تمر هذه الايام الذكرى الثلاثون لتوقيع ما يسمى باتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني , وفي خبر قرأته في جريدة ايلاف جاء فيه ان عاموس جلعاد رئيس الهيئة الحربية والسياسية في وزارة الحرب الاسرائيلية وفي اثناء تواجده في احتفالية بالمناسبة قد صرح لجريدة يدعوت احرانوت في عددها الصادر يوم الخميس بتصريح يقول فيه ( ان العلاقات المصرية الاسرائيلية عبارة عن حجر الزاوية بالنسبة لامن اسرائيل القومي ) . كما يقول الخبر ان جلعاد قد اشار في تصريحاته الى موقف مصر المتسامح مع اسرائيل اثناء معركة غزة الاخيرة . وان مصر تعتبر حماس خطر عليها وهي انما ترعى المفاوضات بين حماس وفتح فقط لتقوية موقف عباس وعلى اساس الخروج بتشكيل حكومة وحدة وطنية تقبل بحق اسرائيل في الوجود . وفي ما يخص ايران قال جلعاد ان مصر لن ترضى بأن تمتلك ايران سلاحا نوويا .
اقوال جلعاد هذه تلخص بكل وضوح مفهوم السلام الحالي بين العرب واسرائيل . انظمة تضمن امن واستقرار اسرائيل ضد شعوب رافضة لوجودها وتخوض حروبا دبلوماسية واقتصادية وربما عسكرية اذا تطلب الامر بالنيابة عنها ضد دول معادية لها مثل ايران, وهذا امر اعتقد انه بات معروف للجميع , وكذلك لتضمن اسرائيل فتحها اسواق جديدة في الدول المطبعة معها تتيح لها بيع بضائعها وحصولها على مواد اولية وطاقة مقابل اثمان زهيدة , ونظرة واحدة على العقود التجارية بين اسرائيل ودول التطبيع ستبرهن ذلك .
ولكن السؤال اللذي يمكن ان نسأله هنا ماللذي كانت تتوقعه دول التطبيع من التطبيع مع اسرائيل ؟ .
ليس امرا صعبا على المواطن العربي العادي ان يعرف ان كل العلاقات السرية اللتي كانت موجودة بين الحسن الثاني وبورقيبة والحسين بن طلال من جهة واسرائيل من جهة اخرى وكل معاهدات السلام اللتي وقعها العرب بعد زيارة انور السادات الاولى الى القدس وكل السفارات ومكاتب التمثيل اللتي فتحت في معظم العواصم العربية لاحقا كان الهدف منها الوصول الى قلب الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا , فلقد علم الجميع ان الطريق الى قلب الغرب يمر عبر اسرائيل . وبالتاكيد ان جميع العرب كانوا يفكرون في قبض ثمن هذا التقارب استثمارات هائلة تنتشلهم من الواقع الاقتصادي والاجتماعي المرير اللذي وصلت اليه هذه الدول . والوصول الى الى مصاف الدول الصناعية المتقدمة .
هذا ما توقعناه فماذا كانت الحقيقية بعد ثلاثين عاما ؟ . اثنان وعشرون دولة تمتلك 40% من مصادر الطاقة في العالم , اراضي شاسعة ومتنوعة تشكل اكثر من 10% من مساحة العالم واجواء متعددة تضمن انتاج زراعي يكفي لاطعام العالم اجمع , ومواد اولية تمكنها من انتاج كل ماتحتاجه . وما يقرب من 300 مليون مواطن يضمنون ايادي عاملة رخيصة وكافية لتنفيذ اي مشروع استثماري ناجح . كل هذه الامكانيات ولا يبلغ الناتج القومي لكل دول الوطن العربي اليوم اكثر من اثنان ونصف بالمئة من الانتاج العالمي .
قد يقول قائل ان الاستثمارات الاجنبية في دول الخليج مثلا قد حولتها الى دول غنية وهذا صحيح ولكن مانوع الاستثمارات هذه ؟ . الجواب ان اكثر من 90% من الاستثمارات الغير نفطية هي عبارة عن فنادق ومنتجعات سياحية وعقارات لايواء ملايين الاجانب غير العرب الباحثين عن الوضائف وربما الثراء وجيوش الخدم والمومسات اللتي انهالت على هذه الدول . وحتى المشاريع الصناعية في هذه البلدان هي صناعات خفيفة لاتحولها الى دول صناعية . ولولا النفط وقلة السكان لما كان حظ دول الخليج مختلفا عن باقي الدول العربية . ( كما ان دول الخليج باستثناء السعودية هي دول صغيرة لاتشكل خطرا على اسرائيل )
اما الدول العربية الاخرى فاستثمارات الهمبورغر والمنتجعات السياحية وشركات استغلال الاراضي الزراعية اللتي قضت على الفلاحين هي الاستثمارات الغربية الاولى في دول التطبيع .
والمحصلة النهائية بعد ثلاثين عاما من الذلة دول متخلفة صناعيا وعلميا واجتماعيا . حروب اهلية وخارجية مستمرة . مواد اولية نفط وغاز تباع ببلاش تقريبا وتتحول الى طعام نستورده يذهب نصفه الى المجاري كفضلات . فهل نتوقع بعد ذلك ان الغرب سيستثمر عندنا يوما اموالا تحولنا الى دول صناعية وغنية قادرة على انتاج حتى ( الاسلحة المتطورة ) ؟ .
الذكاء السياسي وعقد الصفقات السياسية لايختلف كثيرا عن الذكاء في عقد الصفقات التجارية . فأن مشهد يركب فيه السياسي العربي طائرته ويذهب الى القدس ويجلس بعد ذلك مع المسؤولين الصهاينة ليتفاوض على صفقات , يشبه بالظبط مشهد التاجر اللذي اشترى بضاعة ودفع ثمنها كاملا مقدما وعندما ذهب لكي يأخذ بضاعته بدأ يتفاوض على نوعية وثمن البضاعة مع البائع ويطلب منه ان يستعيد جزء من الثمن او ان يغير كمية ونوعية البضاعة . والتاجر المشتري في هذه الحالة لا يتفتاوض بل يتوسل التاجر البائع . والسياسي العربي الشاطر كان لزاما عليه ان يتفاوض اولا ويقبض الثمن مقدما ثانيا ثم يذهب الى القدس بعد ذلك .
التعليقات (0)