مواضيع اليوم

هل فعلا الشرائح الاجتماعية المتوسطة بجهتنا في طور الاندثار؟

إدريس ولد القابلة

2012-07-25 01:01:23

0

 

عدنا لا نسمع إلا عبارة واحدة عند السؤال عن واقع الحال بجهتنا، إنها عبارة "الحركة واقفة وليس هناك ما يدعو إلى الارتياح... الأمور تسوء يوما بعد يوم... كساد في كل القطاعات... الجميع يشتكي".


رغم الحركة الدائبة التي قد يلاحظها المرء في شوارع مدن الجهة، الوضع لا يبدو على ما يرام. بعم هناك حركة مائجة من السكان والسيارات التي تتدفق وتتناسل كالفطر على امتداد ربوع الجهة. وهي حركية يومية مرتبطة بالأساس بشرائح الطبقة المتوسطة، وهذا في وقت يصرح فيه العديد من المتتبعين الاقتصاديين ببداية استفحال ظاهرة اندحار الطبقة المتوسطة وصيرورة زوالها من المجتمع المغربي.
إذا كانت "الحركة واقفة"وشرائح الطبقة المتوسطة في زوال، فلمن كل هاته السيارات الاقتصادية التي تملأ شوارع الجهة وأزقتها؟ ولماذا هناك الكثير من المدارس والمعاهد الخاصة والعديد من المطاعم؟ علما أن أحد تقارير المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب أقرّ أن 51 بالمائة من المغاربة ينتمون للطبقة المتوسطة.


فهل فعلا شرائح الطبقة المتوسطة في طور الاندثار بجهة الغرب الشراردة بني احسن أم فقط هناك تقاعس عن أداء دورها التاريخي في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والمحلي؟


ومن المعلوم أن الطبقة المتوسطة، ظلت تعتبر عبر التاريخ البشري ميزان الاعتدال في الدولة وفضاء وسط بين الطبقتين الغنية والفقيرة. بل هناك من المفكرين من ذهب إلى القول إن الطبقة المتوسطة خير من الطبقتين الغنية والفقيرة وأجدى منهما في الحكم والسلطان، لرجاحة فكرها وحكمتها ولانعدام النزعة الاستبدادية لديها.


ظاهريا لازالت شرائح الطبقة المتوسطة موجودة بجهتنا وهي لم تندثربعد، بموظفيها في القطاع العام ومستخدميها في القطاع الخاص، بصيادلتها، بأساتذتها، بمهندسيها، بمحاميها، بكوادرها، بأطبائها، ببنكييها، بكتابها، بمثقفيها، بساستها، بحرفييها، بمقاوليها، وبفلاحيها المتوسطين. إنها لازالت موجودة هيكليا، لكن على مستوى دورها يكمن السؤال. فهل تخلت عن الحراك الاقتصادي والسياسي والثقافي، وغدت تائهة بين الشعور الوطني والنزوع نحو الانقياد لما فرضته العولمة على مجتمعنا. الأكيد أنها ما زالت موجودة لكن مكتفية بلعب دور استهلاكي مظهري بعيدا عن أي إنتاجية وإبداع أو مساهمة فعالة في انتاج الثروات المضافة كما كان حالها في السابق.


فما هو ظاهر على الصعيد السياسي والثقافي تفشي هي قيم النفاق والمجاملة والتزلف والتسلق والنفعية والوصولية والانتهازية في صفوف شرائح الطبقة المتوسطة بجهتنا، سواء في الإدارة أو في كواليس الأحزاب السياسية أو في المشهد الثقافي والاقتصادي همها تحقيق الرفه والترف الاجتماعيين بشكل يليق بوضعها الاجتماعي عوض الدفاع عن المصالح الطبقية المشتركة، في زمن أطلقت فيه الرأسمالية العنان لليبراليتها المتوحشة الجامحة بتزكية ودعم القائمين على الأمور، وتركت الدولة قوى السوق تصول وتجول بالنحو الذي يطيب لها غير آبهة بالهم الاجتماعي بعد أن تخلت في واضحة النهار عن دورها الاجتماعي الذي أُسست أصلا من أجله.
يبدو تخلي شرائح الطبقة المتوسطة بجهتنا بشكل جلي في عدم انشغالها بالمرة –خلافا للسابق- بمشروعها الثقافي والمجتمعي والتنويري، وتخليها السافر عن سلوكها النضالي، وعن سعيها الحثيث للتأثير- بشكل أو بآخر- في صنع القرار السياسي وإمداد المجتمع بالأفكار والحلول والإبداع كما تأكد تاريخيا عندما كانت هذه الطبقة منشغلة حتى النخاع بحركة التحرير الوطني وبأوار معارك بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. فلماذا هذا التحول؟


يبدو أن شرائح الطبقة المتوسطة بجهتنا شرعت منذ مدة تتدحرج باستمرار وتتقهقر سيما بعد أن بدأت تفتقر إلى الشعور بالأمان،عندما سكنها الخوف من تقلبات الزمن، فباتت منشغلة بالهم اليومي، واحترقت بوطأة القروض اللامتناهية التي أثقلت ظهرها من أجل تغطية مصاريف الاستهلاك للحفاظ على مظاهر الموقع الاجتماعي. وأضحى ما يشغلها حاليا هو البحث أن عن سقف آمن بعد أن تلبدت سماؤها بغيوم اليأس والخوف من الغد.


ويبدو أن المسار معاكس لإرادة القائمين على الأمور.فقد كسرالملك محمد السادس، التقاليد الملكية المتوارثة حين اختار الأميرة للا سلمي زوجة له، وهي من الطبقة المتوسطة، كما شدد في خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2008 على ضرورة "أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسات العمومية هو توسيع الطبقة المتوسطة لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار..". فكان الخطاب الملكي حافزا لوضع سياسة حكومية، تستهدف النهوض بأوضاع الطبقة المتوسطة، وتوسيع شريحة الطبقات الاجتماعية المتوسطة عبر الحوار الاجتماعي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، فجاء دعم الحكومة لمجالات السكن والصحة والتشغيل ومأسسة الحوار الاجتماعي. وتم اتخاذ جملة من التدابير في هذا الإطار كمبادرة التخفيف من بعض العبء الضريبي على الدخل والزيادة في تعويضات الضمان الاجتماعي على الأبناء، وإدماج بعض رؤوس الطبقة الوسطى في النظام ودوائر صناعة القرار بالبلاد وكذا بعض النشطاء الجمعويين والنقابيين والمثقفين والصحفيين وتعيينهم في مواقع هامة ولجن استشارية، والتشجيع على تأسيس جمعيات عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحريك نسبي لسلم الأجور، بشكل خفف من حدة الاحتجاج في نفوس شرائح الطبقة المتوسطة. لكن يبدو أن كل هذه الإجراءات لم تكن كافية بالنظر إلى وضعية الطبقة الوسطى التي أضحت مهترئة وهشة.


فهل هذه الشرائح سائرة نجو السقوط في براثن الفقر والخصاص، وبذلك ستفقد رصيدها الرمزي والثقافي الذي حفظه لها التاريخ والذاكرة الجماعية بعد أن لا تعدو أن تكون مجرد شرائح هشة وواهنة؟


فهل من الممكن أن تنبعث شرائح الطبقة المتوسطة بجهتنا من أنقاضها لتستعيد لعب دورها في النسيج الاقتصادي والمجتمعي إن على الصعيد الوطني أو الجهوي؟
هذا هو السؤال اليوم.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات