ١٩٢١ كان المسرح معدا لحرب إقتصادية من نوع مختلف متعلقة بأسعار صرف العملات عليها والمضاربة فمشكلة الديون والتوترات حول تعويضات الحرب التي لم يتم التوصل إلى تسوية نهائية بخصوصها أصبحت تشكل عائقا أمام حركة التجارة وتدفق رأس المال حول العالم. المعيار الذهبي لم يكن هو المهيمن في تلك الفترة وإن كانت هناك محاولات لإعادته إلى واجهة الأحداث حيث كانت هناك حالة ثبات إقتصادي وإنتعاش تجاري في الفترة التي كان الذهب هو المهيمن فيها على المعاملات التجارية ومتحكما بسعر صرف العملات. إنشاء بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي ساهم في تقديم الولايات المتحدة كطرف مهمين على المسرح المالي والنقدي العالمي. ومع حلول عام ١٩٢٠ فقد كان الحنين إلى العصر الذهبي الكلاسيكي, التوتر الناجم عن إتفاقيات مابعد الحرب وخصوصا التعويضات بالإضافة إلى الشكوك التي حامت حول القوة المالية التي يتمتع بها بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي, كلها عوامل ساهمت في إشعال فتيل للحرب الإقتصادية الأولى من نوعها على مستوى العالم والتي بدورها كانت تمهيدا لتهيئة مسرح الأحداث للحرب العالمية الثانية. في الختام أحب أن أنوه إلى أن ماجرى في الخفاء والمتعلق بالحرب العالمية الأولى والثانية والأسباب الممهدة لتلك الحروب هو أشمل وأوسع من أن تشرحه سطور موضوع مخصص لتوضيح هدف معين أو نقطة معينة. ولعلي في مواضيع قادمة إن شاء الله أشرح بإسهاب أكثر كيف تم التأمر على ألمانيا وكيف تم التمهيد لصعود النازية فيها والفاشية في إيطاليا وكيف حاول هتلر تجنب الحرب والأسباب التي دفعت بريطانيا للإصرار عليها. النهاية مع تمنياتي للجميع بالتمتع بالصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة: http://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2014/10/blog-post_16.html
التعليقات (0)